«الهلال الأحمر»: التبرع بالدم أصبح «سيئ السمعة».. و90% من المصريين يمتنعون
يحمل المسافر حقيبته إلى رمسيس، قطاره ينتظره ليذهب به إلى الصعيد، أو يركب «ميكروباص» يسافر به إلى طنطا أو بنها، يقابل شباباً يرتدون «بالطوهات» بيضاء، يوقفون المارة، لا يجعلون مرورهم عابراً، يتحدثون إليهم فى حرارة، يشيرون إلى سيارتين فى هيئة «مينى باص»، لكن ألوانهما «أبيض وأحمر» كالإسعاف، مكتوب عليها «الهلال الأحمر - بنك الدم المركزى»، يطلبون منهم التبرع بالدم، لإنقاذ حياة الملايين، ممن يقبعون فى قوائم الانتظار، لعل أحدهم يمن عليهم بدمه.
يحكى سامح عزت، بعد تبرعه بالدم، أنه لم يتوانَ فى التبرع حين أخبروه أن دماءه سوف تذهب إلى أطفال السرطان، تخيل أن طفله هو المريض المحتاج للدماء، لم يتأخر، فسلم ذراعه للطبيب، يغرس فيها إبرته، مستخرجاً منها دماءه.. «شكة إبرة تنقذ حياة طفل»، هكذا يرى سامح الأمر.
تختلف الرؤية مع محمد على، الذى سمع كلمات الإغراء من التومرجى الذى يحاول إقناعه بالتبرع، لكنه تركه منصرفاً، غير عابئ برجائه، وترغيبه المتكرر، صارخاً للتخلص منه: «يا عم أتبرع والدم بتاعى يتباع للأغنياء، أو يتمص بيه دم الفقرا».
يذهب محمود إلى صلاة الظهر فى العباسية، تحديداً فى مسجد النور، لكن تقابله عربة تتبع الهلال الأحمر، بداخلها كراسى ينام فيها المتبرع، الذى يرى أن التبرع بالدم أمر عاجل: «الصلاة لن تطير»، ينهى تبرعه، ويشرب بعض العصير ليقوى من صحته التى فقد بعضها بالتبرع، ثم يذهب للصلاة، مطمئن البال.
أمام جامعة عين شمس، تقف نسخة مكررة من هذه العربة، وحولها ينتشر جيش من المتطوعين، الذين يجولون فى الأرجاء لعل طالبا يحمل كتبه يؤمن بجدوى التبرع. كثيرون يرفضون، معللين رفضهم بضيق الوقت حيناً، وبخوفهم من مصير الدم المتبرَّع به فى أغلب الأحيان.
ميدان التحرير، يشهد مرابطة عربة تابعة لبنك الدم المركزى، وجمعية الهلال الأحمر، فى قناعتهم أن الذاهبين إلى الميدان سيكونون ذوى دوافع قوية للتبرع بالدماء، حيث يجمع الميدان أناسا راغبين فى التغيير، والتبرع يحمل رسالة سامية.. يقول وليد أحمد، ثلاثينى العمر، من داخل سيارة التبرع، إنه على الرغم من ركوبه سيارته الخاصة، وعبوره للميدان، فإن أحدهم أخذ يرغبه للتبرع بالدماء، ويسرد له حكايات من الأطفال مريضى السرطان، الذين تتوقف حياتهم على نقطة دم، أكمل وليد الطريق بسيارته، ظناً منه أن التبرع لن يذهب لمستحقيه، لكنه لم يلبث أن عاود النظر، طالباً التأكد، وحين تأكد أسلم ذراعه للطبيب، مطمئناً.
رضوى، لم تتردد فى التبرع بدمائها، دلفت إلى السيارة فوراً بمجرد مشاهدتها، فهى تؤمن أن ذلك يندرج تحت بند فعل الخير الذى تحرص على تقديمه بوازع المشاركة الإنسانية للمرضى: «إحنا مش عايشين لوحدينا».
الدكتور محمد عبدالله، مدير عام حملات التبرع بالدم، بالهلال الأحمر، يرى أن التبرع بالدم الآن فى مصر أصبح بالفعل سيئ السمعة، وقرابة الـ90% من المصريين، يرفضون التبرع للعربات التابعة للهلال الأحمر المنتشرة فى المناطق المختلفة، لأنهم يرون أن دمهم يباع فى السوق السوداء، أو يتاجَر به بأثمان عالية فى بلدان عربية لأثرياء خليجيين، مندهشاً من ذلك الخيال الغريب، الذى يدفع إلى التبرع، محصورا فى أن أشخاصا يأتون بأصدقائهم للتبرع فقط، وأشار «عبدالله» إلى حوادث كثيرة يتعرضون لها، تفيد رفض العابرين التبرع بدمائهم لجهات مجهولة، مفضلين أن يذهبوا إلى مستشفيات لأخذ الدماء.
يتحدث «عبدالله»، عن إضراب الأطباء، قائلاً: «يؤثر على أكياس الدماء فى المستشفيات الحكومية، حيث تجبر المستشفيات الداخلين إلى الاستقبال على التبرع بـ4 أو 5 أكياس على الأقل من المريض وذويه، ولما كان أطباء الاستقبال مضربين عن العمل، فالعجز يتكرر حتى دون الإضراب»، نافيا أن يكون أطباء بنك الدم، مضربين عن العمل.
وذكر «عبدالله» أن الطبيب يأخذ 19 قرشا عن كل كيس دم يجرى التبرع به، والتبرع يكون مجانيا، لكن الحاصل على الكيس يدفع أموالاً تزداد لأسباب تتعلق بغياب الدعم الحكومى، إذ يؤكد أن الكيس الذى يضع فيه المتبرع دمه فارغاً يصل ثمنه إلى 28 جنيهاً، خلاف التحاليل التى يمر بها كيس الدم، لفحص ما إذا كان المتبرع مريضاً أم لا.
وقال: «المواطن يتخيل أن تبرعه بالدم دون مقابل، يعنى أن يحصل عليه الآخر دون مقابل أيضاً، لكنه يجهل تلك الدورة، التى تجبر السوق السوداء على الظهور، نظراً لقلة المتبرعين»، وشدد على أن الحل يقع على عاتق حملات التوعية، التى يجب أن تنتشر فى وسائل الإعلام، وتزيل الشكوك عن عقول المصريين.
تزهَق الأرواح، أحيانا، لغياب الدم، لأن ثمة شكاً يحيط بالمتبرع، يجعل العربات ساكنة فى مكانها، تنتظر ثقة، والأهم أنها تنتظر دماً يتدفق عبر الأنابيب، يحمل الحياة، لأناس يعيشون تحت وطأة الموت.
أماكن التبرع بالدم:
يمكنكم التعرف على أماكن التبرع بالدم من خلال الرابط التالي:
http://www.elwatannews.com/hotfile/details/126
أخبار متعلقة:
«الوطن» تطلق حملة نبذ الصراعات.. والتبرع بـ«كيس دم»
مصر تنزف.. والبنوك «ما عندهاش دم»
«الوطن» ترصد معاناة «مواطن» فى الحصول على «دم» من البنوك الخاصة: هات 3 متبرعين وخد «كيس» مجاناً
«محمد» اعتاد التبرُّع بالدم كل 6 أشهر.. وعندما أصيب والده اكتشف أن «البنوك» تستغل المتبرعين
مركز الدم الإقليمى بالزقازيق.. شاهد على «الاتجار بالغلابة»
قانون نقل الدم عمره 50 سنة.. وأطباء: «التبرع الشرفي» سبب الأزمة