مؤسِّس «بورسعيد على قديمه»: بدأنا بـ30 شاباً وأصبحنا 160 فى عامين
محرر «الوطن» داخل أحد المبانى التراثية
على جانبَى شوارع حى الشرق المعروف باسم «الإفرنج» بمدينة بورسعيد، يبرز بعض العمارات الخرسانية المرتفعة بين العمارات التراثية التى مرّ على إنشائها أكثر من 100 عام، فتنال من حالة الانسجام التى فرضها الطراز المعمارى القديم على شكل الحى المميز، عند زيارة شوارع الحى القديم بالقرب من المجرى الملاحى لقناة السويس. يدرك الزائر من الوهلة الأولى أن اغتيالاً متعمداً سيتم بحق هذه المبانى قريباً، كما حدث مع المبانى الأخرى التى هُدمت تحت سمع وبصر المسئولين.
ورغم الجهود الشبابية الكبيرة التى تعطِّل هدم هذه المبانى، فإنها لا تستطيع الصمود كثيراً أمام توحُّش رأس المال والنفوذ السياسى والمالى، فأقصى ما يستطيعون القيام به هو تنظيم وقفة احتجاجية أمام مبنى قديم أو جهة حكومية للاعتراض على الهدم، مع تقديم مذكرة إلى المحافظ ورؤساء الأحياء.
بجوار الممشى الحديث تطل عمارات تراثية كثيرة على المجرى الملاحى، مثل مبنى «سيمون أرزت» التابع لإحدى الشركات الحكومية، ويقترب المبنى من فندق «ناسيونال» الذى يجاور معدية بورفؤاد، والفندق مكوَّن من طابق واحد، وقديماً كانت مياه القناة تصل إليه، وجنوب الفندق يقع مبنى هيئة قناة السويس المميز صاحب القباب التاريخية، الذى يطالب البعض بتحويله إلى متحف مفتوح.
«حسن»: خاطبنا السفارة الإيطالية لترميم «البيت الإيطالى» فقالوا إنهم فى حالة تقشُّف
كذلك تقع بطول الكورنيش الشرقى للقناة عمارات تاريخية أخرى غير مسمَّاة بأسماء معروفة، بل تحمل أرقاماً عادية، لكن أشكالها تميزها عن غيرها بشدة، ويعتبر حى الإفرنج متحفاً مفتوحاً لِمَا يضمه من مبانٍ مميزة مبنية على مختلف الطرازات الإنجليزية والفرنسية والبلجيكية، تماثل الموجودة فى القاهرة الخديوية بالعاصمة.
أسفل إحدى العمارات التراثية يجلس رجل مُسِنّ داخل محلّ صغير لتصنيع التندات، دون عمل، ومع ذلك يحرص على فتح الورشة كل صباح بما فيها أيام الإجازات. «أنا مش فاتح الورشة عشان الشغل، مفيش شغل أصلاً، أنا باجى هنا عشان أقعد شوية عشان باحنّ لأيام زمان وأيام أبويا الله يرحمه»، يقول المسنّ فؤاد عوض بمرارة، مضيفاً: «صاحب العمارة عاوز يطلّعنى منها، وأنا لو عرض عليا مليارات مش هاطلع، مع إن ناس كتير من السكان مشيوا بعد ما أخدوا فلوس كتير».
ويضيف «عوض» عن الوضع الذى وصلت إليه عمارات بورسعيد التاريخية: «الشقة فى العمارة اتباعت بـ500 ألف جنيه مع أنها إيجار قديم، والشقق تُباع هنا فى المنطقة بـ3 ملايين جنيه فى برج الأمراء المجاور لنا. أنا رفضت أسمع أصلاً لصاحب البيت لأنى مش هاسيبه، العمارة عمرها 110 سنوات، وكانت شاهدة على العدوان الثلاثى، وهذه البيوت يجب الحفاظ عليها وصيانتها بدلاً من تركها للسوس».
فى الجزء الشمالى من حى الإفرنج توجد كنائس قديمة، بعضها ملك للقنصليات الأجنبية، وتتميز بجمال طرازها المعمارى الفريد، بعضها مغلق والآخَر مفتوح للجماهير، وفى نفس المنطقة فيلات قديمة تصلح لأن تكون متاحف حقيقية، يسكن فيها بعض المواطنين.
محمد حسن، مؤسِّس حملة «بورسعيد على قَديمُه»، مهندس معمارى تَخرَّج منذ أشهُر قليلة فى قسم العمارة بكلية الهندسة بشبرا بالقاهرة، يقول: «بدأت فكرة تأسيس الحملة قبل عامين بعد الحملة الإعلامية الشرسة التى تعرضت لها المدينة عقب أحداث مذبحة استاد بورسعيد، وفوجئت بعدم معرفة الناس أى شىء عن تاريخ بورسعيد أو آثارها، كل معرفتهم بالمدينة لا تتجاوز تجارة الملابس، ومرور قناة السويس بها، فقرَّرت أنا ومجموعة من زملائى عمل حملة لتصحيح صورة بورسعيد وإلقاء الضوء على تاريخها ومبانيها التاريخية والأثرية».
«حسين»: يجب فتح فنار بورسعيد القديم واستغلاله فى الترويج الثقافى والسياحى
يكمل «حسن»: «فى البداية بحثت عن كتب تاريخية تحكى عن بورسعيد، واكتشفت أننى بمفردى لن أستطيع الوصول إلى ما أريده، فتواصلت مع معارفى وزملائى فى بورسعيد، وتحدثت معهم عن أهمية أماكن بورسعيد الأثرية، وفوجئت بعدم معرفة كثير منهم بهذه الآثار، فاتفقنا على تأسيس مجموعة شبابية تروِّج لمدينة بورسعيد، وأجمعنا على عمل زيارات ميدانية كل أسبوع لمبانى المدينة التاريخية، وبدأت هذه الجولات بنحو 30 شخصاً فقط، ووصل عددنا الآن إلى 160 شخصاً ما بين 14 و24 سنة، وتعمدنا تدشين الحملة يوم عيد ميلاد مدينة بورسعيد الـ55، لأنه تم تأسيس المدينة فى 25 أبريل 1859، مع حفر قناة السويس».
ويضيف: «تبرع كل منا بـ10 جنيهات، وقررنا تنظيم حفلة بسيطة للاحتفال بعيد ميلاد بورسعيد، واتفقنا مع منظمى ماراثون بورسعيد على انطلاق الماراثون من مبنى أثرى وانتهائه بمبنى أثرى آخر، وزرنا بالفعل 9 أماكن تاريخية مثل البيت الإيطالى وعمارة كولفيتش، والفنار، أول مبنى خرسانى فى مصر، والبوستة الفرنساوى، ثم طوّرنا الفكرة لاحقاً ونظمنا رحلات جامعية إلى بورسعيد بسعر رمزى جداً، وبدأ الاهتمام بتنظيم جولات ثابتة تحت اسم (أماكن منسية من الذاكرة البورسعيدية)، حاولنا أيضاً إحياء وترميم البيت الإيطالى وخاطبنا السفارة الإيطالية، إلا أنهم قالوا إنه لا يوجد ميزانية لترميمه الآن لأنهم يطبقون حالة تقشُّف».
وعن هدم المبانى التراثية فى بورسعيد يقول: «الموضوع للأسف أقوى منا، نظمنا وقفات احتجاجية ضد هدم بعض هذه المبانى، مثل عمارة المكتبة الأهلية والبيت اليونانى، لكن فوجئنا بهدم مبنى المكتبة الأهلية الذى كان شاهداً على العدوان الثلاثى، لأنه البيت الوحيد الذى استُهدف فى أثناء العدوان فى حى الإفرنج، وعندما قابلنا محامى رجل الأعمال الذى اشترى البيت قال: (نحن نساهم فى حل أزمة إسكان الشباب)، وهو يعلم أن سعر الشقة فى هذه المنطقة لن يقل عن 5 ملايين جنيه. أما البيت اليونانى فأنا خايف جداً أصحى من النوم ألاقيه اتهدّ، صاحب البيت قفله واشترى من أصحاب المحلات والشقق، ومنتظر فى أى وقت يهد البيت ويطلع بالبرج، والحكومة وجهاز التنسيق الحضارى فى غيبوبة».
«مسعد»: بعض زوار المدينة كانوا يجهلون تاريخها.. وبعد جولاتنا تغيرت مفاهيمهم
ويوضح مؤسس حملة «بورسعيد على قديمه» أن «90% من المبانى الأثرية فى بورسعيد موجودة فى حى الإفرنج، وتتميز بأكثر من طراز معمارى أجنبى، أما حى العرب فبه آثار إسلامية أيضاً، ولا تزال المشربيات موجودة فى بعض مبانيه حتى الآن، لكن فى حى الإفرنج يُعتبر بعض الشوارع فيه متاحف مفتوحة، مثل شارع الجمهورية وعبدالسلام عارف وصفية زغلول، لكن للأسف مفيش حد بيسمعنا من الجهات الحكومية باستثناء المحافظ ابن محافظة بورسعيد، وطلب منا تقديم تصور لإعادة افتتاح مبنى سيمون أرزت المطلّ على المجرى الملاحى لقناة السويس ليتم استخدامه فى إقامة الحفلات والندوات على غرار ما يحدث فى وكالة الغورى فى القاهرة».
محمد مسعد، عضو فى حملة «بورسعيد على قديمة»، يقول: «قبل أسبوعين كنا مشرفين على تنظيم جولات لوفود وزارة الشباب والرياضة، وكان هذا تحدياً كبيراً لنا، لأن الأعداد كانت كبيرة جداً، وبعد الجولات تعمدنا توجيه الأسئلة إلى الزوار فقالوا لنا: (كنا نظن أن بورسعيد تجارية فقط)»، وقال آخر: «كل تصورى عن بورسعيد إنى كنت هاجى أشترى قميص وبنطلون وهارجع تانى، لكن البلد جميلة ومليئة بالمبانى التراثية التى يجب الحفاظ عليها من التدمير والإهمال»، موضحاً أن استجابة الزوار وتفاعلهم مع تاريخ بورسعيد يجعلهم سعداء جداً.
وعن تميز المبانى التاريخية فى بورسعيد يقول «مسعد»: «تتميز هذه العمارات بأعمدتها العريضة المبنية من الطوب، وأسقفها الخشبية محكمة الإغلاق والتبليط، وهذا الطراز المعمارى الفريد راعى التهوية والرطوبة من الداخل، ورغم أن السقف من الخشب فإن بعض السكان ركَّبوا السيراميك والرخام عليه، ونجح هذا التطوير فى الحفاظ على هذه المبانى».
على جانب آخر يقول طارق حسين، مدير عام آثار بورسعيد وبحيرة المنزلة، إن «مدينة بورسعيد غنية بتراثها الأثرى والعمرانى الذى يعكس جوانب حضارية من تاريخ الأمة المصرية، وهذا التراث منتشر فى أنحاء المحافظة، ويعكس فى الوقت ذاته شخصية كل حى من أحيائها، وتتمتع المنشآت والمواقع الأثرية فى بورسعيد بقيمة اقتصادية كبيرة من ناحية استثمارها، فالمدن التى تتوافر فيها الآثار، تمتلك نسبة إضافية تمكِّنها من استقطاب مزيد من الاستثمارات السياحية، فالتراث الأثرى والعمرانى وعاء لمعظم أنشطة السياحة، ومن المؤكَّد أن الاستثمار فى مواقع التراث يؤدى إلى كثير من المنافع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، سواء الناتج عن مشاريع إعادة التأهيل، وتوظيف ما تمتلكه المحافظة من مناطق أثرية كتنيس والفرما وتونة وحصن الأشتوم ولجان وجزيرة حصن الماء معيبد».
ويؤكد «حسين» أن تراث بورسعيد ينقسم إلى نوعين، الأول هو الآثار المسجلة فى الآثار الإسلامية والقبطية، والمبانى ذات الطابع المعمارى المميَّز، بجانب الآثار المسجلة داخل بحيرة المنزلة ضمن الحدود الإدارية لمحافظة بورسعيد، وهى «تل تنيّس الأثرى، وتل تونة الأثرى، وضريح عبدالله بن سلام، وتل غصين».
أما المنشآت الأثرية المسجلة داخل المدينة فهى الجامع العباسى، وقاعدة تمثال ديليسبس والرصيف المقدم له، ومبنى هيئة قناة السويس، وفنار بورسعيد القديم، وكنيسة سانت أوجينى.
أما الآثار تحت التسجيل فهى «تمثال ديليسبس، وطابية الديبة، والكنيسة اليونانية، وكنيسة الظهور الإنجليزى، وكنيسة العذراء والملاك ميخائيل المعروفة بالكاتدرال، والنص التأسيسى للجامع التوفيقى، ومبنى القنصلية الفرنسية المعروف بفيلا أوجينى، والكنيسة الإيطالية، وفندق ناشونال بميدان المعدية، ومبنى المحكمة المختلطة ببور فؤاد».
وعن المبانى ذات الطابع المعمارى المميز التى يتعرض كثير منها للهدم يقول «حسين»: «جمعت بورسعيد فى مبانيها أجمل ما أبدع معماريون فرنسيون ويونانيون وإيطاليون من الجاليات التى كانت تستوطنها، وتنوعت هذه البيوت فى تكوينها بين الحجارة والخشب، كما تميزت بوجود حى للعرب وآخر للأجانب اختلف فيهما الشكل المعمارى وفقاً لتقاليد الحياة المختلفة».
ويبلغ عدد هذه المبانى التى حُصرت مؤخراً 644 طبقاً لقرار مجلس الوزراء رقم 1096 لسنة 2011 بشأن تقييد العقارات بسجلات التراث المعمارى لمحافظة بورسعيد، وينطبق عليها أحكام القانون رقم 144 لسنة 2006، وقرار مجلس الوزراء رقم 192 لسنة 2007، وهى موزعة فى أحياء المدينة على النحو التالى: حى الشرق 340، وحى العرب 106، وحى المناخ 59، ومدينة بورفؤاد 139.
وعن أهم الآثار التى يجب استغلالها سياحياً يقول «حسين»: «فنار بورسعيد القديم يُعتبر من أهم المنشآت المصرية التى تأثرت بالتقدم التكنولوجى فى أوروبا فى ذلك الوقت، فكان أول فنار يُبنى بالخرسانة المسلحة، وكانت المرة الأولى التى تُستخدم فيها هذه التقنية لهذا النوع من الأعمال فى العالم، ومنذ البداية حرص المصممون على أن يكون رائداً فى استخدام الضوء الكهربائى والعدسات الحديثة».
ويكمل «حسين»: «اليوم يقف هذا الأثر بناءً تاريخياً أثرياً مهماً يشكِّل مَعلَماً بارزاً شامخاً فى حد ذاته، وعلامة فارقة فى تاريخ تقنيات البناء الحديث، يحكى عن الصلة المباشرة بين بورسعيد الحديثة وجذور تأسيس ونشأة بورسعيد القديمة. نحلم بإخلاء وإعادة تأهيل وترميم وصيانة هذا الأثر الفريد، لإقامة أنشطة وفعاليات ثقافية تُحيِى ذاكرة المدينة والوطن واستغلاله فى الجذب السياحى».
يتابع مدير الآثار: «مبنى هيئة قناة السويس (مبنى القبة) يرجع تاريخه إلى عام 1893م فى عهد الخديو عباس حلمى الثانى، وهو من أبرز المعالم الأثرية والسياحية لاستقبال الزوار والمعجبين فى مدينة بورسعيد، كما يمكن القول عنه إنه المبنى التاريخى الرئيسى لمكاتب وإدارة شركة قناة السويس ببورسعيد، إذ كان ولا يزال يُستخدم لمتابعة حركة السفن المارَّة بالقناة، كما يتميز المبنى بروعة المعمار وموقعه الفريد على شاطئ القناة. ويمكن تطويره وإعادة استخدامه مَجْمَع متاحف متنوعة ذات طبيعة خاصة على غرار متحف قلعة قايتباى بالإسكندرية».
تراث بورسعيد «يواجه» جشع رجال الأعمال وتجاهل المسئولين والشباب يتحدون قرارات هدم المبانى بـ«وقفات احتجاجية»
وعن الآثار الأخرى المهمة يقول مدير آثار بورسعيد: «المسجد العباسى يقع بحى العرب، أحد الأحياء القديمة والشهيرة بالمدينة، أنشئ سنة 1322ﻫ/1904م، ثانى المساجد ببورسعيد، وأقدمها الآن بعد هدم المسجد التوفيقى، وعاش المسجد حروب المدينة ومقاومتها للاحتلال، والتقى فيه كثير من زعماء المدينة، كما خطب فيه الزعيم الراحل جمال عبدالناصر عقب حرب 1956، كما يحمل هذا المسجد تاريخ وعبق الماضى بالنسبة إلى أهل بورسعيد، فالمسجد القديم يشبه إلى حد بعيد طراز المساجد المملوكية».
ويوضح مدير آثار بورسعيد أن «قصة بناء كنيسة سانت أوجينى بدأت فى 27 مارس 1867م عندما تنازلت إدارة شركة قناة السويس للآباء الفرنسيسكان عن قطعة أرض لبناء كنيسة للكاثوليك ببورسعيد، وتم بناء الكنيسة من الخشب باسم القديسة أوجينى الشهيدة العظيمة، وهو أيضاً اسم إمبراطورة فرنسا، وفى 19 مارس 1890م أعيد تشييد الكنيسة من الحجر على الطراز الكلاسيكى الجديد، ولأن الكنيسة تقع بالقرب من أهم ميادين المدينة، وأشهرها ميدان المنشية، فيجب تجميل وتطوير المنطقة المحيطة به وتطوير الميدان نفسه باستخدام الوسائل الحديثة لإبراز مراحل نشأة الميدان وتطوره منذ البداية حتى الآن، لذلك يجب ربط الكنيسة بالميدان وإزالة الإشغالات المحيطة بها لإظهار الكنيسة بمظهر لائق يعطى الفرصة لإدراجها ضمن برامج سياحية مع مجموع الكنائس التاريخية المجاورة للكنيسة ككنيسة النبى إلياس والكنيسة اليونانية وكنيسة الظهور والكاتدرال».
ويؤكد «حسين» أن «إقامة أنشطة فى المبانى ذات الطابع المعمارى المميز تحافظ عليها من التدهور، وأن إقامة أنشطة ثقافية واستثمارية فى مواقع الآثار ليست هدفاً فى حد ذاتها، بل تتعدى ذلك إلى غرض ترميمها وصيانتها بغرض تهيئتها لتكون ملائمة لإقامة كثير من الأنشطة والفعاليات الثقافية والاستثمارية التى يزيد الطلب على منتجاتها والرغبة فى مشاهدتها، خصوصاً عندما تكون مزاولتها فى مواقع الآثار».
ويوضح «حسين» أنه «يمكن توظيف بعض المبانى ذات الطابع المعمارى المميز كمكان للسكن، فهى من أفضل الطرق للحفاظ على المبانى، فالاستخدام يتطلب تهيئة وترميماً وصيانة بصورة تلقائية لهذه المبانى، مما يعنى الحفاظ عليها بصورة جيدة، ومن ذلك توظيف بعض هذه المبانى كمتاحف وطنية وتوظيف بعض الأماكن كمطاعم وتقديم الأكلات الشعبية، وتوظيف بعض الأماكن كمعامل للرسم والتصوير والفنون التشكيلية، وتوظيف بعض الساحات القريبة والمحيطة بالآثار كمواقع لمزاولة الفنون الشعبية، وتخصيص بعض الغرف فى المبانى الأثرية كمراكز استقبال وإرشاد وتعريف بأقسام ووظائف المبانى وتخصيص صالات للقراءة ومزاولة بعض الهوايات». أما المؤرخ البورسعيدى سمير عوض فيقول: «المناطق التاريخية فى بورسعيد بُنيت على شكل المثلث، لأن البحر كان قريباً منها، والأرض تمثِّل عليه شكل المثلث، وأكد أن حىّ الشرق هو متحف حضارى عالمى فى طرازه المعمارى الأوروبى، بخاصة الإيطالى والفرنسى، ويجب الحفاظ عليه لا هدمه، وهدم كل مبنى تراثى يعنى هدم تاريخ عريق، ويجب الحفاظ على هذا التاريخ مهما كانت التكلفة لتتعلم منه الأجيال المقبلة، والمبانى ذات القيمة العمرانية ذات الهندسة الأوروبية التى ميزت المحافظة أدخلتها فى عداد مدن حوض البحر المتوسط ذات ملامح حضارية، وما زالت تحمل قيمة جمالية لا يمكن التفريط فيها»، وأوضح أن «الثقافة تنقسم إلى بصرية وسمعية وعقلية، وحىّ الشرق يحمل الثقافة البصرية، وهو جزء مهم من هوية المنطقة ومن مكونات البناء الثقافى لبورسعيد».
ويضيف «عوض»: «المدينة كانت مزاراً سياحياً للأوروبيين من إنجلترا وإيطاليا وفرنسا، إذ كانت لهم مستعمرات فى الجنوب ليقضوا الشتاء فيها، وكانوا يمرُّون على بورسعيد عند عودتهم إلى بلادهم الأصلية ليبدلوا الملابس ويشتروا ما يحتاجون إليه من مستلزمات للسفر وللسياحة، ونتمنى عودتها مرة أخرى، وأوضح أن من بين المبانى التى أسف لهدمها البيت الحديد وسمى بذلك لأنه صنع من الحديد مكون من 5 أدوار وتمثال الملكة أوجينى وجنود الحرب العالمية، ومن المبانى التى ما زالت تحمل عبق التاريخ سيمون أرزت ومسجد لطفى شبارة والكنيسة اليونانية، ويوضح أنه يوجد أيضاً فى حى العرب مبانٍ تراثية فى عدة مبانٍ تحمل فى عمارتها فناً يمزج ما بين التراث المصرى والثقافة الأجنبية».
ويتذكر «عوض» فيقول «شارع الجمهورية كان يمتلئ فى أيام الأحد بفرق موسيقية تعزف على الأرصفة للجاليات الأجنبية مثل الإنجليز والإيطاليين والفرنسيين واليونانيين، الذين فضلوا البقاء فى بورسعيد، وكانت اللغة السائدة فيها هى الفرنسية منذ عام 1859، وكانت بورسعيد تسمى وقتها (كوزموبوليتان)، أى (مدينة العالَم)، ويسمى مواطنوها (كوزموبوليتس)، أى مواطنى العالَم».
هدم منزل خشبى قديم