«حجاب»: «كعكة» البرلمان تم تقسيمها بين المال السياسى والأمن
الشاعر سيد حجاب
أكد الشاعر سيد حجاب، عضو لجنة الخمسين المنتهى عملها، أن البرلمان الحالى مٌعرض للانهيار لأنه لا يُعبر عن إرادة الأمة، بعد انصراف الناخب عنه بسبب تقسيم التورتة بين المال السياسى والأمن، وانتقد حجاب فى حواره مع «الوطن»، بعض النواب الذين يتعاملون مع الدستور بالقطعة، وليس جملة واحدة، مثل النائب مرتضى منصور الذى لم يُخف عدم اعترافه بديباجة الدستور، ولا بثورة 25 يناير، مشدداً على أنه كان حرياً برئيس الجلسة الافتتاحية حرمان النائب المذكور من العضوية، لأنه لم يؤد القسم بطريقة سليمة، لافتاً إلى أن مرتضى يمارس إرهاب الأقلية فى مواجهة الأغلبية، وأوضح أن أزمة توفيق عكاشة كانت بالون اختبار من السلطات لمحاولة معرفة أين يقف الشعب المصرى حالياً من التطبيع، وأن مجلس النواب لا يستطيع أن يواجه الشعب بموقف واضح من التطبيع فاضطر للتضحية بالنائب، لافتاً إلى أنه يوافق على ضرب كمال أحمد لـ«عكاشة» بالحذاء فى معنى الإجراء ودلالته، ولكن الأسلوب كان متجاوزاً للأعراف البرلمانية، وأشار حجاب إلى أن التيار الذى يفكر فى تعديل الدستور يسعى لهدم الدولة التى نحلم ببنائها لصالح النظام الذى ثرنا عليه.
عضو لجنة الخمسين لـ«الوطن»: كان يجب حرمان «منصور» من عضوية المجلس لأنه لم يؤد القسم بطريقة سليمة
■ كيف تقيّم أداء مجلس النواب؟
- هذا البرلمان تعبير عن 24% فقط ممن يحق لهم التصويت من الشعب المصرى، وبالتالى هو برلمان «أقلوى» أى يمثل الأقلية فقط، ولا يعبر عن الأمة، وأرى أن انصراف الشعب عنه له دلالة واضحة، وهى أن الشعب يرى أن هذا البرلمان هو برلمان القوى القديمة والدولة الأمنية، بالإضافة للمال السياسى، فلا يوجد مرشح واحد تقدم إلى الناخبين ببرنامج واضح، وكل ما كان يحدث هو تقسيم التورتة بين المال السياسى والأمن، وبالتالى رد فعل الناس كان الانصراف عن هذا البرلمان، وقد اتضحت طبيعة هذا البرلمان منذ الجلسة الافتتاحية، التى تعامل خلالها بعض أعضائه مع الدستور بالقطعة وليس جملة واحدة.
■ ماذا تعنى بالتعامل مع الدستور بالقطعة وليس جملة واحدة؟
- مثلما يفعل مرتضى منصور حالياً، عندما رفض أثناء أدائه القسم الاعتراف بثورة 25 يناير، والسكوت على ذلك جزء من الخطيئة الأساسية التى تسببت فى وجود مثل هذا البرلمان، وأعنى بذلك الأجواء غير الديمقراطية التى أجريت فيها الانتخابات، وكان على رئيس الجلسة الافتتاحية أن يحرم مرتضى منصور من العضوية، لأنه لم يقسم القسم المفترض أن يقسمه الجميع، ورغم هذا يوجد فى البرلمان عدد لا بأس به من أبناء الشعب المصرى الحريصين على مصالحه والمنتمين لفكر ثورة 25 يناير وموجتها الأكبر فى 30 يونيو، وأظن أن هذه المجموعة القليلة قادرة على إحداث فارق كبير.
■ ولكن مرتضى أدى القسم فى النهاية بطريقة صحيحة؟
- لا يوجد بينى وبين مرتضى منصور خصومة شخصية، والخصومة الحقيقية هى بين مرتضى والشعب، لأن الأخير وافق على هذا الدستور بأغلبية كاسحة، ما يعنى أن الكتلة الانتخابية التى صوتت بقبول هذا الدستور هى النسبة الأكبر من الشعب المصرى، ومهما كانت نسبة التصويت التى حصل عليها مرتضى منصور، فلا يُمكن مقارنتها بمن صوتوا لصالح الدستور، ما يعنى أنه يمارس إرهاب الأقلية فى مواجهة الأغلبية، فهذا الدستور ليس من إبداع لجنة الخمسين فقط، إنما هو إبداع مشترك من اللجنة والشعب الذى وافق عليه وتبناه، والمكسب الحقيقى من الثورتين 25 يناير و30 يونيو، هو ممارسة جيل جديد للسياسة، وهذا الجيل يرفض الوصاية على عقله، ويؤمن بضرورة إعمال العقل فى كل أمور الدنيا، كما أن الدستور يعكس لأول مرة فى تاريخ مصر نوعاً من التوافق المجتمعى، فكل الدساتير السابقة إما أنها كانت تعكس إرادة الحاكم أو إرادة طبقة حاكمة، فلجنة الخمسين كان ممثلاً فيها كل شرائح الشعب من الشباب والمرأة والأقباط والشرطة والجيش والقضاء، ثم حاز الدستور على الأغلبية الكاسحة، فأى موقف تجاه هذا الدستور، مثلما أشار الرئيس السيسى مؤخراً، يعتبر محاولة لهدم الدولة.
■ وما رأيك فى إسقاط العضوية عن توفيق عكاشة؟
- أعتقد أنها كانت بالون اختبار من السلطات لمحاولة معرفة أين يقف الشعب المصرى الآن من التطبيع، فتوفيق اعترف من قبل أكثر من مرة أنه كان يتم استخدامه من قبل السلطات، وأنهم تخلوا عنه، فالسلطة كانت ترغب فى معرفة مدى القبول الشعبى لفكرة التطبيع، وأرى أنه ينبغى إعادة النظر فى اتفاقية كامب ديفيد بشكل حقيقى، بعد موقف البرلمان، إما بتعديلها أو إلغائها، وأظن أن ما يحدث الآن هو نوع آخر من المجسات، فكان مطلوباً من عكاشة أن يفجر السؤال أين نحن من التطبيع المرفوض شعبياً حتى الآن؟ وأظن أن بعض الجهات استخدمت توفيق، الذى كان دائماً فى خدمتها كبالون اختبار، واتضح جيداً أن مجلس النواب لا يستطيع أن يواجه الشعب بموقف واضح من التطبيع، فاضطر للتضحية بالنائب.
مرتضى يمارس إرهاب الأقلية فى مواجهة الأغلبية.. وطرد «عكاشة» بالون اختبار لاستبيان موقف الشعب من التطبيع
■ إذاً أنت ترى أن إسقاط عضوية توفيق هو اضطرار من البرلمان لعدم قدرة أعضائه على مواجهة دوائرهم؟
- بالفعل، فلو لم يحدث هذا لفقد كثيرون من هؤلاء الأعضاء مصداقيتهم عند ناخبيهم، فمثلاً دائرة عكاشة نفسها كانت تجمع توقيعات لسحب الثقة منه فى البرلمان، وهذا يعنى أن موقف المجلس كان خضوعاً لرغبة الشعب المصرى فى رفض فكرة التطبيع.
■ ذكرت أن السلطات استخدمت عكاشة كبالون اختبار.. ما الدافع؟
- السياسة الخارجية حالياً تسير فى حقل ألغام، ومن الواضح أن هناك حرصاً من السلطة القائمة على استقلال الإرادة، وطريق هذا الاستقلال ملىء بحقول الألغام، من أنصار التبعية والاستبداد والفساد فى الداخل والخارج، ومثلاً هناك محاولات لجر مصر إلى موقف معادٍ لوحدة الشعبين السورى واليمنى ولكل الشعوب العربية فى المنطقة، ولحساب بعض التوجهات العاملة لحساب المسار الأمريكى، وبالتالى واضح جداً من القيادة السياسية أنها حريصة على محاولة استقلال الإرادة، وبدا ذلك واضحاً فى اتجاهنا للصين ولروسيا ولبعض أعضاء كتلة البريكس، وفى اتخاذ موقف مبدئى صارم تجاه وحدة الأراضى السورية.
■ وما رأيك فى موقف النائب كمال أحمد من ضرب عكاشة بالحذاء؟
- أوافق على معنى الإجراء ودلالته، ولكن الأسلوب أراه متجاوزاً للأعراف البرلمانية، ولو أن الأعراف البرلمانية اُخترقت عندنا منذ زمن طويل، منذ زكى بدر وطلعت رسلان، ولذلك أرى أن معنى الموقف جيد ولكن كشكل أتحفظ عليه، وأرى أن به تجاوزاً.
■ هل ترى أن البرلمان سيكمل مدته؟
- أرى أن هذا البرلمان عرضة للانهيار، لأنه لا يعبر عن إرادة الأمة، والبعض يتصور أنه بممالأة الرئيس بزيادة سلطاته يمكن أن يدفعه لاتخاذ مواقف ضد الشعب المصرى بعد ذلك، فالضمانة الحقيقية لاستمرار حياتنا بشكل سليم موجودة فى أن للبرلمان الحق فى طرح الثقة فى الرئيس وللرئيس الحق فى طرح الثقة فى نواب البرلمان، وإذا لم يخضع البرلمان للإرادة الشعبية ولأحلام الشعب المصرى فسوف «يكنسه» هذا الشعب ويرسله إلى مزبلة التاريخ، فالشعب وحده هو ضمانة المستقبل.
■ كيف لم يأت البرلمان بإرادة شعبية فى ظل عدم وجود تزوير؟
- عندما تكون الشعوب فى أزمات نلاحظ ازدياد المشاركة الشعبية فى التصويت، فحين تدرك الشعوب أن البرلمانات لا تُمثلها ولا تؤثر فى حياتها سوف يكون لها موقف مختلف، فتركيا حدثت فيها انتخابات مؤخراً وكانت المشاركة فيها فوق 80%، لأنه كانت هناك أزمة حقيقية مطروحة على الشعب، وكذلك فى إيران التى صوت فى انتخاباتها البرلمانية ما يزيد على 60% من الكتلة الانتخابية، ما يعنى أن الشعوب حين تدرك أن كلمتها مؤثرة فى الاختيار وأن هناك أزمة تستدعى دخولها فإنها تتدخل، والتدخل عندنا كان بالانصراف عن هذا البرلمان، بما يعنى أن هذا البرلمان هو تعبير عن 24% من كتلة التصويت، وليس جملة الشعب المصرى.
■ وما أسباب العزوف فى ظل عدم وجود دور للدولة فى التصويت؟
- لا الدولة كان لها دور، من خلال أجهزتها العميقة التى رتبت مع المال السياسى وصنعت القوائم الانتخابية، من خلال قائمة «فى حب مصر» التى أسميها «فى حب بعض» وكان واضحاً التدخل فى هذه القائمة، من خلال الدولة العميقة المنتمية للماضى، فالجزء المؤثر حتى الآن هم عبيد الماضى وليس الشباب، فكثيرون من رموز تلك الدولة فى مواقع قيادية، فلا يتصور أن الفساد الذى ساد طوال 40 سنة لم يطل معظم المؤسسات، وقد رأينا انحرافات فى القضاء وقت حكم الإخوان، ورأينا انحرافات الشرطة المستمرة حتى هذه الأيام، والاختفاء القسرى للمئات وحالات اعتقال بالآلاف، وعلينا أن ندرك أن هناك خللاً فى منظومة العدالة والأمن
■ وكيف ترى ائتلاف دعم مصر؟
- هو بالتأكيد عبارة عن قوى «ماضوية» تحاول أن تجمع نفسها لأن خسارتها لمواقعها ومكاسبها الشخصية كانت فادحة، وكان ذلك واضحاً فى اختيار قائمة الأعضاء المعينين، التى عندما تنظر إليها تشعر أنه لا يوجد معيار للاختيار، وستجد فيها شخصيات مثل يوسف القعيد الذى ينتمى للفكر الناصرى، ولميس جابر التى هى ضد الفكر الناصرى ومع الملكية وضد ثورة 25 يناير وترى أنها بكاملها فكر تآمرى، فتشعر أنه لا يوجد معيار ثابت للاختيار.
■ وكيف ترى مطالب تعديل الدستور؟
- المكاسب الحقيقية للثورتين تتمثل فى إنتاج جيل رافض للوصايا، والدستور، الذى رسم طريق التنمية وبناء الدولة المصرية على أسس مستقلة وتنموية شاملة وترعى الحقوق وتصون الحريات، والالتفاف على الثورة هو محاولة للالتفاف على هذه المكاسب، وأشكر السيسى بعد أن أعلن مؤخراً أن هدم الدولة يمر بالانقلاب على الدستور، بعد أن خرجت عنه تصريحات سابقة بأن الدستور وُضع بنوايا حسنة، وأن الدول لا تُبنى بالنوايا الحسنة، وقمت بالرد عليه وقتها بأن الدول لا تُبنى إلا بالنوايا الحسنة والإرادة الجادة والصادقة لبناء الدول، فالدساتير تتم بالتوافق المجتمعى، وهو ما حدث فى الدستور الحالى.
بعض النواب يتعاملون مع الدستور بالقطعة وليس جملة واحدة مثلما يفعل «منصور».. والمجلس لا يعبر عن الأمة
■ ما السبب إذاً وراء مطالب تعديل الدستور؟
- هذا الدستور يؤسس لحقوق وحريات، وهذا يعنى بناء دولة جديدة بخلاف دولة الاستبداد والفساد والتبعية «اللى هما اتربوا فى حضنها»، وأن هذا يعنى سقوط دولتهم وبناء دولة جديدة، فالتيار الذى يفكر فى تعديل الدستور يسعى لهدم الدولة التى نحلم ببنائها، لحساب النظام الذى ثرنا عليه
■ ما المشكلة فى باب صلاحيات الرئيس؟
- يوجد فى هذا الدستور سلطتان منتخبتان، وهما الرئيس والسلطة التشريعية، فمن حق كل سلطة أن تراقب سلوك الأخرى، وهناك انفصال بين السلطات، فمن حقهما حين يحدث صدام بينهما أو اختلاف حاد، أن يلجأ أيهما إلى الجماهير التى انتخبتهما، حتى لا يولد فرعون جديد أو تغول للسلطة التنفيذية على التشريعية، ومن حق البرلمان أن يطرح الثقة فى الحاكم بالعودة للناخبين، فإذا رفض الناخبون الاستفتاء ووافقوا على الرئيس فإن المجلس يحل، وفى نفس الوقت من حق الرئيس الذى هو رأس السلطة التنفيذية أنه إذا اختلف مع البرلمان، وتصادم معه أن يطرح البرلمان على الاستفتاء العام، وهذا يرتبط بشىء وهو أنه لا يحق عمل ذلك إلا مرة واحدة خلال مدته، وهو ما يعنى منع التغول بين السلطات.
■ ومن يرفض ذلك؟
- من يطالب بالتغيير، ويرون أن زيادة سلطات الرئيس تمكنهم فى النهاية من التغلب على الإرادة الشعبية.
■ ما أهداف مؤسسة حماية الدستور؟
- تسعى إلى تفعيل الدستور وإنفاذه، من خلال الضغوط الشعبية والمبادرات المجتمعية والتحرك فى مجلس النواب، وفى كل الاتجاهات، فالدستور هو خريطة لبناء دولة للشعب بكامله، وبالتالى كل أعداء الثورة بالضرورة سيحاولون تعطيل الدستور أو الالتفاف عليه، وبالتالى كل من يناصر هذه الثورة وهذا الفكر الثورى والحلم الشعبى لبناء دولة جديدة تنتمى له وتعبر عن مصالحه، عليه أن يقف وراء جماعة حماية الدستور، لأن هذا هو الطريق الوحيد لصنع المستقبل.
نسعى فى «حماية الدستور» إلى تفعيل مواده من خلال المبادرات المجتمعية
■ كان قبل ثورة 25 يناير لدينا 24 حزباً الآن 106 كيف ترى ذلك؟
- لا أعلم هويتهم أو أسماءهم، وهناك أحزاب معروف تاريخها، وأظن أن الدولة العميقة مسئولة عن بعض الأحزاب التى تم منحها نصيباً أكبر مما تستحق من تورتة البرلمان، مثل حزب مستقبل وطن، فهو حزب لا تاريخ ولا وجود له ولكنه عبارة عن تمثيل لقوى المال السياسى الممثل فى مموله الرئيسى أحمد أبوهشيمة وشركاه، بالإضافة إلى قوى الأمن، وتم فرضه على البرلمان والناس والشعب، ومثل هذا النوع من الأحزاب لا وجود له فى حياتنا العامة بأى شكل من الأشكال، ولا يوجد لها تاريخ أو موقف نضالى.
■ وكيف ترى غياب التمثيل النيابى لمعظم الأحزاب؟
- هى أحزاب الأنابيب، مثل طفل الأنابيب، لا علاقة لها بالحياة الطبيعية للشعب المصرى، وانصراف الشعب عنها هو تعبير حقيقى عن موقفه منها، وتوجد أحزاب صُنعت لاقتسام التورتة بين أصحاب المصالح، لكن لا وجود حقيقياً لها فى الشارع المصرى، وأظن أن هذا بدأ منذ تأسيس المنابر الثلاثة التى أسسها الرئيس السادات، فلا توجد سلطة تؤسس أحزاباً حقيقية.
■ وما تقييمك لأداء الرئيس فى الداخل والخارج؟
- أرى أن السياسة الخارجية المفترض أنها دائماً تكون لمصلحة السياسة الداخلية، وأرى حالياً انفصالاً دائماً بين السياسة الداخلية والخارجية، فالخارجية تسعى لتأكيد استقلال الإرادة المصرية واتخاذ مواقف صحيحة فى أزمات المنطقة، والصراع الدولى الحاصل الآن بين كتلتين، كتلة الرأسمالية المتوحشة وأتباعها من الصهاينة، وكتلة الدول الوهابية الحريصة على استقلالها الوطنى، وأرى أن سياستنا الخارجية تحاول أن تؤكد الاستقلال، وتؤسس لتنمية الشعب وليس لحساب البنك الدولى، وفى نفس الوقت على المستوى الداخلى نجد وجوهاً كثيرة جداً «ماضوية» تحاول جرنا من جديد لمستنقع التبعية والفساد والاستبداد، وحتى الآن لم يأخذ الرئيس السيسى موقفاً حاسماً من قوى الماضى التى تحاول أن تنقلب على الإرادة الشعبية.
الإخوان والسلفيون سقطوا فى 30 يونيو.. ورفعوا السلاح.. ودعوات مصالحة معهم ضد رغبة الشعب
■ من وجهة نظرك ما المفروض أن يفعله الرئيس لمواجهة ذلك؟
- بداية تأسيس مؤسسة رئاسة قادرة على تقديم رؤية استراتيجية واضحة، وتتولى الملفات الملتهبة والضرورية فى بلدنا، ابتداء من ملف سد النهضة وصولاً لملف العدالة الاجتماعية فى الداخل، فالعائق الأساسى أمام تقدمنا منذ عهد عبدالناصر هو الفساد المعشش فى أجهزة الدولة، وهو الذى قام بالثورة المضادة على عبدالناصر فى عام 65 ودخولنا فى مستنقع اليمن، وتغول الجهاز البيرقراطى على الدولة، فنحن لن نخرج من أزماتنا المتكررة إلا بإصلاح إدارى شامل لأجهزتنا ليجدد فاعلية هذه الدولة التى أصابها الترهل.
■ وهل شاهدت مؤتمر إعلان استراتيجية مصر 2030؟
- نعم شاهدته، وأرى أنها أحلام ليست أكثر، والمشكلة الحقيقية أنها أمنيات ليست مبنية على دراسات علمية وتتسم بقدر عال من العشوائية، المتمثلة فى أكثر من شىء، فأى استراتيجية مجتمعية لأى بلد ينبغى أن يناقشها أصحاب الحق فى هذا البلد، وينبغى أن تتسم بالشفافية، فالجماهير الشعبية هى التى سيقع عليها فى النهاية الحسنات أو الأضرار، وفى نفس الوقت هناك عدم وضوح فى آليات تنفيذ هذه المشروعات، فلماذا تقرر عمل هذه المشروعات دون سواها؟ ومن تنّزل عليه الوحى ليرى أن هذه المشروعات هى ذات الأولوية؟ خصوصاً أن بها مشروعات مضحكة، فمشروع مثل العاصمة الإدارية الجديدة، الذى تجاهل عشرات الدراسات العلمية التى خرجت من المجالس القومية المتخصصة ومن الأكاديميات والمراكز البحثية، فقد حدث تجاهل تام لكل الدراسات العلمية الجادة، وتم اتخاذ موقف عشوائى بشكل استعراضى ردىء، وتمثل الشكل الاستعراضى فى أن «ماكت» العاصمة الإدارية تم عمله قبل المؤتمر الاقتصادى بأسبوعين، والشركة التى أوكلت إليها العاصمة الإدارية الجديدة تأسست قبل المؤتمر الاقتصادى بأسبوع، وبعد أن أوكل لها المشروع «هربت»، ثم نحاول الآن أن ندفع بهذا المشروع إلى الصين لتنفيذه، كل هذا يجعلنا نشعر أن هذه الخطط ليست مبنية على دراسات للواقع ولا علاقة لها بالاحتياجات المصرية.
من يفكر فى تعديل الدستور يسعى لهدم الدولة التى نحلم ببنائها
■ وما رأيك فى تبنى الدولة للاتجاه المعمارى؟
- المشكلة الحقيقية التى لا يريد أحد أن يواجهها أن نظام التبعية والفساد والاستبداد جرف الاقتصاد المصرى وحولنا من اقتصاد إنتاجى زراعى صناعى، إلى اقتصاد ريعى مبنى على أساس السياحة ودخل قناة السويس وتحويلات المصريين من الخارج، وهذا مصدرنا للعملة الصعبة وليس التصدير أو الاستيراد، وبالتالى حدث نوع من الإفقار للمجتمع وبيع أصوله بتراب الفلوس، والمشكلة الآن أننا نسعى لإعادة إنتاج هذا النظام الاقتصادى، وواضح مثلاً فى إطار هذا، هو أن المشروع الذى دفع المصريين من جيوبهم 64 ملياراً من أجله قد تم دون دراسات كافية لحجم التجارة العالمية التى تمر بمصر، ودون دراسة جدوى حقيقية له، وكانت النتيجة أن قناة السويس تتعرض حالياً لأزمة حقيقية، وكل الوعود الوردية أسفرت عن شىء كئيب ومحزن جداً، وهذا لأننا بشكل أساسى نبتعد عن العقل والعلم، باتجاه مشاريع استعراضية غير مدروسة بشكل كاف، وكنا نقول أنا وصلاح السعدنى زمان «عندنا حاجات شبه الحاجات بس مش هى الحاجات» فنحن لدينا تعليم عام مجانى، وهو ليس تعليماً ولا عاماً ولا مجانياً، ولدينا إعلام وحرية تداول معلومات، وهو ليس إعلاماً ولا توجد حرية تداول معلومات، فإننا لدينا أسماء كثيرة خالية من المحتوى الحقيقى لها، فلا يوجد تخطيط علمى لمستقبل مصر، وإنما الاعتماد على الاستعراضية والتمنيات والبرامج التى لا يتضح لها جدوى ولا تتضح آليات تنفيذها.
■ وكيف ترى مبادرة «صبّح على مصر بجنيه»؟
- أرى أن الإسلاميين فى فترة توليهم السلطة دعوا إلى اقتصاد يمكن أن نسميه اقتصاد الصدقة، وأظن أن مثل هذه المبادرات تصب فى نفس الاتجاه، فنحن نريد أن نعرف أين ذهبت أموال صندوق تحيا مصر؟ وفيم ستصرف؟ ونريد أن نعرف أين ستذهب أموال صبح على مصر؟ وهل هى تشكل ربحية لأصحاب شركات الاتصالات أم ربحية خالصة للدولة؟ فكل هذه مشروعات هلامية مبنية على تمنيات والنية الطيبة.
■ وماذا عن غياب الدولار وارتفاع الأسعار؟
- سيظل ذلك قائماً طالما أن اقتصادنا ريعى واستهلاكى غير منتج، فالطريق الوحيد لإصلاح حال الجنيه المصرى، هو بزيادة الإنتاج، وليس بزيادة الإنتاج الخدمى، وأن نعود من جديد للاقتصاد الإنتاجى بدلاً من الاقتصاد الريعى، فالاقتصاد الريعى يدفع ثمنه الناس ويكسب منه الأغنياء.
■ ما تقييمك لحكومة شريف إسماعيل؟
- استمرار لنفس النهج وغياب الرؤية العلمية للمشاكل، وهذا مستمر منذ زمن طويل، ومشاكلنا تتجاوز فكرة أن تكون هذه الوزارة جيدة أو غير جيدة، فمشاكلنا ترتبط بأن نأخذ مساراً اقتصادياً سياسياً صحيحاً لحل مشاكلنا، فالوزارة هى وزارة تنفيذية لتسيير أعمال طالما أنه لا توجد رؤية اقتصادية وسياسية واجتماعية تقدمها رأس الدولة.
■ هل تتوقع قيام ثورة جديدة؟
- لا أرجو ذلك، وأتصور أن هناك لحظة فارقة ستحسم فيها السلطة انتماءها للشعب المصرى حقاً وليس كذباً، هذا هو حائط الصد الأساسى أمام ثورة الجياع المحتملة، ويظل عندى ثقة عظمى فى الله وفى الشعب، وأنه فى اللحظة المناسبة سيجد الحلول لكل هذه المشاكل المتراكمة وسيُسمع صوته لمن لا يسمع.
■والمصالحة مع الإخوان؟
- الإخوان سقطوا ومعهم السلفيون فى 30 يونيو، وأى محاولات للمصالحة معهم بعد أن رفعوا السلاح فى وجه المجتمع بكامله وليس فى وجه السلطة فقط، أظن أنها فكرة خاطئة وغير صحيحة وضد رغبة الشعب وإرادته، وتسعى لها جهات كثيرة بداية من تركيا وبعض دول الخليج، فهم سقطوا وسقط معهم المشروع الإسلامى فى 30 يونيو.
■ هل تعتقد أن الأزهر قادر على تجديد الخطاب الدينى؟
- من المؤكد أنه لا يستطيع، وفصل الدين عن الدولة هو جوهر الحداثة.