ألم تكن مصر العظيمة تستحق أن يستفتى على دستورها فى بيئة مجتمعية وسياسية أفضل من السائدة اليوم باحتقانها واستقطابها؟ ألم يكن شعب مصر يستحق نصاً دستورياً يحظى بتوافق واسع بحسابات صندوق الاستفتاء؟ ألم نكن نستحق إدارة نزيهة ومنضبطة للاستفتاء على الدستور تغيب معها التجاوزات والمخالفات المنظمة؟ أليس من حق مصر علينا بعد أن أخفقنا فى جل ما تقدم أن نطرح مبادرات جذرية وحلولاً حقيقية للدستور غير التوافقى؟
طرحت بالأمس مبادرة جوهرها تأجيل مرحلة الاستفتاء الثانية والشروع الفورى فى جلسات تفاوض وطنى، وطرح غيرى أيضاً تأجيل الاستفتاء، والبعض الآخر إلغاء المرحلة الأولى وإيقاف الاستفتاء خاصة مع الاستحالة العملية (بحسابات اللحظة الراهنة) للإشراف القضائى الكامل عليه.
فبماذا ترد كل من مؤسسة الرئاسة والجماعة وطائفة مبررى الاستبداد على هذه المبادرات؟ تكرر الرئاسة، من جهة، طرحها المتعلق بحوار وطنى ينتج وثيقة للتعديلات الدستورية يلتزم الرئيس بعرضها على مجلس النواب بعد انتخابه، وهو الطرح الذى يمتهن إرادة المواطن بدفعه للاستفتاء اليوم على دستور يعلم اليوم أيضاً أنه سيعدل. من جهة أخرى، تنتج الرئاسة، التى تتجاهل تماما كافة التجاوزات والمخالفات التى حدثت فى سبت الاستفتاء الأول، خطاب «الدستور دستور ولو بـ50 بالمائة زائد واحد»، فى عصف صريح بقواعد التوافق المجتمعى حول الدساتير التى ترتبط بقبول أغلبية حقيقية لها ومحدودية القطاعات الشعبية الرافضة لها. والثابت أن مصر، وبعد سبت الاستفتاء الأول ونتيجة «لا» القوية، أبعد ما تكون عن هذا.
أما جماعة الإخوان فتواصل رفع شعارات «الإرادة الشعبية» وتوظيفها بأحادية لصالح نعم للدستور، متناسية أن الإرادة الشعبية منقسمة بالفعل وأن أقل بقليل من نصف الناخبات والناخبين رفضوا الدستور. تطلق الجماعة أيضاً دعوة للحوار الوطنى حول الدستور، وهى كجماعة ينبغى أن تكون دعوية واجتماعية وتترك العمل السياسى لذراعها الحزبية (الحرية والعدالة) ليست ذات صفة.
من جهتها، تستمر طائفة مبررى الاستبداد واختطاف مصر من أعضاء الجمعية التأسيسية السابقة (لم يعد لها وجود قانونى) وغيرهم فى توجيه الاتهامات بالخيانة والعمالة لمعارضى الدستور ثم دعوتهم لحوار مزعوم هو للمناظرة أقرب. والأجدر بهم هو الاعتذار بداية عن الاتهامات التى أطلقت، والدعوة كشخصيات سياسية (وليس كأعضاء للتأسيسية زالت من الوجود) لتفاوض وطنى.
تسهم أيضاً طائفة مبررى الاستبداد فى الترويج لخطاب «الدستور دستور ولو بـ50 بالمائة زائد واحد»، عوضا عن استيعاب درس الصناديق يوم السبت الماضى، ومن خلاله سقط وهم توكيل الإسلام السياسى الحصرى فى الاستفتاءات والانتخابات، واتضح عمق الانقسام المجتمعى. والأجدر بهم هنا أيضاً هو البحث عن حلول جذرية تقارب بيننا وبين دستور يصبح محل توافق مجتمعى حقيقى.
مصر تستحق أفضل.