سنة مرت على فقيد الأزهر الشريف والثورة المصرية وأحد أعلام الفتوى العلامة الأصولى اللغوى الفقيه الثائر الشيخ عماد عفت، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية.
كلمة واحدة تعرف بها قدر الفقيد ومكانته، وتلخص حياته، وتكشف العالم الربانى من المدعى، وهى أن الشيخ «كان ذا لسانٍ عفيفٍ عند الاختلاف، وعلمٍ غزيرٍ عند الفتوى، وتواضع شديد عند التعامل، وسمت أولياء فى إقباله على الله».
الشهيد هو عالم الثورة بحق، وهو «الثائر الحق» الذى قصده الشيخ الشعراوى، لم يتخلف يوماً عن المرابطة فى ميدان التحرير أيام الثورة الأولى، كما لم يتأخر عن عمله بدار الإفتاء، وتدريس العلوم الشرعية بأروقة الأزهر الشريف، فثار وبنى الأمجاد فى وقت واحد، يوم دخل أشباه العلماء ميدان التحرير متأخرين، لكنهم تصدروا المشهد، مع أن شهيد الأزهر حفظ من كتب العلم أكثر من عدد شعر رأس هؤلاء.
لقد أفتى شهيدنا فى قضايا خطيرة كقضية وضع البويضة المخصبة فى رحم الزوجة بعد وفاة الزوج، وتغيُّر الربح فى التمويل العقارى، ونكاح منكوحة الأب غير المدخول بها، وهى المسائل التى لا ينزل فيها إلا الكبار، يوم أن عجز الصغار الذين يتصدرون المشهد اليوم عن الكلام فيها، فأغرقوا الشباب بالشكليات، ولوثوا أسماعهم بالسب والتجريح.
لم يصعد الشهيد يوماً على منصة، ولم يملأ الدنيا بالتصاريح والقذف والفتاوى الشاذة، بل جلس يشارك الشباب فى جمع القمامة من الميدان بعد انصراف الدعاة المؤدلجين إلى القنوات الفضائية، إنه العبقرى المؤدب الذى أعطى فى صمت، عازفاً عن الشهرة والذيوع.. فأصبح إعطــاء أمثاله حقهم، وإنزالهم منزلتهم بمثابة فريضة أخلاقية.
فقيدنا عالم الثورة أصدر الآلاف من الفتاوى، التى لا تجد فيها سباً ولا قذفاً ولا إهانة ولا فتنة ولا تسرعاً ولا تجريحاً ولا تحزباً، بل فيها الأدب وقواعد العلم ومراعاة الواقع.
مات عماد الأزهر فتقدم صفوف الفتوى بعض النكرات من أهل التطفل على المعرفة، الذين يشتغلون بالخلاف والصخب والضجيج والمعارك الجانبية، فأتوا هم بأفكار نشاز، ورؤى عليلة، وفتن مدمرة، كأنهم طحالب فى قيعان كدرة، لم تعتصم بعلم ولا منهج، ولم تأو لركن وثيق، وقد شقيت بهم المنابر، فحولوا المساجد من أماكن ربانية إلى صراعات سياسية، وأما هو فكان فقط مشغولاًَ بالعلم وهداية الناس بالأخلاق لرب العالمين.
شهيد الأزهر الشريف كان كثير الذكر والدعاء، والصلاة على رسول الله، وظل ينادى.. داعياً الله أن يستجيب: (الشعب يريد إسقاط النظام)، (اللهم قنا شر الفتاوى التى تسىء للإسلام)، فاستجاب الله للأولى، وندعوه أن يستجيب للثانية.
وليس أقل من أن يكون لشهيد الأزهر تكريم سنوى جزاء ما قدمه للثورة، ولطلبة العلم فى الأروقة التى ظل الشيخ يدرس فيها وفق المنهج الأزهرى المنضبط حتى لقى الله.
والدعوة لأصدقائه وتلامذته فى دار الافتاء وغيرها المعروفين مثله بالعلم والأدب والرصانة أن ينشروا فتاواه المتعلقة بعلاقة المسلم بغير المسلم، وموقف الإسلام من الحرية، والديمقراطية، والسياحة، والبنوك، والعلاقة بين الدعوى والسياسى، فللشيخ فى ذلك كلام فى منتهى الاعتدال والفهم، كلام يشكِّل إضافةً وإثراءً للفكر الإسلامى والمصرى والإنسانى، لأنه تمكّن من أدوات الفتوى فاستطاع أن يصنعها بدقة رحمه الله.
والدعوة لشقيقه ورفيق دربه الشيخ العلامة أسامة السيد الأزهرى أن يكتب للقراءة مقالاً عن الشهيد عماد يغوص من خلاله فى عقل الشيخ وفكره وانضباط منهجه، فهو أحسن من يعرض للفقيد من هذه الزوايا.