نهال كمال: عام الرحيل مر علينا كـ«الدهر».. ولم أغلق تليفون «الأبنودى» لحظة.. ولن أتوقف أمام من خذلنى
نهال كمال
عام على رحيل الخال عبدالرحمن الأبنودى، مر كالدهر على زوجته وحبيبته وأم بنتيه الإعلامية نهال كمال.
لا تزال روحه تسكن كل شبر من المنزل الذى شهد 20 عاماً من زواجهما، حتى بعد رحيله كان حاضراً فى زفاف الابنة «آية»، بأشعاره وأغانيه، وكأنه يوجه سؤاله لها «يا حمام بتنوح ليه؟».
الزوجة ورفيقة الكفاح والإبداع لـ«الوطن»: الأعمال الكاملة «مفقودة» بمكتب وزير الثقافة.. ومسابقة الوزارة باسمه لم تعلن بعد
وتقول «نهال»، فى حوارها مع «الوطن»، إن هذا العام كشف لها عمن كانت تظنهم أصدقاء، الذين ابتعدوا بعد رحيل الخال، كما كشف لها عن محبين لم تكن تتوقع أن يكونوا بهذه الكثرة والتنوع من بسطاء أشعل قبطى منهم شموعاً فى الكنيسة فى ذكرى ميلاد «الخال» وآخرون حرصوا على التهنئة بعيد ميلاده كأنه لم يرحل، وتؤكد «نهال» أنها على تواصل دائم مع عائلة الشاعر الراحل، تحديداً مع من كان يصلهم، واختتمت قائلة بعد رحيل الأبنودى: «تقيلة خطوة الزمن».. وإلى نص الحوار:
■ عام على رحيل «الأبنودى» كيف مر على نهال كمال؟
- مر علىّ كالدهر، كنت أتوقع أن يكون يوم ميلاده هو الأصعب منذ تركنا رغم أننى لا أرى أنه تركنا، لكن مر هذا اليوم بطريقة لم أكن أتوقعها، فوجئت بأن محبيه لم يتركونى لحظة أحزن لعدم وجوده بيننا، ولم يتوقف الهاتف عن الرنين من 8 صباحاً تهانٍ بعيد ميلاد الخال من كل حدب وصوب من أصدقاء وأحباب ومن أشخاص لا أعرفهم يؤكدون أنهم اعتادوا على تهنئته سنوياً بعيد ميلاده، تحول اليوم من يوم حزن ليوم بهجة وكأن «الأبنودى» لا يزال بيننا، وأعتقد أن هذا ما يحبه الخال، كان يكره الحزن ويحب أن يكون مصدر بهجة وفرح لكل من حوله وحتى بعد رحيله لذا كنت سعيدة جداً لأننى شعرت أنه موجود ويفعل ما كان يسعده من تلقى التهانى من كل من حوله؛ لأن هذا كان يشعره بمحبة الناس له، الغريب أننى تلقيت كماً غير طبيعى من التهانى فى هذا اليوم وكأن الناس ترفض تصديق أن «الأبنودى» رحل.
حرصت على زفاف «آية» بعد 6 أشهر من رحيله تنفيذاً لوصيته.. وهذا اليوم كان صعباً علينا جميعاً هناك شخصيات كانت «قريبة جداً» من «عبدالرحمن» وفجأة اختفت.. وأنتظر من الدولة أن تعطيه قدره
■ وما أغرب مكالمة هاتفية تلقيتها فى هذا اليوم؟
- من أغرب ما تلقيته أن أحد محبى الخال وهو رجل بسيط يؤكد لى أنه قام يوم ميلاد الخال بعمل تأبين لروحه فى الكنيسة وأشعل شمعاً فى جميع أرجائها، وأكد لى أن كل من كانوا فى الكنيسة فى هذا اليوم حين عرفوا أننى أشعل الشمع لروح «الأبنودى» أصروا أن يشاركوه إشعال الشمع حتى امتلأت الكنيسة على آخرها، وكانت تلك أكثر مكالمة أسعدتنى لأنه تعبير بسيط عن المحبة.
«الصبر والتحمل» أجمل ما تعلمته منه.. فظل يكتب حتى وهو على فراش الموت
■ كيف تنفذين وصية الخال بألا تردى محبيه؟
- منذ رحيله لم أغلق هاتفه لحظة، وأجيب على كل محبيه فى أى وقت، وخلال هذا العام اكتشفت أن للخال كماً هائلاً من الأصدقاء، ولا تمر ساعة إلا ويرن الهاتف وأجد شخصاً جديداً يؤكد لى أنه كان صديق «الأبنودى» ويستشيره ويأخذ منه النصيحة فى أدق الخصوصيات، كما كانت لديه ملكة النصيحة بإخلاص والاستماع بإنصات والتوسط لدى المسئولين ومتابعة تنفيذ الشكوى حتى تحول الجميع لأصدقاء له وأصبح هو «الخال» بالفعل.
■ على ذكر لقب «الخال» ما قصة هذا اللقب؟ ومن أول من أطلقه عليه ومتى كان ذلك؟
- لم يطلقه عليه أحد فجأة. لكن مع بدايات الألفية وجدنا اللقب يتردد مقترناً باسمه، ربما يرجع ذلك إلى الأزمات المرضية التى ألمت به، وحقيقة لم نعرف من وراء هذا اللقب، لكن يقيناً يعود للموروث الشعبى باعتبار الخال والداً، والراحل لم يكن له أى أطماع فى أحد ودائماً ما كان يقدم النصيحة الخالصة.
■ وهل ما زلت تحافظين على الطقوس التى كان يحرص عليها بالاجتماع كل خميس؟
- طبعاً حتى إننى فى عيد ميلاده زرته بباقة من الزهور وحرصت على أن أطلعه على كل المستجدات، وكيف تحول ميلاده ليوم فرح وتجمع للأحبة كما كان يحب دوماً، وابتدعت طقساً جديداً لا أعرف مدى صحته نظراً لانشغال البنتين وزواج «آية» وتعذر سفرهما للإسماعيلية كل جمعة كما كان معتاداً، وأصبحت أفتح سماعة الهاتف لهما ليقرآ الفاتحة وليستمع لصوتهما.
■ كان «الخال» يخشى عليك من رحيله وكان يقول إنك ابنته المدللة ويخاف عليكِ من ألا تصمدى بعد وفاته هل كنت تتوقعين أن تكونى بتلك القوة التى ظهرت عليكِ بعد وفاته؟
- أجمل ما تعلمت من «الأبنودى» هو الصبر والتحمل ورغم معاناته فى المرض وآلامه التى كانت لا تحتمل كان يخفى كل ذلك ويقابل محبيه بالضحك والمزاح وكان دائم القول إن «عبدالرحمن» المريض له دواء وعلاج و«يركن على جنب»، أما «الأبنودى» فيحب أن يستكمل الرسالة، وكلما اشتدت آلامه كان يصر على التمسك بقلمه ويبدع حتى آخر لحظة من عمره، حتى وهو على فراش الموت كان يكتب ولو بيد مرتعشة رغم أن خطه كان جميلاً.
■ عقب وفاته أرسل لك «الخال» رسائل فى رؤية لأحد الصالحين وطلب منه زيارتك وأعطاه العنوان هل لا يزال يبعث لك بمثل تلك الرسائل؟
- كثيراً ما يخبرنى الأصدقاء بأنهم رأوه فى الحلم ويطلب منى فعل كذا أو كذا، أما الأغرب فكانت رؤية لمساعده الشخصى «محمود» الذى كان يعتبره مثل ابنه، وطلب منه البحث فى مكان معين بالغرفة عن شىء مهم وفوجئنا بوجود مبلغ مالى يبدو أنه فى ظل مرضه الأخير نسى أن يخبرنا به، كما شعرت بروحه معنا فى إسبانيا حين تم تكريم اسمه فى بيت الشعر العربى، وهو تكريم أسعدنى لأننى سمعت قصائده التى ألفها منذ 40 عاماً مترجمة بالإسبانية ومنها «الخواجة رامبو مات». فى منزلنا بالمهندسين أيضاً الذى شهد زواجنا على مدى 20 عاماً ومنزلنا فى الإسماعيلية لا تزال روحه حاضرة معنا والشجيرات التى زرعها وكانت أنيسته فى فترة مرضه يحدثها كأنها صديقته ما زالت تذكرنا بوجوده.
■ أوصى «الخال» محبيه بابنتيه فكيف مر عليهما هذا العام؟
- الأمر كان أصعب عليهما، فأنا منشغلة بتنفيذ ما أوصانى به، واستكمال مسيرته، واستقبال محبيه، أما «آية» و«نور» فلكل منهما حزنها الخاص وفى نفس الوقت لا تظهران حزنهما خوفاً علىّ، لكن هناك مواقف صعبة مرت عليهما منها أن إحدى صديقات «نور» أحضرت كعكة للاحتفال بميلاد والدهما وكانت مفاجأة لى.
أحافظ على زيارته كل جمعة لأطلعه على آخر المستجدات.. وأُسمعه صوت ابنتيه حتى ولو عبر الهاتف رجل بسيط اتصل قائلاً: أشعلت الشموع فى ذكرى ميلاده.. ولما الناس عرفت أنها لروح «الأبنودى» امتلأت الكنيسة
■ أسرعت فى إتمام زواج «آية» ما سبب حرصك على ذلك؟
- لم يكن قرارى بل قرار الخال، وكان «الأبنودى» يحب ويرى أن «زواج البنات سترة»، حتى إنه كان يرغب أن يتمم زواج «آية» وهو مقيم فى المستشفى فى أيامه الأخيرة، وهو ما رفضته حتى لا ترتبط تلك المناسبة بالمستشفى، ونزولاً على رغبة والدها لم ننتظر كثيراً بعد وفاته وأتممنا زواجها بعد 6 أشهر فى احتفالية بسيطة ارتدت فيها الفستان الذى لطالما حلم برؤيتها ترتديه، وكما كان يود رؤيتنا دوماً سعداء بعيداً عن الحزن والألوان القاتمة، وهو لم يكن يفرض عليهما مساراً لحياتهما حتى فى اختيار شريك حياتهما ترك لهما كل الحرية. وبالتأكيد عدم وجوده معنا فرض علينا حالة حزن، وكنت أنتظر دوماً أن يكون هو من يسلم ابنته لعريسها، ويكون وكيلها، لكنه أيضاً كان حاضراً بأغانيه، خاصة التى غناها محمد منير وإن كانت إحدى هذه الأغنيات، وهى أغنية يا «حمام بتنوح ليه.. فكرت عليا الحبايب»، سبباً فى دخول «آية» فى نوبة بكاء لشعورها بغياب والدها.
■ على المستوى الرسمى هل نهال كمال راضية عن تحركات الدولة لتكريم اسم الأبنودى؟
- كما كان يقول عبدالرحمن دوماً ما يهمنى هو حب وتكريم الشعب، فكما أعطى الخال للشعب عمره وحياته لم يبخل عليه الشعب، وهناك حزن شعبى عليه، أما الدولة ممثلة فى وزارة الثقافة فما زلت أنتظر منها أن تعطى له مقداره بداية من الأعمال الكاملة للأبنودى التى أعلنت هيئة الكتاب إصدارها فى حياته، ولم تصدر حتى اليوم، وعندما سألت عنها علمت أنها فٌقدت فى مكتب وزير الثقافة بعد تسليمها للوزير الأسبق جابر عصفور ولا نعرف مصيرها حتى الآن وأعمل على إعادة جمعها، كما أعلن وزير الثقافة الحالى عن استكمال ما أعلن عن مسابقه باسم الأبنودى وجائزة لشعر العامية ترعاها الوزارة وإنتاج فيلم تسجيلى يليق باسم الخال لعرضه فى مهرجان الإسماعيلية للأفلام التسجيلية بعد فشل محاولتين سابقتين، المؤكد أن الذكرى الأولى لوفاته ستشهد احتفالية شعبية ضخمة فى الإسماعيلية وإطلاق اسمه على ميدان الزهور بجوار جامعة قناة السويس، وكان من المفترض رفع الستار عن تمثال للأبنودى لكن لم ينته بعد، وستشهد تلك الليلة التى أتمنى أن تكون تقليداً سنوياً إلقاء قصائد وغناء أغانيه بحضور محبيه فى ميدانه، كما أنوى عقب انتهاء احتفالات القاهرة والإسماعيلية الذهاب إلى أبنود حيث مسقط رأسه لتدشين تقليد آخر للاحتفاء به.
■ وهل ما زلت على تواصل مع أسرة الأبنودى فى قنا؟
- أتواصل مع أهالى أبنود من خلال متحف عبدالرحمن الأبنودى ومع المشرف عليه، لمعرفة آخر التطورات والفعاليات المقامة هناك كما كان يفعل الخال.
■ ترددت أقاويل عقب رحيل الأبنودى عن وجود خلافات مع أسرته، ما صحة ذلك؟
- هذه المرة الأولى التى أسمع فيها هذا الكلام، نحن متواصلون مع أبناء شقيقته فاطمة الأبنودى، نحن نسير على نفس النهج الذى كان ينتهجه، بحرصه على علاقته بشقيقته وأبنائها، وهو ما نسير عليه ولم نقطع شيئاً وصله أو العكس، من تواصل معهم الخال نحن نتواصل معهم، وهو لم يكن على وصال مع أبناء شقيقه وهو نفس الوضع الحالى بالنسبة لنا.
■ من خذل نهال كمال فى العام الماضى ومن وقف بجوارها؟
- هناك شخصيات كانت قريبة جداً من عبدالرحمن وفجأة اختفت، والحمد لله لا أحتاج لاحد ولن أتوقف أمام من خذلنى.
■ قريباً سيصدر كتاب «حكايات نهال والخال» حدثينا عن تلك التجربة؟
- طُلب منى أكثر من مرة من قامات كبرى أن أروى قصتى مع الخال وألحوا علىَّ بالقول إنى كنت زوجة لأحد رموز الوطن ومن غير المنصف ألا تروى حكاياتك معه، لأنه ليس ملكاً لك وحدك بل هو ملك الشعب، وكنت متخوفة من التجربة جداً وفضلت أن تكون فى قالب حكايات عن الإنسان عبدالرحمن الأبنودى وعلاقته بزوجته وابنتيه وتعامله مع الأحداث كشاعر مستنير، واكتشفت أن لدىَّ مخزوناً هائلاً من الذكريات لـ30 عاماً هى عمر علاقتى به، واكتشفت أن الكتابة تيقظ لدىَّ خلايا الذكريات، والقصة التى كنت أنوى سردها فى فصل من الممكن أن تمتد لفصلين وثلاثة، وهذا حدث حين حاولت الكتابة عن ميلاد «آية» والعام الأول من الزواج، وأعتقد أن تلك التفاصيل ستكون بمثابة مفاجأة حتى لابنتى، وسيعرفون منها حكايات لم يسمعوها من قبل منها قصة إنجاب «آية»، فحين أنجبتها كان الأبنودى على مشارف الخمسين وكل ما يعرفه عن الإنجاب ما رآه فى أفلام السينما، وهى نظرة اختلفت كليَّا وروى لى كيف كان فى حالة خوف غير طبيعية، وكانت المرة الأولى التى يحمل فيها طفلاً عقب ولادته تعجب من شكلها، كما توّلد لديه هاجس الموت وإحساس دائم بأنه سيموت قبل أن يكمل معها الطريق.
■ كان الخال دائماً ما يروى قصة زواجكما ودور والدته فاطمه قنديل فيه لكن لم نسمع منك أى شىء عن علاقتك بها؟
- من بين ما تذكرته قصة طريفة عن أول رحلة لى بعد الزواج لم تكن شهر عسل فى أوروبا أو تركيا بل كانت لمجاهل الصعيد بقنا، فبعد أقل من أسبوعين من الزواج كانت أولى مفاجآته باقتراح أن نزور والدته، وتحمست جداً للحصول على بركتها، معتقدة أن الرحلة لن تستغرق سوى ساعتين وكانت المفاجأة أنها استغرقت 9 ساعات بالسيارة فى حر الصعيد، وكان هناك احتفال غير مسبوق ورأيت يومها فاطمة قنديل «شيخة البلد» التى يهنئها الأهل والجيران الذين أتوا من كل مكان، وكانت المرة الأولى التى أرى منزلهم وكانت إحدى أمنياتى أن أرى ذلك المنزل الذى نشأ فيه، حرصت يومها فاطمة قنديل على أن تعد له كل ما يحبه من طعام مطهى فى الفرن الطينى وأوانى فخار، وكم كانت سعادته وكأنه طفل عاد إلى أحضان والدته، وكانت العودة فى اليوم التالى تلك كانت إحدى مفاجآته التى أعدتها، فأنا شخصية مبرمجة وهو كشاعر حياته غير مخططة وكان المنزل دوماً مفتوحاً للجميع، أما علاقتى بفاطمة قنديل فكانت جميلة وغريبة فى نفس الوقت، فهى سيدة طيبة جداً وما إن تعرف أن هناك خلافاً بينى وبين عبدالرحمن تتحول لحماه حقيقية كما يقال فى العامية «لا تطيق من يدوس لعبدالرحمن على طرف وتأكله» كانت دائماً فى صفه، لم أكن أجرؤ أن أشكو لها منه، فهو فى نظرها ابنها الطيب دائماً وكانت أكبر محامية له.
■ ما رد فعلك بعد تلك الزيارة، هل أصابتك بالرهبة أم أحببت تكرارها؟
- أهل الصعيد أطيب ناس أحبهم جداً بدليل أنى تزوجت واحداً منهم، وبعد زواجى زاد حبى لهم واكتشفت كم هم طيبون ومترابطون والكرم من أجمل سماتهم، حقيقى أن لهم وجهاً متشدداً إلا أن الخال كان بعيداً عن هذا الجانب غير المشرق، وعبدالرحمن كان استثناء فى التفكير وفى حياته كلها.