«أم صابر»: ابنى ناظر مدرسة.. ربيته من شغلى فى المستعمرة
«هانم» تحب أن يناديها المرضى بـ«أم صابر»
بصوت ضعيف وكلمات ثقيلة على لسانها الضعيف، أخذت «هانم حامد» تُردد: «كل مرة باشوفه فيها، باقول الحمد لله»، تُكررها عدة مرات، والدموع لم تتوقف عن التساقط، السيدة العجوز التى ابيضت عينها من «الجذام»، وفقدت كفيها، وتقول إنها جاءت إلى المستعمرة منذ أكثر من 40 عاماً، بعدما أصابها المرض. جاءت «هانم» إلى المستشفى من مركز شبين القناطر فى ربيع عمرها، لكن المرض أخذ يأكل فى جسدها حتى أودعها الفراش، لا تقوى على الحركة، تقول لـ«الوطن»: «لو أقدر أتحرك ولّا أشوف، أو أمشى فى الشارع، كنت جريت زُرته».
يزورها كل 3 شهور مرة: «الدنيا واخداه»
لا تنتظر زيارة نجلها يوم عيد الأم، رغم أنها أمنيتها، فهى تؤمن أنه متشوق إليها: «أكيد تعبان ومش قادر ييجى.. ابنى مايبعدش عنى أبداً».. «أم صابر» هو الاسم المحبّب إلى السيدة العجوز، تبتسم حينما يناودنها به: «أحسن عندى من اسم الحكومة»، فهى من اختارت لنجلها اسمه، وهى من عانت لتقتات لقمة عيشها وهى داخل المستعمرة، لتوفر له احتياجاته: «أنا صرفت عليه وربّيته وأنا عيانة، لحد ما بقا بسم الله ما شاء الله ناظر مدرسة قد الدنيا».
تجلس «العجوز» على أحد الأسرة، تتناول بمعصميها كوب الماء، وتقول بلهجة مفعمة باللهفة على نجلها الغائب: «بيزورنى كل 3 شهور مرة»، وتعذره رغم كل شىء: «عيان يا ولدى، وتعبان ورجله وجعاه.. عامل حادثة فى رجله، والدنيا واخداه»، لا تتوقف عن البكاء طوال حديثها: «هو اللى طلعت بيه من الدنيا قبل ما يجينى المرض». بجلبابها المزركش ذى الألوان الزاهية، توضح «أم صابر» أن نجلها الوحيد دائم التواصل معها، لكن السيدة التى صارت ضريرة، تتمنى لو تستطيع الخروج لتزوره وتطمئن على الإصابة التى طالته قبل شهور: «جبت قبله اتنين، لكن بقوا عند ربنا.. ماتوا وهما صغيرين.. وهو اللى طلعت بيه قبل ما يجينى المرض»، تتمنى «أم صابر» أن تتحسّس وجه نجلها وتمسك بيده، لتشعر بوجوده إلى جانبها، بعدما فقدت بصرها: «كفاية أشم ريحته وهو داخل عليا.. عندى بالدنيا».
تتذكّر السيدة السبعينية يوم فرح نجلها صاحب الـ«58» خريفاً: «أنا اللى جوزته ووقفت معاه يوم فرحه»، وتفتخر بأنها استطاعت الوقوف إلى جانبه حتى أصبح لديه عائلة: «عنده دلوقتى ولدين وبنت، أحفادى»، مؤكدة أنها لا تستطيع الآن مواصلة عملها داخل المستعمرة، فأصبحت قعيدة لا تقوى على العمل.