رفض قانون الخدمة المدنية محطة فاصلة فى أداء مجلس النواب الحالى، فقد سبق الرفض محاولات مستميتة من جانب الحكومة لتمريره، تراوحت بين الترغيب فى الجانب الإصلاحى الذى تنطوى عليه بعض مواد القانون، والترهيب من الآثار التى ستنجم عن الرفض، ومن بينها أن الحكومة ستتكلف 17 مليار جنيه، وأن الرفض سيعطل الحصول على قروض دولية قطعت فيها الدولة العديد من الخطوات، بالإضافة إلى التلويح الطفولى بتأخر صرف مرتبات يناير، بسبب حالة الارتباك التى ستترتب على إيقاف العمل بالقانون، ورغم كل ذلك أصر أغلبية النواب على رفض القانون، ونحوا جانباً ترغيبات وتهديدات وتلويحات ومغازلات الحكومة.
حذرنا كثيراً فيما سبق من عدة أمور ترتبط بهذا القانون، من بينها بعض المواد التى أثارت قلق الموظفين، ذلك القلق الذى دعم منه الإعلان -مع بداية تطبيق القانون- عن خطة اعتمدتها الحكومة للتخلص من أكثر من 3 ملايين موظف، ليتبقى فى الجهاز الإدارى نصف العدد الحالى للموظفين (6.5 مليون)، ناهيك عن الأحاديث المتواترة على ألسنة المسئولين عن العبء الضخم الذى تتحمله الموازنة العامة لتمويل مرتبات الموظفين. والأخطر من ذلك استثناء بعض الفئات من عدد من مواد القانون، مثل موظفى رئاسة الجمهورية، ومجلس الوزراء. وقد بدا دفاع مسئولى الحكومة -المستثنين من تطبيق هذه المواد- عن دور القانون فى إصلاح الجهاز الإدارى للدولة مضحكاً ومثيراً للسخرية، فكيف يتأتى الإصلاح وهناك استثناءات فى تطبيق القانون، كيف يكون هناك إصلاح فى وجود فئات تزيد مرتباتها كل شهر، أو شهر وشهر، وفئات أخرى تجتهد الحكومة فى محاصرة «السحاتيت» التى تقبضها نهاية كل شهر، تحت شعار الإصلاح؟!.
كبار مسئولى الدولة، ورهط من الإعلاميين والسياسيين، لا يتوقفون عن الغمز واللمز فى حق الموظف المصرى، ويزعمون أنه لا يعمل وأن وجوده مثل عدمه، وأنه يكلف موازنة الدولة الكثير. وليس بمقدور منصف أن ينكر حالة الإهمال والتراخى التى تسيطر على أداء بعض الموظفين، ولو كانت هناك رغبة حقيقية فى الإصلاح لما سيطر على كلام المسئولين، وهم يدافعون عن هذا القانون، الحديث عن «الفلوس والمرتبات» التى تفتح بيوت أكثر من ثلث سكان مصر، لو كانوا يريدون الإصلاح لتحدثوا عن تطوير الأداء والتدريب ورفع مستوى المهارات، والاحتكام إلى مبدأ الثواب والعقاب فى محاسبة الموظف، ولقدموا أنفسهم -قبل هذا وذاك- كقدوة، لأنهم فى النهاية موظفون، بداية من أكبرها إلى أصغرها مسئول، وأبسط وسيلة لتكريس القدوة أن يطبقوا كل مواد القانون على أنفسهم، فهم ليسوا صنفاً ممتازاً من الموظفين، وإلا بماذا نفسر الخيبة القوية التى تسيطر على الكثير من نواحى حياتنا؟!.
حسناً فعل مجلس النواب عندما رفض هذا القانون، ليثبت أنه ليس مجلس «بصمجية» على ما تريده الحكومة، ويقينى أن هذا المعنى كان سيتأكد إذا ووفق على قانون الخدمة المدنية، لأن الموافقة تعنى أن النواب مرروا كل القوانين التى صدرت ما بعد 30 يونيو 2013، ويكفى جداً التورط فى تمرير قانون منع الطعن على تعاقدات الحكومة مع المستثمرين!. عدّلوا قانون الخدمة المدنية، وبرئوه من المواد غير العادلة، وركزوا على المواد الإصلاحية، وطبقوه على كل الموظفين، دون استثناء، وسيوافق عليه الجميع!.