«فاتن»: أهلى طردونى.. بس هكمل تعليمى من غيرهم.. واتعلمت خياطة وخرز وحاجات تانية كتير
«فاتن» تحكى رحلتها المؤلمة
بثقة لم تعرف طعمها قبل عامين من الآن، وقوة بدت فى حديثها وإصرار وتحد لكل الظروف التى مرت بها، تجلس «فاتن»، ذات الـ19 ربيعاً، وسط زملائها أو من ارتادوا جمعية نور الحياة وصاروا من نزلائها، بحثاً عن مأوى بديل عن حياة الشارع، بعدما تخلى عنهم الأهل لظروف وأسباب مختلفة، جلست الفتاة التى تسترجع ذكرياتها قبل أن تحل بها اللعنة الكبرى فى حياتها، أو على حد وصف أهلها لها، «جابت لنا العار»، بعد تعرضها لحادث اغتصاب جماعى مأساوى فى قرية نائية تتبع جغرافياً محافظة الفيوم، بقيت الفتاة عبئاً على أهلها، فكان أبوها الذى يعمل موجهاً بالتربية والتعليم، أقسى عليها من الألم النفسى الذى صاحبها طوال تلك الفترة، لتضطر والدتها بحثاً عن الراحة النفسية وبعيداً عن نيران الأسئلة الملتحمة بالجريمة، لنقلها للقاهرة لإنهاء رحلة عذابها مع الأقارب فتركتها فى إحدى دور الإيواء لكى تعيش بها مدى الحياة.
تعرضت لاغتصاب جماعى وحاولت الانتحار 6 مرات
الصدمة التى صاحبت الفتاة منذ تلك اللحظة، دفعتها للانتحار قرابة 6 مرات، لا تزال آثاره محفورة فى يديها، وتتحدث «فاتن» عن مأساتها التى جعلتها تعيش أسوأ أيام حياتها، وتقول: «ما أعرفش حاجة عن أهلى ومش عايزة أعرفهم تانى»، تنتقل فى حديثها عن الأهل إلى حلمها الذى بدأت تحقيقه بخطوات حقيقية، إذ إنها استمرت فى تعليمها برغم كل الظروف القاسية، ولم تتخل عن حلمها فى التعليم من أجل أن تكون «إنسانة متميزة»، تقول: «أول جمعية رُحتها رفضوا يخلونى أروح المدرسة وكنت هتجنن لأنى نفسى أكمل تعليمى، حاولت إقناعهم بصعوبة بالغة ودخلت مدرسة لم تكن على نفس القدر الذى أريده»، لتجد نفسها أسيرة اليأس وتحاول الانتحار مجدداً، وقد كانت تلك المرة بمثابة المنقذ لها.
«نقلونى لجمعية نور الحياة، وبدأت أتعلم خياطة وخرز وحاجات تانية كتير ولما طلبت إنى أكمل تعليمى وقفوا جنبى وساعدونى، ودلوقتى بقيت فى الصف الثانى بالثانوى التجارى».
لم يكن ذلك هو نهاية حلمها، إذ إنها حصلت على تقدير جيد وهو ما يعد إنجازاً وسط ظروفها الصعبة والتحديات التى واجهتها، لكن الفتاة تبحث عن فرصة إتمام تعليمها والوصول إلى التعليم الجامعى على حد قولها: «نفسى أكون محاسبة، وساعتها لو شفت أهلى هقول لهم أنا بقيت حاجة من غيركم وانتم ما لكوش وجود فى حياتى».
لم تتوقف «فاتن» لحظة بحثاً عن المعرفة والعلم، إذ تتخذ من كتب خبير الموارد البشرية إبراهيم الفقى، دليلاً لها فى ظلمة الأيام، تتحدث عن نصائحه قائلة: «أنا بنفذ كل نصائحه بالحرف، لدرجة إنى جبت كشكول فاضى وبدأت أكتب فيه أخطائى وأكتب الصح اللى بعمله، وأقول إنى مش هكرر الغلط ده تانى، بحاول يمكن كتير بانسى الكشكول بس مابنساش نصايح إبراهيم الفقى، وهكمل حياتى بنصايحه».
تحكى «فاتن» عن سبب معرفتها بكتابات التنمية البشرية، قائلة: «اتعرفت على واحدة فى مصنع ملابس بشتغل فيه، وبقت صديقتى من كتر ما هى بتساعدنى وبتقف جنبى، وهى اللى عرفتنى على كتب التنمية البشرية وتحديداً كتب إبراهيم الفقى وادتنى كتب أقراها، وفعلاً فرقت معايا كتير».
رحلة العلاج النفسى لفاتن استمرت شهوراً طويلة على حد تعبير منى زكى، مدير دار الإيواء، وتقول: «فاتن جت الدار وهى مصابة بحالة يأس من الحياة واكتئاب شديد، وبدأنا نتدخل مع إخصائى نفسى فى طريقة علاجها ونخليها تحس بالأمان، وإن فيه ناس بيحبوها وخايفين عليها، اتعلمت الخياطة وبتشتغل فى مصنع ملابس بجانب دراستها وهى ناوية تكمل للجامعة واحنا معاها».
تحكى «منى» عن الطرق التى تتبعها الدار حالة استقبال أى فتاة جديدة سواء تم تحويلها من دار أخرى أو جاءتهم عن طريق الخط الساخن التابع للمجلس القومى للطفولة والأمومة فتقول: «لازم يتم فحصها طبياً عن طريق طبيبة متخصصة تابعة للدار وكتابة تقرير يثبت حالتها المقبلة بها وكذا تسجيله فى قسم شرطة إذا كانت مصابة أو تم الاعتداء عليها، ونبدأ بعدها التعامل معها طبياً ونفسياً واجتماعياً»، متابعة: «فاتن نموذج فريد للفتيات اللاتى تعرضن لأزمة كبيرة، وبخاصة حالة رفض أهلها لوجودها أو حتى مساعدتها فى التغلب على مشكلتها، متنبئة للفتاة بمستقبل مختلف للتحدى والإصرار والقوة التى تتميز بها».