"سيدى بشر" .. منطقة تجارية تصدح بالأغانى.. ومسجدان للسلفيين
يرغب بعض أهالى الإسكندرية فى الاستماع لدرس دينى، يضيف لمعلوماتهم الدينية مزيداً من المعرفة، لا يكتفون بالمشاهدة التليفزيونية، الحضور ورؤية الشيخ وحركاته على الطبيعة قد يفضى إلى فهم أكبر، يرتادون المناطق التى تمنح تلك الدروس عقب صلاة العشاء، ما بين الورديان ومصطفى كامل وسيدى بشر وأبوسليمان.
ذهبت «الوطن» إلى سيدى بشر، منطقة لا يغلب عليها الطابع السلفى، الشوارع واقعة تحت أسر «المشاريع» وأغانيها الشعبية الرائجة، والمحلات التجارية تنضح بألوان مبهجة، إلا فى شارع مسجد الصداقة، حيث محلات تبيع الجلابيب القصيرة، والإسدال والعسل الأبيض، إلى جانب السبح والبخور، تمضى إلى شارع جمال عبدالناصر، ثم شارع جانبى صغير، هابط عن الأرض، يرقد مسجد «التقوى»، أهالى المنطقة يطلقون عليه «زاوية»، المكان لا يتسع إلا لعشرات، وفى الخارج باحة مغطاة بالصاج المعدنى، يجلس الناس ومن أمامهم شاشة تليفزيونية ثابتة، لا تعرض شيئاً، ومن أمامها باب مغلق للسيدات، بعد انقضاء صلاة العشاء، ومن بعدها ركعات الشفع والوتر، فى مسجد السيدات يصدح صوت من السماعات، ولا تصبح الشاشة ثابتة، بل يظهر عليها شيخ ذو لحية بنية كثيفة وعوينات طبية تخفى عيناً غير مستقرة، «زبيبة» الصلاة خاصته متسعة بطول الجبهة، اسمه ياسر برهامى، وظيفته طبيب، لكنه توسد كرسى الخطابة، جاء إليه المحبون، ليشاهدوه، سامعين درسه الأسبوعى فى مسجد التقوى بسيدى بشر، فى المسجد الضيق، يوجد دولاب خشبى كل كتبه للشيخ المتحدث، كتاب منها يفسر سورة يوسف، وآخر عن فقه الخلاف بين المسلمين، يجلس برهامى على مقعد، من أمامه كتاب يحمل عنوان «تاريخ المجالس»، وفى مواجهته كاميرا تليفزيونية كبيرة، يبدأ فى الحديث، نبرته هادئة، لولا الميكروفون لما خرج صوت يسمع الحاضرين، الجالسين فى الخارج لا يعبأون بالجلوس على حصائر، أو هواء يضرب المكان، حتى المطر حين هطل، مكثوا فى أماكنهم، أبصارهم متعلقة بشاشة التلفاز، التى تنقل صورة ياسر برهامى من داخل الزاوية، حين يتعمق برهامى فى الدرس، ولا تغيب عنه نبرته الهادئة، ينسل النوم إلى ستة من الموجودين، نوم عميق، أحد النائمين من الصبية لا يتجاوز عمره الخامسة عشرة، يوقظه أبوه كل حين، بدفعة فى ذراعه، يذهل الابن، يفتح عينيه، ولا يلبث أن يغمض من جديد، غارقاً فى سبات عميق.
الشيخ يستمر فى درسه الدينى، يقرأ من كتاب تاريخ المجالس، يسرد ماهية المكاشفة، وكيف يكون لزاماً على المسلم ألا يعلن ما لا يسر، المؤمن الحق هو من يتسق مع نفسه، ويقول ما يفعل، يدخل إلى قضية جدلية، عن الرؤية والحلم، يسأله أحد الجالسين عن رؤية الله فى الحلم، فينفيها قاطعاً، ويؤكد أنه لا يمكن لبشر أن يرى الله، إلا حين يدخل جنته، وينظر إلى وجهه الكريم، يقول إن الأنبياء رؤياهم ممكنة، ولا تتأتى إلا لصالح، يستمر فى القراءة النصية الجامدة من الكتاب، يتناقل البعض أوراقاً بيضاء عليها أسئلة، ينهى قراءة الكتاب، ويشرع فى الإجابة عن الأسئلة، يرفض إجابة الأسئلة السياسية، ويجيب أحدهم عن حكم الوضوء أثناء السفر، يبدأ هو فى التحدث عن السياسة، يخلع عباءة الشيخ، ويرفل فى ثوب عضو الجمعية التأسيسية لصياغة الدستور الجديد، يخبر المتحلقين أمامه أن الدستور هو أفضل الدساتير عبر التاريخ، حيث كفل لمصر أخيراً وللمرة الأولى هويتها الإسلامية، ويقول إن المعارضين للدستور، لا يعارضونه إلا لكراهيتهم الإسلام، يطلب أحد الحضور من الشيخ السماح بالذهاب إلى مسجد القائد إبراهيم للذود عن الشيخ المحلاوى «سيبنا عليهم يا مولانا وإحنا نربيهم»، لكنه يرد عليهم قائلاً إن من لا يتمكن من السيطرة على نفسه فلا يذهب ولا يسهم فى تأجيج فتنة، لا ينسى الهجوم على الإعلاميين، يصفهم بمحبى مبارك، وفاقدى الانتماء للحرية، ينفى عن محمد مرسى صفة الخلافة، وينعته برئيس الجمهورية الشرعى، الذى لن يتركوه وحيداً، وسيقفون جواره، وجوار الشريعة حتى النهاية، ينهى الحديث بحمد الله والثناء على رسوله، يقف فيركض الجميع ناحيته، اثنان يحيطانه، والبقية يسارعون بتقبيل يداه، لعل البركة تحل عليهم.