للفساد وجوه كثيرة ومعاليك «عارف كل حاجة»
لحظة القبض على وزير الزراعة السابق فى قضية رشوة «صورة أرشيفية»
لا توجد مهنة على الأرض إلا ولها «باب خلفى»، من الممكن أن يدخل منه المسئول للتربح من عمله والغنى السريع، باستغلال نفوذه والسلطة الممنوحة له، فبدلاً من الاضطلاع بدوره فى الحفاظ على ممتلكات الشعب ومقدراته، ويحترم السلطة الممنوحة له يبدأ فى التلاعب على حساب الشعب، وكثرت وقائع فساد العديد من الوزراء، خلال حكم الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك، بداية من القمح المسرطن، وتسهيل الاستيلاء على الأراضى وصولاً للتربح والرشوة، فى قضية «فساد الزراعة» المتهم فيها الدكتور صلاح هلال، وزير الزراعة السابق.
الوزير ..فى رائعة وحيد حامد «معالى الوزير» سأل «العبقرى» أحمد زكى ذراعه اليمنى فى الفساد بعد أن حكى له عن تجاربه القذرة: «عمرك شفت وساخة أكتر من كده؟» ولم يتخيل أحد أن يسقط «فعلاً».. فى ميدان التحرير
ويُعد التربح وتسهيل الحصول على منافع للغير، وتعيين أشخاص فى مناصب دون وجه حق، مقابل مبالغ مالية والإضرار بالمال العام نتيجة تسهيل دخول شحنات أو مواد معينة دون فحصها، ما يخل بواجبات الوظيفة، المنوط بالوزير القيام بها، المتمثلة فى المراقبة والفحص للشحنات المستوردة قبل دخولها.
ورصدت «الوطن» عدة وقائع هى الأشهر من بين فساد الوزراء، وما هى إلا قليلُ من كثير من الذين مُنحوا المسئولية، ولم يكونوا قدرها، وقرروا التربح من ورائها مستغلين نفوذهم.
«الزراعة» شهدت أكثر وقائع الفساد: «هلال» آخرهم و«إبراهيم سليمان» ملك الاستيلاء على الأراضى
وتعد واقعة وزير الزراعة صلاح هلال الأحدث من بين وقائع الفساد، التى تورط فيها وزراء مصريون، وشملت التهم الموجهة للوزير ومعاونيه، الحصول على رشاوى عينية، وطلب عقارات من المتهم أيمن الجميل، مقابل تقنين مساحة أرض 2500 فدان فى وادى النطرون، علاوة على الحصول على هدايا، عبارة عن عضوية عاملة فى النادى الأهلى، بـ140 ألف جنيه لأحد المتهمين، ومجموعة ملابس من محلات راقية بـ230 ألف جنيه، وهاتفى محمول بـ11 ألف جنيه، وإفطار فى أحد الفنادق فى شهر رمضان بكلفة 14 ألفاً و500 جنيه، وطلب سفر لأسر المتهمين وعددهم 16 فرداً لأداء الحج بتكلفة 70 ألف ريال للفرد، وطلب وحدة سكنية بأكتوبر بـ8 ملايين و250 ألف جنيه.
وضمت قائمة المتهمين فى هذه القضية صلاح هلال وزير الزراعة، ومدير مكتبه محيى الدين محمد سعيد، والراشى هو أيمن الجميل، رجل الأعمال، والوسيط هو محمد فودة، وتم التحقيق مع جميع المتهمين. ومن بين وقائع الفساد فى وزارة الزراعة أيضاً، فى عام 2004، وافق الوزير الأسبق يوسف والى على قرار استيراد مبيدات مسرطنة دون تجريبها قبل طرحها فى الأسواق، ما أدى إلى الإضرار بالمال العام يقدر بـ18 مليون جنيه.
«فهمى»: الاعتماد على أهل الثقة دون «الخبرة» وغياب معايير الاختيار.. و«سلامة»: سلطة الوزير المطلقة تؤدى إلى مفسدة ويجب وضع قواعد تضيق الفرصة عليه المصالح تتحدث بلغة «الحصانة»
وفى 23 فبراير 2005، اتُهم 6 من كبار موظفى الوزارة بالاستيلاء على ما يقرب من 14 ألف فدان فى جنوب بورسعيد والحسنية، وتبين أن هذه الأراضى سبق استصلاحها منذ 1998، وأمرت النيابة بمنع المتهمين وأزواجهم وأبنائهم القصر من التصرف فى أموالهم.
ووزير الزراعة فى حكومة عاطف عبيد تولى منصب وزير الزراعة فى عام 1982 وحتى 2004، ويحاكم فى قضية فساد معروفة إعلامياً بـ«أرض جزيرة البياضية»، وهى عبارة عن محمية فى محافظة الأقصر، تبلغ مساحتها 36 فداناً، وتقول التحقيقات إن الوزير باعها لرجل الأعمال حسين سالم بسعر زهيد، على نحو أهدر ما يزيد على 700 مليون جنيه من المال العام.
وألقت الإدارة العامة لمباحث الجيزة القبض على «والى» فى 11 يوليو 2011، داخل فيلته فى منطقة العجوزة، بعد صدور قرار من قاضى التحقيق المنتدب من وزير العدل، للتحقيق فى قضايا الفساد فى وزارته، التى ضمت تحقيقات الفساد فى الوزارة، وإدخال المبيدات المسرطنة، وبعض التحقيقات الخاصة بوقائع إهدار المال العام وبيع أراضى الدولة والاستيلاء عليها، وتحقيقات أخرى تقوم بها الأجهزة الرقابية وجهاز الكسب غير المشروع حول اتهامه بتضخم الثروات واستغلال النفوذ.
وواجه «والى» اتهامات بإهدار 200 مليون جنيه على الدولة تمثل قيمة فارق سعر قطعة أرض بجزيرة «البياضية» بالأقصر باعها لرجل الأعمال الهارب حسين سالم بمبلغ 9 ملايين جنيه، بينما قيمتها الحقيقية 209 ملايين، وفقاً لتقديرات الخبراء، ونسبت النيابة إلى «والى» فى القضية التى لا تزال قيد المحاكمة تهم تسهيل الاستيلاء على المال العام والإضرار العمدى به وتربيح الغير.
د. على لطفى: الأمر المباشر والثغرات القانونية والمحاباة والرشوة طرق إفساد الوزراء
ولم تكن وزارة الزراعة وحدها بطلة الفساد فى تاريخ الحكومات المصرية، إذ إنه كان لوزارة الإسكان نصيب من هذا الفساد، وذلك فى عهد المهندس محمد إبراهيم سليمان، وزير الإسكان الأسبق، عام 1993، وحتى خروجه من الوزارة عام 2005، وكانت أبرز قضايا الفساد قضية «أرض سوديك» التى اتُهِمَ فيها بتخصيص أرض لشركة «سوديك» المملوكة لرجل الأعمال مجدى راسخ، بالمخالفة لإجراءات التخصيص القانونية على نحو تسبب فى إهدار ملايين الجنيهات من المال العام. وقضت محكمة جنايات القاهرة، فى سبتمبر الماضى، بمعاقبة الوزير بالسجن المشدد لمدة 3 سنوات وإلزامه برد مبلغ مليار و64 مليون جنيه فى إعادة محاكمته فى القضية المعروفة إعلامياً بـ«سوديك». وسبق أن قضت محكمة جنايات القاهرة بالسجن المشدد 5 سنوات لإبراهيم سليمان، ورجل الأعمال الهارب، مجدى راسخ، وإلزامهما متضامنين برد مبلغ 970 مليون جنيه لخزانة الدولة العامة، وتغريمهما مبلغاً مساوياً لمبلغ الرد، والحبس عاماً مع الشغل لعزت عبدالرؤوف عبدالقادر، رئيس قطاع الشئون التجارية والعقارية بهيئة المجتمعات العمرانية سابقاً، وإلزامه برد مبلغ 81 مليون جنيه، وعاقبت بقية المتهمين، وهم فؤاد مدبولى، وحسن خالد فاضل، ومحمد أحمد عبدالدايم، وعزت عبدالرؤوف نواب رئيس هيئة المجتمعات العمرانية السابقين، بالحبس لمدة عام واحد مع إيقاف التنفيذ، إلا أن محكمة النقض قضت بإلغاء الحكم وإعادة المحاكمة أمام دائرة أخرى.
وفى 4 يونيو 2012، كشفت التحقيقات تورط وزارتى «الاستثمار» و«المالية»، ببيع شركة «نوباسيد» لرجل الأعمال السعودى «عبدالله الكعكى»، عقب شرائه أسهم الشركة بموجب عقد بيع أسهم بـ3 ملايين و500 ألف سهم من الجهة المالكة، وهى الشركة القابضة للتنمية الزراعية، التى كانت تابعة لوزارة قطاع الأعمال العام.
وقال الدكتور على لطفى، رئيس وزراء مصر الأسبق، إن منصب الوزير له مهام وسلطات محددة وفقاً للقانون، فإذا خالف الوزير يستحق العقاب، موضحاً أن هناك العديد من الوزراء الذين يفسدون فى وزاراتهم من خلال تعيين أقاربهم أو ترقية بعض العاملين المقربين منهم بدرجات متفاوتة وإعطائهم العديد من المكافآت دون وجه حق، وعلى حساب غيرهم من زملائهم.
وأضاف «لطفى»، لـ«الوطن»، أن الوزير من الممكن أن يعطى المساحة لـ«مقاول» ليبنى عقارات وغيرها بالأمر المباشر دون إجراء مناقصات أو مزادات علنية، مقابل تلقيه رشوة مالية كبيرة، أو التستر على وقائع فساد من مسئولين أقل منه فى المنصب، مقابل التقاسم على المبالغ.
وقال الدكتور عمار على حسن، أستاذ علم الاجتماع السياسى، إن هناك أكثر من باب خلفى للوزير كى يفسد، من أهمها الثغرات الموجودة فى القوانين الحالية التى تنظم عمل الإدارات المحلية التى تساعد فى استخدام الرشوة والمحاباة لأقاربه وأصدقائه ومعارفه، مضيفاً أن الوزير يقوم بـ«السرقة» من خلال القوانين، مشيراً إلى وجود بعض القوانين المفسدة التى تم تشريعها من قبل رئيس الدولة أو مجلس الدولة أو وزارة العدل لمحاباة أشخاص بعينها، بحيث يكون القانون سليماً، ولكن باطنه غير سليم ولا يستطيع أحد مساءلته، على اعتبار أنه يطبق القانون.
وأكد «حسن»، لـ«الوطن»، أن هناك دراسات عديدة أحصت تلك القوانين المُفسدة، مضيفاً أن هناك بعض الوزراء الذين يستخدمون نفوذهم وسلطاتهم فى ارتكاب العديد من وقائع الفساد، خصوصاً أن منصب الوزير أكبر رأس بيروقراطى يمكن استغلاله لمحاباة أقاربه أو من له معه مصلحة وفق منطق «نفعنى وانفعك».
وقال طارق فهمى، أستاذ السياسة العامة بالجامعة الأمريكية: إن بعض الوزراء يعتمدون على أهل الثقة دون أهل الخبرة فى بعض المناصب، وأن يتراخى فى الحسم والحزم فى اتخاذ الإجراءات القانونية التى تستخدم سلطة «الثواب والعقاب» على من أنجز أو أخطأ، مشيراً إلى أنه لا بد أن يتم اختيار الوزير وفقاً لمعايير واضحة، من أهمها السمات الشخصية للوزير على أن يكون قيادياً له رؤية، يتحلى بالأمانة وعدم التراخى فى اتخاذ القرارات. وقال الدكتور جمال سلامة، أستاذ العلوم السياسية، إن أى منصب سواء كان وزيراً أو خفيراً من الممكن أن يرتكب وقائع فساد، طالما دون مراقبة أو مساءلة أو شفافية، فالسلطة المطلقة تؤدى إلى مفسدة، مشدداً على ضرورة أن يضع نظام الحكم قواعد محددة تعمل على التضييق على فرص الفساد.