زبيدة ثروت: اللى مايحبش الفن مش بنى آدم
زبيدة ثروت
تمثل الفنانة الكبيرة زبيدة ثروت حالة استثنائية بين فنانات جيلها، خاصة أنها جمعت ما بين جمال الملامح، وبساطة الأداء التمثيلى، وهو ما جعل الطريق ممهداً أمامها، للاستحواذ على قلوب محبيها فى مصر والوطن العربى، وما زالت أفلامها مع عبدالحليم حافظ، ورشدى أباظة، وفريد الأطرش، وغيرهم من النجوم محل اهتمام ومتابعة من كل الفئات العمرية. ورغم نجومية زبيدة ثروت الكبيرة فإنها حافظت على كونها الأقل ظهوراً على المستوى الإعلامى، مع العزلة الاختيارية التى فرضتها على نفسها، ولكن «الوطن» أرادت إخراجها من عزلتها بهذا الحوار، لا اختراقاً لخصوصيتها أو تطفلاً عليها، ولكن احتفاءً بها، وتكريماً لعطائها الكبير، خاصة مع تكريمها فى الدورة الـ64 من مهرجان المركز الكاثوليكى للسينما، الذى اختارها ضمن عدد من المكرمين الكبار، الذين استحقوا الحصول على جائزة «الريادة السينمائية»، لتقف زبيدة ثروت فى مقدمتهم بعطائها الفنى الكبير، وعطائها الإنسانى الذى امتد إلى هذا الحوار، الذى لم تتنازل خلاله عن صراحتها المعهودة، لتكشف العديد من التفاصيل المهمة، وتعبر عن آرائها فى كافة الأمور الفنية، والسياسية، وأيضاً الشخصية، لتؤكد خلال الحوار سعادتها بالتكريم، وتعتذر لجمهورها الكبير عن عدم قدرتها على تلقيه، نظراً لظروف مرضها، وأشارت إلى أهم محطاتها، مقارنة بين السينما الحالية، وما كان يقدمه جيلها من مضمون فنى، تمنت أن تراه فى أفلام هذه الأيام ولكنها لم تجده.
الفنانة الكبيرة لـ«الوطن»: الفن لم يأخذ منى بقدر ما منحنى من حب الناس.. وأهدى تكريم «الكاثوليكى» لأحفادى
■ كيف استقبلت خبر تكريمك من مهرجان المركز الكاثوليكى للسينما فى دورته الرابعة والستين؟
- سعدت بمكالمة الأب بطرس دانيال، رئيس المهرجان ومدير المركز، لأنه إنسان محترم ورقيق المشاعر، ويشحذ طاقاته دائماً نحو أعمال الخير، فضلاً عن كونه شخصية مُحبة للفن والفنانين، ولذلك فرحت بشخصه ومكالمته بعيداً عن جزئية التكريم.
■ لمن تهدى تكريمك؟
- أهديه إلى بناتى وأحفادى وكل المحبين، ولكنى لم أتمكن من حضور الحفل بسبب ظروف مرضى، وقد أنبت زوج ابنتى أحمد عبدالقدوس، حفيد الكاتب الراحل إحسان عبدالقدوس، لاستلام تكريمى.
■ ما الأفلام التى تعتزين بتقديمك لها على مدار مسيرتك الفنية بعد حصولك على جائزة «الريادة السينمائية» من المهرجان؟
- أعتز بكل أفلامى على حد سواء، ولكن يظل الجمهور محباً لأفلام معينة، منها على سبيل المثال «يوم من عمرى»، «الحب الضائع»، «فى بيتنا رجل»، «زمان يا حب»، و«ملاكى الصغير»، وهناك فيلم آخر، لا أتذكر اسمه حالياً، جسدت خلاله شخصية «فلاحة»، وقمت ببطولته إلى جانب شكرى سرحان ويوسف شعبان، وكان قصة الكاتب الراحل يوسف إدريس.
■ وهل هناك تجارب سينمائية ندمت على خوضها؟
- لا أعتقد، ولكنى لست متذكرة لكل أعمالى وقت حديثى معك حالياً، لأن التليفزيون لا يعرض بدوره كل الأفلام.
■ عندما تشاهدين أعمالك وأعمال نجوم ونجمات جيلك وتقارنين بينها وبين الأفلام والمسلسلات المقدمة حالياً.. فإلى أى منهما تنحازين؟
- أنحاز إلى أفلام جيلى لأسباب عدة، أبرزها الفكر الفنى الذى كان حاضراً فى مضمونها، فضلاً عن احتوائها على جرعات مكثفة من الحب والمشاعر، لدرجة أنك عندما تشاهد هذه الأفلام لمائة مرة لا تمل منها، وتتابعها مع كل عرض جديد لها على القنوات، وذلك على عكس الأعمال الفنية المقدمة حالياً، التى تضطر بسببها إلى إغلاق التليفزيون أو تغيير المحطة بعد مرور مشهدين أو أكثر من الفيلم المعروض.
«ربنا يعين السيسى على بلاوى البلد.. ومش عارفة الإرهاب اتحدف علينا منين».. ومصر محفوظة إلى يوم الدين
■ معنى كلامك أنك لا تطيقين متابعة الأفلام الحالية من بدايتها لنهايتها؟
- هناك أفلام مستحيل إنى أكملها لآخرها.
■ لماذا؟
- بسبب الألفاظ والحركات الخارجة، وانتشار مشاهد الضرب والقتل والدم والعنف، وهذه الحالة تأتى مناقضة لواقع الطبيعة نفسها، لأن «ربنا ما عملش الدنيا كده»، ولكن فى المقابل تستشعر بالحب المنبعث من كل مشاهد الأفلام القديمة، مما ينعكس جمالاً على حياتنا وأخلاقنا ومشاعرنا تجاه الآخرين، لأن الحب معجزة من معجزات الله التى أوجدها للبشر، باعتباره أساس كل تعاملاتنا الحياتية، ولذلك كان الحب يُغلف علاقتنا كممثلين ومخرجين ومصورين ببعضنا البعض، وكانت الموضوعات الفنية المقدمة تدور فى فلك الأخلاق وهذه المشاعر الجميلة، مما كان يصب بالفائدة والاستمتاع على مشاهديها.
■ ولكن هناك أفلاماً قديمة تضمنت مشاهد رقص و.... ؟
- مقاطعة: نعم، كان هناك رقص وغناء، ولكن دون ابتذال كالذى نراه حالياً، ولم يكن للألفاظ البذيئة مكان فى أفلامنا، ولذلك لا بد من العودة لتقديم موضوعات جيدة، وتصدى كبار الكتاب لها، لأن المسألة تحولت حالياً إلى «تعبئة شرائط»، وأصبحت الأفلام المقدمة «أى كلام»، لمجرد تحقيق الربح بأى طريقة.
■ ما زالت الدعوات بضرورة إلغاء جهاز الرقابة على المصنفات الفنية مستمرة.. فهل توافقين أم تعارضين استمرار الرقابة؟
- لا بد من الإبقاء على الرقابة، لأننا كبشر لسنا معصومين من الخطأ.
■ ما رأيك فى الظاهرة التى انتشرت مؤخراً بتحويل الأفلام القديمة إلى مسلسلات تليفزيونية؟
- وما المانع فى ذلك؟ هذا الفكر موجود فى أمريكا والدول المتقدمة، فالأمريكان مثلاً يعيدون تقديم أفلامهم الكبيرة فى أفلام أخرى، أو مسلسلات تليفزيونية، ويظل عنصر الجودة هو الفيصل فى تقييم التجارب الجديدة، والتناول المختلف يجعل تقديم نفس القصة أكثر من مرة ممكناً.
■ ولكن لماذا لم تحقق التجارب المصرية التى قُدمت فى هذا الصدد النجاح وتعرضت للانتقادات فى رأيك؟
- هذه المسألة تتوقف برمتها على كفاءة المخرج، ولذلك أقول: «هات مخرج كويس هيعمل مسلسل كويس»، فتحقيق النجاح مرهون بالموهبة والكفاءة.
■ هل ترين أن جمالك ساهم فى بزوغ نجوميتك؟
- لا علاقة للجمال بما يحمله سؤالك، لأن الجميلات عددهن أكثر من اللاتى ظهرن على الشاشة طوال عقود، ولكن تظل درجة حضور الفنان هى الأهم، لأنها تنعكس إيجاباً على الجمهور، وتقبله وحبه له، وتوضيح مكنون شخصيته وأخلاقياته، وما إذا كانت جيدة أم سيئة، وبعيداً عن هذا وذاك، فالفنان يسعى إلى دخول قلوب محبيه، مما يجعل المشاهد عند متابعته لفنان أو فنانة، أن يتحدث قائلاً: «أنا حاسس إنى أعرفهم من يوم ما اتولدت» وهذا يعنى أنهم دخلوا قلبه واستقروا فيه، وفى المقابل تجد فنانين لا يدخلون قلب المتلقى، مهما حاولوا تعلم التمثيل.
أطالب بالإبقاء على الرقابة لأننا «مش معصومين من الغلط».. وأفلام زمان كان فيها رقص بدون ابتذال
■ وأى من فنانات الجيل الحالى اخترقن قلب زبيدة ثروت؟
- كثيرات، فهناك نيللى كريم، ومى عز الدين «كويسة جداً»، ولكن الذاكرة لا تسعفنى لاستحضار باقى الأسماء حالياً.
■ على ذكر «مى».. ما تعليقك عما أعلنته مؤخراً عن تخوفها من تقديم سيرتك الذاتية خشية تعرضها لانتقادات رغم ترشيحك لها لتجسيد شخصيتك؟
- لا تأخذوا بكلامها أو كلامى، لأن كلام مخرج العمل حينها هو الأهم، بحكم أنه الأداة التى تحرك الممثل، وتستخلص ما بداخله من طاقات تمثيلية وإبداعية.
■ وما تقييمك للنجوم الشباب الحاليين؟
- رائعون، ولكن من الممكن أن تطرح أسماء بعينها، كى لا أظلم أحداً منهم.
■ لو سألتك عن أحمد السقا وأحمد عز ومحمد سعد مثلاً.. ماذا تقولين عنهم؟
- أحمد السقا «بيعجبنى قوى»، والأمر ذاته بالنسبة لأحمد عز، وكريم عبدالعزيز، أما محمد سعد، «مقدرش أشوفه»، ولا يعجبنى من الأساس، نظراً لاعتماده على حركات بذيئة فى أدائه التمثيلى.
■ هل تحرص زبيدة ثروت على مشاهدة الأفلام الجديدة فى دور العرض السينمائى؟
- لم أدخل دور السينما منذ سنوات طويلة، ولكنى أشاهد أحياناً عدداً من الأفلام على القنوات التليفزيونية.
■ ما الذى أخذه الفن من زبيدة ثروت؟
- لم يأخذ شيئاً، بل منحنى حب الناس، وكل حاجة حلوة فى حياتى، كان للفن دور فيها.
■ عاصرت عدداً من رؤساء الجمهورية، فأى منهم كان يولى للفن اهتماماً أكثر فى عهده؟
- لنبدأ من الرئيس عبدالفتاح السيسى، فربنا يعينه على «البلاوى» الموجودة فى البلد، وأبرزها ظاهرة الإرهاب «اللى مش عارفة اتحدفت علينا من أى داهية»، أما أنور السادات وجمال عبدالناصر وحسنى مبارك فكلهم كانوا شخصيات محبة للفن، لأن اللى ما يحبش الفن لا يمكن أن يكون «بنى آدم».
جمالى لا علاقة له بنجاحى.. ونيللى كريم ومى عز الدين أفضل ممثلات الجيل الحالى
■ وما تقييمك لفترة حكم الرئيس السيسى؟
- «السيسى» يواجه مشكلات غاية فى الصعوبة، والمؤامرات تحاك ضد مصر داخلياً وخارجياً، ولكن أكثر ما يزعجنى حالياً أن المواطنين كانوا يسيرون فى أمان خلال السنوات الماضية، ولكن الحال تبدل حالياً مع تغلغل يد الإرهاب، التى بثت الخوف والرعب فى النفوس، ولكن مصر ستظل محفوظة إلى يوم الدين بإذن الله.
■ وما الدور الذى من الممكن أن يلعبه الفن فى مواجهة الإرهاب؟
- مقاطعة بقولها: «المهم يجيبوا قصة عِدلة ليها موضوع مش يهّبلوا»، ولا بد أن يتصدى الكتاب الكبار فقط للكتابة فى هذه النوعية من الموضوعات المهمة.
■ دافعت عن مبارك بعد فترة من اندلاع ثورة 25 يناير.. فهل ما زلت عند موقفك تجاهه رغم حكم المحكمة بحبسه 3 سنوات فى القضية المعروفة إعلامياً بـ«القصور الرئاسية»؟
- اتركوا مبارك لحاله، وكفى ذلاً له بعد كبره، ويكفى أنه خدم مصر فى بداية حكمه، ولكنى أحترم القضاء بطبعى، خاصة أننى خريجة كلية الحقوق، وأدرك أنه لا تعقيب على أحكام القضاء، الذى أجله وأحترمه.
■ بحكم أنك ابنة لواء البحرية أحمد ثروت.. كيف تجدين الأزمة المثارة حالياً بين أمناء الشرطة والمواطنين بعد واقعة مقتل شاب فى «الدرب الأحمر»؟
- أرفض الهجوم على جهاز الشرطة، لأن الضغط الواقع على رجاله جراء الحوادث الإرهابية يدفعهم للخروج عن شعورهم أحياناً، ولكن ما حدث فى «الدرب الأحمر» خطأ بكل تأكيد، لا بد من معاقبة صاحبه، ولكن من الضرورى ألا نعمم الخطأ الفردى على الجميع، لأننا نملك جهاز شرطة على قدر عال من الكفاءة، ومش عشان «غلطة واحد نجيب الكل ونبوظ الدنيا» فهل يعقل حال وجود 30 طالباً فى فصل واحد، ووجدنا أحدهم يخرج عن النص، أن نعاقب باقى الطلبة؟
نيللى كريم فى مسلسل «تحت السيطرة»
■ على ذكر والدك.. كيف وافق على زواجك من المنتج السورى صبحى فرحات رغم رفضه ارتباطك من العندليب عبدالحليم حافظ بدعوى أنه «مطرب»؟
- «صبحى» فاتح والدتى أولاً فى مسألة زواجه منى، وأقنعها بدرجة جعلتها تقنع والدى، أما «حليم» فتوجه إلى أبى مباشرة، وأنت تعلم جيداً أن القيادة فى الأمور العائلية تكون فى يد الأم، وبعدها تأكدت أن الإنسان مسير فى حياته وليس مخيراً، وذلك تجلى واضحاً فى أحد الأيام عندما كنت أحدث «حليم» هاتفياً من منزلى، وفوجئت بمن يختطف السماعة من يدى ويغلقها، فظننت أنه والدى فى بادئ الأمر، ولكن عندما استدرت وجدته صبحى فرحات، وتساءلت بينى وبين نفسى عن كيفية دخوله لمنزلنا، رغم وجود والدى ووالدتى، فقلت له: «فيه إيه يا أستاذ صبحى؟»، فاصطحبنى إلى مكتب أبى ووجدت المأذون ومحاميه الخاص، واثنين من الشهود، ووقعت حينها على عقد الزواج، وكأنى أوقع على عقد أحد الأفلام، وذلك دون دراية منى بما يحدث.
■ وهل تمنيتِ إنجاب ولد إلى جانب بناتك الأربع؟
- ربنا كان له حكمة فى ذلك، بحسب تأكيدات والدى ووالدتى رغم اختلاف تفسيريهما، حيث كان أبى يرى أن إنجابى لذكر سيجعلنى فى حالة هرولة وراءه، وتحديداً عند التحاقه بالخدمة العسكرية، لأن تجنيده حينها سيكون فى سوريا، بحكم أن أبو بناتى صبحى فرحات يحمل الجنسية السورية.
■ وما هى؟
- عندما كنت فى السابعة من عمرى، أنجبت والدتى ولدين هما «كمال» و«علاء»، وبعد ولادتهما بأشهر عدة، قررت أمى أن أتحمل مسئوليتهما مع شقيقتى «حكمت»، فأصبحت مختصة بكل ما يتعلق بكمال، ولكن شاءت الأقدار أن يتوفى علاء بعد بلوغه عاماً ونصف العام، إثر إصابته بنزلة معوية حادة، ومن بعدها زاد حبى وتعلقى بكمال، وأصبحت أعامله كابنى حتى بعد كبره، وللعلم كمال تعاون معى فنياً فى فيلمين، هما «بنت 17»، و«شمس لا تغيب»، ولكنه لم يحب التمثيل وتركه بعد هذين الفيلمين.