«مى».. زوجتى التى ترفرف بجناحيها
أدهم العبودى
زوجتى.. هى رمز للجمال فى هذا العالم القبيح، ورمز لشفافية الرُوح.
ظفرت بها، قبل أن يظفر بها بشرى آخر.
لا يُمكن الزعم -قطعاً- أنّ ثمّة ملائكة تعيش على وجه الأرض، عدا زوجتى، تحمل من خصائص الملائكة أكثر ممّا تحمل من خصائص البشر، ولولا أنّها تحمل وتنجب مثل إناث البشر؛ ولولا أنّها تغضب وتفرح مثل إناث البشر؛ ولولا بضع مفارقات أخرى، لصارت ملاكاً لا ريب، خالصاً مخلّصاً، ملاكاً يهدهدنى فى ثنايا الّليل، وفى عصفة الأرق، ترفرف بجناحيها فى زوايا الحجرة، وتحمى أطفالى وتحمينى من كوابيس هذه الحياة.
زوجتى..! آه لو تعرفون زوجتى، اسمها «مى»، مجرّد حرفين، اختصار لجميع المعانى التى يُمكن أن يذهب إليها خيال البشر، التى لا يعرفها البشر أيضاً، «الميم» محبّة ومِداد الرُوح ومجرى ومرسى كلّ الأشواق، و«الياء» يلوذ بها المفؤودون، ويركن إليها المعذّبون.
زوجتى معلّقة من معلّقات الغزل التى عجز عن إنشائها أفذاذ الّلغة، فإذا جاز لى أن أحكى حكايتى البشرية والمجرّدة جداً، هذه الحكاية التى قد تمتدّ بعدى للأبد، فاقرأوها بأرواحكم.
قابلتها صدفة، قدراً، أحسست أنّها لى، كانت جالسة تداعب ورقة بأناملها، أطلت التأمّل، ولم تنتبه، أدركت أنّها لن تنتبه، لا يُمكن أن ينتبه السائرون فوق السّحاب للعابرين على دروب الأرض مثلى، قرّرت أنّى سأجتاز المستحيل كى تكون لى.
حكايتى ليست طرفة، بل أعجوبة، حيث عاينت نساء البشر، أغلبهنّ، ولم أعاين ملائكة من ذى قبل، كان غريباً أن يتزوّج البشر بالملائكة، لكنّى سبقت جميع البشر، وحزت قلب ملاك.
زوجتى حصنى، هذه حقيقة، وثمّة حقيقة أخرى، أنّى اندمجت معها، فصرنا روحاً كأنّما انشقت لجسدين، أنجبت لى ملاكين، «محمود» و«ميس»، يمرحان حولى فى كلّ الأمكنة، وبات بيتى جنّة، لأنّى تزوّجت ملاكاً.
فى أوقات الشدّة، كانت زوجتى تحاصرنى بالطمأنينة، تمدّ لى يدها وتسحبنى بعيداً عن كلّ الأوقات المُظلمة الحالكة، تعبر بى إلى كلّ العوالم الآمنة، تمنحنى ما لا يستطيع منحه سائر البشر.
تجربتى معها تجربة مليئة بالأحداث، على مختلف الألوان، نتطوّح يساراً، يميناً، نتباعد، نتقارب، ألوذ بها، تلوذ بى، فى النهاية يكفى أن تضمنّى ضمّة حانية منها كى أستعيد كلّ بهجة الحياة، لم يعُد بعدها شىء يعنينى فى الحياة نفسها، غير أن أسعى ما استطعت لإسعادها، كيما أعوّضها بعض الشىء عن كدّها لأجلى وأجل أبنائى.
اسمها «مى جميل».. الجمال بعينه يسكنها.