ليلة ممطرة من ليالى شتاء عام 1943، داخل شارع صغير بكفر شميس بحى الأربعين فى مدينة السويس، كانت الست "فاطمة سعيد" تضع صغيرها عبدالمنعم، لكن القدر لم يمهله إلا أسبوع حتى غادر الحياة.
40 عاماً مرت على حرب الكرامة، التى حقق فيها المصريون نصراً كبيراً فى أكتوبر 1973، تبدلت الأمواج، وانزوى الأبطال فى الخلفية
بخطى واثقة وقلوب تهفو إلى آفاق المستقبل، يدخلون عالمهم الجديد، منتقلين من ضيق الفصول إلى رحابة المدرج، تهيمن على أفئدتهم رؤى الاعتماد على النفس وبهجة
على طارة الأوتوبيس، انكفأ «سيد ميهوب» بوجهه، أدار محرك السيارة التابعة لإحدى شركات التكييف بمدينة السادس من أكتوبر،
قلوب مُنكسرة، عيون زائغة مُحتقنة بالدموع، 4 جدران تأوى أجساداً متهالكة تخشى على أولادها من أى سوء، عقول منهكة،
الخامسة فجراً، كوبرى الفنجرى يعج بالسيارات كأنها ساعة الذروة، الجميع فى اتجاه ميدان رابعة العدوية لأداء صلاة العيد
بجسد نحيل ووجه طفولى صار خصماً لنظام، لم يجد اسمه وسط خانات حاملى بطاقة الرقم القومى، غير أنه صار متهماً بقلب نظام الحكم..دقت الساعة ومعها رفعت المساجد أذان فجر يوم جديد، فى الوقت الذى انكفأ فيه «عبدالرحمن» بوجهه على كتاب «الفيزياء»
أنت الآن فى حى التونسى بمصر القديمة.. حيث الممرات الضيقة وشوارع لا يتعدى اتساع أكبرها 3 أمتار.. البيوت متلاصقة وبسيطة والجيران على معرفة جيدة ببعضهم البعض..
وكأنهم رفاق مسيرة واحدة، فالجميع يحبونه، يعرفونه عن قرب، كل واحد فيهم، يتذكر موقفاً شخصياً جمعه به، لا يختلف كثيراً شعور عم عزيز طباخه الدائم، عن شعور بولس الأنبا بيشوى، سكرتيره الخاص، فكلاهما يصفه بـ«حبيب القلب».
برجان بالطول نفسه، أحدهما يتزين بهلال والآخر يجمّله صليب، لم ينج أي منهما يومها من تلطيخ الدماء، قطع لحم متناثرة على الأشجار، وأخرى على الجدران
أنامله تقطر فنا، صار عصيا على السلطة أن تواجهه، يرسم بشرا بجناحين، وشابا جامعيا يستقبل رصاص البندقية بابتسامة، وشابة صامدة فى وجه سيل من قنابل مسيّلة للدموع
مفيش جِمال ضربت المتظاهرين.. قناة الجزيرة أخرجت موقعة الجمل.. الثوار هما اللى ضربوا أنصار مبارك بالمولوتوف.. لو فيه حاجة حصلت يبقى شعب فى شعب.. والناس اللى كانت فى مصطفى محمود معظمهم من ثوار التحرير»..
جنود مدججون بأسلحة فارغة، وصلبان مرفوعة تبكى الموتى، أقباط فى حماية قساوسة، وجنود تحت حصانة الجنرالات، وطرف ثالث أخبر البعض عن ظهوره يومها. بشر يتابعون القتل على الهواء مباشرة، عبر شاشات الفضائيات
رائحته العطرة تملأ المكان، رغم ابتعاد منزله عن تلك اللافتة قرابة كيلومتر، غائب هو عن العالم منذ أيام، لكنه حىٌ وسط رفقائه، ينظرون إلى مكانه داخل المصلى، ويهابونه فهو «القائد الإمام»، غير أن أصوات الطلقات تباغتهم، فتذرف أعينهم الدموع، وتغتالهم حقيقة موته.
خطواته المتثاقلة كانت تَنُمّ عن شىء، وعصبيته الزائدة أقلقت الشاب الثلاثينى، على كورنيش العجوزة كانا يسيران، الخريف أوشك أن يدق الأبواب
عدة طرقات على باب المنزل الخشبى تسمع بعدها نباح كلب صغير ترتبط دقات قلبه بحياة ساكنيه الذين يستأنسون به فى وحدتهم..
أذان الفجر إشارتها، وسطوع الشمس يعنى بدء تشغيل محركاتها، تتجمع على ذلك الكوبرى تحت كنف تمثال الزعيم سعد زغلول الذى يُعطيها إشارة ملوحا بيده اليمنى كى تبدأ المسابقة
يجلس على ماكينته، تتهلل سريرته فور أن يقبض على تلك الخرزة الدائرية، فيعاملها بكل احترام وتبجيل، تنتقل من يده إلى يد عابد زاهد يمررها بين أنامله فيما يتعطر فمه بالتسبيح والحمد والتكبير.
ساعات قليلة فصلت بين أصوات صُراخ الآلاف وانتشار سحب الدخان وسط روائح الغاز وآثار الدماء على الأرض وتهاوى المصابين واعتقال المئات