علاقتي بأمي .. شديدة "الملوحة"
مايكل عياد
من قنا إلى بيتنا رحلة قضيتها برفقة برطمان ذورائحه نفاذة، لم اسلم من تأفف زميلي العائد معي من رحلة العمل تلك، ناهيك عن نظرات من أستقلوا القطار، ولكن كله يهون عشانك يا امي، فانا اعرف جيدا حبها للملوحة، وبمجرد دخولى المنزل ذهبت اليها فرحا بما جئت اليها به، و كنت اعتقد انها ستطير من الفرحة وهى تقول"إبني إفتكرني بحاجة في سفرية أهو" خاصة وأنا أعلم أنها تحب تلك الأكلة جداً، حيث تذكرها بطفولتها وصعيدها الذي رحلت وتركته منذ سنين وسنين، المهم.. لملمت خيبتي بعد ان صرخت في وجهى وهى تقول "ايه الارف ده" ووضعتها بالمطبخ سائلا نفسي بالسؤال ذاته "طب أعمل إيه طب عشان ابسطها"
كان ذلك منذ عدة شهور، أما منذ يومين، فقد عدت مبكرا إلي المنزل، على عكس الميعاد المعتاد ، أشتممت وأنا أصعد أولى درجات السلم رائحة فجة، دققت، بالفعل إنها "ملوحة"، ترددت قبل فتح الباب، ستمطرني أمي بوابل من الكلام، بالأضافة لدرس قاس في كيفية شراء الملوحة الدلعة، قبل مقارنة بسيطة بين حياتي ومستقبلي و"شروة الملوحة دي"!
أستعنت بالله، وأنا أدير المفتاح بأتجاه عقارب الساعة، أطلقت صوتي مذبذا "ماما"، لم يصلني رد، فتأكدت بأنها تترفع عن الجواب من ردائة الطعم، فكررت الصياح ولكن بصوت أعلي تلك المرة، وإذا بأمي تخرج من الصالة بتجاه المطبخ وهي تحمل ما تبقي من غدائها علي طبقين بكلتا يداها، وفمها لم ينتهي بعد من مضغ ما تبقي من قوتها، لتقف برهة حتى أبتلعت ما مضغته بفمها، وتبتسم وهي "الله، أما حتة ملوحة يا واد يا مايكل، إنما أيه"، قلت "بالهنا والشفا ياحاجة" وقبل أن تنقل أخر خطواتها للمطبخ شكرتني "تعيش وتجيب يا حبيبي" وما أن سمعت الجملة فقلت "مش دي اللي قعدتي تقوليلي إيه وإيه، وعملتيلي بسببها صاحبة شادر سمك
أستقبلت أمي "غلاستي" بصدر رحب، أبتسمت وهي تسمعني طيلة دقائق كثيرة، قبل أن تسكتني بكوب الشاي الذي أحببته من يديها، وهي تطلب مني بأن أجلب لها مجددا حال سفري، وما أن أرتشفت من الشاي حتي أخرجت هاتفي لأبلغ أختي الكبرى بأنني إنتصرت، إلا أن جرس الشقة رن، وما أن نهضت لأفتح حتى وجدت أمي تسبقني لتفتح الباب، وإذ بها تخرج لتقف مع ذلك الرجل الذي دق بابنا وقد أغلقته خلفها، تلصصت خلفهما وما أن نظرت حتي وجدتها تحاسب الرجل، قربت أذني فسمعت " ليه، 90 ليه، دا أبني لسه جايبها بـ50"!
إنسحب لغرفتي، كنت قد شعرت وكأن أحدهم صفعني على وجهي، شعرت بصغر نفس، ودار أمام عيني مشهد أحمد مكي مجددا ولكن تلك المرة وهو يستدعي المارد خجلا وهروبا مما أقترف، علي الرغم بأنني شعرت "بحتة طايرة كده فيا" فأمي عظيمة، أمي جميلة، أمي كعاهدها تتحامل كي تجعلني سعيد، أمي تسعى دوما بمنتهي البساطة بأن تشعرني أنا وأخوتي بأهميتنا، أمي ككل أم سر سعادتها في رؤية أبنائها سعداء!".