لم يمض على أزمة «الواقى الذكرى»، التى تسبّب فيها الشابان أحمد مالك وشادى حسين يومان، حتى دخلنا فى أزمة جديدة من الأزمات التى لم تعد تتوقف بين الشرطة والمواطنين. أزمة الواقى الذكرى أثارت غضب الكثيرين، فليس بإمكان عاقل أن يقبل التصرف الذى أتاه الشابان وما انطوى عليه من إهانة لمجندين غلابة، يفعلون ما يؤمرون، ولم يكن يليق أن يتم توظيف طيبتهم كساحة للتعبير عن الاحتجاج على ممارسات الشرطة. قبل مرور 72 ساعة على واقعة الواقى الذكرى، فرضت أزمة جديدة نفسها، هى أزمة «أمناء التزوير»، حين تعدى اثنان من أمناء الشرطة على طبيبين بمستشفى المطرية وقاما بسحلهما واقتاداهما إلى القسم، وجاء فى تفاصيل الواقعة أن أحد الأمينين طالب واحداً من الأطباء بتزوير تقرير طبى لصالحه، ولما رفض الطبيب وزميله ذلك حدث ما حدث.
العلاقة بين الشرطة والشعب أصبحت تنذر بما لا يُحمد عقباه، فقد تعددت وقائع تعدى رجال شرطة على مواطنين فى الشوارع وأقسام الشرطة والسجون، البعض يطلب من المواطنين الصفح عن هذه التجاوزات، والانتباه إلى الدور الذى تقوم به الشرطة فى مواجهة الإرهاب، والضحايا الذين يسقطون بصورة يومية من صفوفها. وهو جهد لا يستطيع أحد أن ينكره، وأتصور أن أغلب المواطنين يتفهمونه، لكن الوقوف ضد الإرهاب لا يبرر التجاوز لسببين: أولهما أن المواطن لا يستطيع أن يستوعب فكرة الرضاء بالإهانة أو التجاوز مقابل الحماية. جهاز الشرطة ليس «فتوّة» يحمى الناس من بطش فتوات «الحوارى» الأخرى، مقابل «المهانة»، والطاعة فى الصواب والخطأ. هذا أمر غير مقبول وغير منطقى. السبب الثانى أن مواطن اليوم لم يعد بمقدوره تقبل ما كان يقبله بالأمس من ممارسات تحمل تجاوزات جعلت من الشرطة سبباً جوهرياً من أسباب قيام ثورة 25 يناير 2011، وثمة ظن لدى كثيرين بأن الشرطة تريد العودة إلى سابق عهدها خلال عصر «مبارك»، ويصل الشطط بالبعض إلى الحديث عن أن الداخلية تريد أن تنتقم من الشعب الذى جعلها هدفاً له فى ثورة يناير. وقد تفاءل الكثيرون بحالة الاعتدال التى ميزت العلاقة بين الشرطة والشعب خلال أحداث 30 يونيو، لكن سرعان ما أدركوا أن الأمر لم يزد عن التهدئة المؤقتة، حرصت الشرطة بعدها على العودة السريعة إلى أوضاع ما قبل يناير 2011، ومعلوم أن تشابه المقدمات يؤدى بالبداهة إلى تشابه النتائج!.
فى خضمّ الأزمة التى بدأت تتخلق من جديد بين الشرطة والشعب، والتصاعد اليومى فى تفاعلاتها، أجد أن السلطة مطالبة بمنح هذا الملف ما يستحق من اهتمام، نظراً لخطورته والمشكلات التى يمكن أن يسببها لها. الرئيس مطالب بأن يضع ملف تصحيح الفكر الذى يحكم أداء جهاز الشرطة على رأس أولوياته. فنحن نعيش لحظة خطيرة أساسها أن كل طرف أصبح يتوجس من الآخر، الشرطة تتوجس من المواطنين، والمواطن يتوجس من الشرطة. تستطيع أن تستخلص هذه الحقيقة بسهولة إذا استرجعت مشهد الحشود الشرطية التى اصطفت فى «التحرير» وغيره من ميادين مصر يوم 25 يناير، ومشهد الواقى الذكرى الذى شهده الميدان!.