بالصور| عاملون بالشوارع يروون لـ"الوطن" حكايتهم مع الحر: بنواجه الشمس بـ"الترمس"
وجيه لويز
تحتمي من الشمس الحارقة بقطعة قماش ثقيلة، تضعها فوق رأسها بعناية، وتبدأ عملها الشاق تحت حرارة الشمس في انتظار الزبائن، الذين يقل عددهم نسبيا بسبب درجات الحرارة المرتفعة، تنادي وتقول: "يلا التوت المعسل"، وعندما لا تجد مجيبا لدعوتها، تجلس أمام "الطشت"، وتهمس لنفسها: "دلوقتي الشمس تروح وربنا يكرم".
"أم زينب" (55 عاما)، تستيقظ كل صباح مع الخيوط الأولى من النهار، تجلس في شارع من شوارع "عزبة النخل"، تتنظر الزبون "العطشان" لشيء يرطب به جسده في حر الصيف، تقول: "هو ده الموسم بتاعنا في عز الولعة.. التوت بيطلع مع بداية الصيف والناس بتستناه كل سنة، منقدرش نتأخر عليهم ولا عن رزقنا".
3 أبناء تخرج "أم زينب"، كل صباح من منزلها بـ"طشت التوت" من أجلهم، تحاول توفير وضع اجتماعي أفضل لهم، دون إجبارهم على العمل.
في منطقة أخرى من "المحروسة"، يقف الحاج صالح فوزي (52 عاما)، أعلى عقار يشارك في بنائه بمنطقة بولاق الدكرور، يستجمع قواه تحت الشمس الحارقة، يمسك قطع الحديد بيد، وباليد الأخرى يمسح العرق الذي يتصبب من جبهته، يقول: "ربك بيهونها، وبعدين هنعمل إيه يعني، هنعلق تكييفات في الهواء".
"الواحد بالعافية عقبال ما ربنا يرزقه بشغل، فمنقدرش نتبطر".. يقول الرجل الخمسيني، إنه يقضي أياما لا يجد فيها عملا، يتنظر أصحاب المقاولات في الشوارع وعلى الأرصفة، علّ أحدهم يأتي بـ"شغلانة" تساعده على الحياة، يقول: "ساعات بتمنى الشغل مايخلصش حتى لو تحت الشمس مباشرة، وأنا بعد ما عديت الخمسين سنة، الجتة بقيت ضعيفة، غير زمان، الواحد كان يقوم بعمارة لوحده".
"أقرب طريق لقلب جوزك معدته".. مثل شعبي يتداوله المصريون، لكن وجيه لويز (40 عاما) قرر الاقتداء بالمثل، وطبقه بشكل آخر، "أقرب طريق لقلب المصريين معدتهم".
من قرية صغيرة في محافظة المنيا، جاء وجيه منذ 20 عاما قاصدا القاهرة، وتحديدا حي باب اللوق، يحمل على كتفه "قفص خشبي صغير" يضع عليه المأكولات التي يبيعها لعمال الحي، الذين اعتادوا تناول الإفطار من يديه كل صباح.
في ركن من أركان الحي، يجلس وجيه ويحتمي من حر الشمس، يضع "الجبن واللانشون والحلاوة والمربى" داخل أرغفة الفينو الطازجة، ثم يوزعها على من يطلب من العمال دون مقابل للتوصيل.
صبغت الشمس وجه وجيه إلى اللون الأسمر المشرب بـ"حمرة"، يقول وهو ويضع الجبن في السندوتشات: "أنا بقيت أسمر شيكابالا خالص"، ويضيف: "الناس هنا مش بتفطر غير من عندي، كلهم اتعودوا ياكلوا من إيدي".
"الشمس بتنزل علينا كأنها لهب من جهنم، ربنا يعافينا، ويصبرنا على الصيف والعطش في رمضان".. بهذه الكلمات، بدأ عم محمد إبراهيم (50 عاما) حديثه، وهو يجر عربة الترمس الصغيرة أمامه بجسده المنهك، ويبحث عن عشاق "التسالي" في حي الدقي.
منذ 30 عاما، يدفع عم إبراهيم عربته الصغيرة أمامه، ويتجول بها بحثا عن الزبائن في شوارع الدقي وبولاق، تحت حرارة الشمس التي لا ترحم، يستعين على ضغط الدم المرتفع بفعل الحرارة الشديدة، بحبات الترمس "الحادق"، وحين يشعر بإرهاق شديد لا يداويه "حبات الترمس"، يسحب كرسيه البلاستيكي الصغير من فوق العربة، ويجلس ليواصل عمله.
يقول "عم إبراهيم" إن بعض أهالي الدقي وبولاق أصبحوا يحفظونه عن ظهر قلب، ومنهم من يتخذه مثالا لـ"الجد"، ويحرص على التقاط الصور التذكارية معه.
"أنا حياتي كلها بين الزبالة، ولو شفت ورقة في الشارع مرمية مبرتاحش غير لما أشيلها".. قال سالم فهمي (50 عاما) بابتسامة راضية وبمنتهى البساطة، لم يتأفف من مهنته، ولم يعترض، راضيا بنصيبه من الحياة بعمله "جامع قمامة"، عدوه الوحيد هو "الشمس"، يقول: "والله ساعات بدوح وبقع منهم".
يحاول عم سالم التكيف مع عمله، بين الروائح الكريهة وحرارة الشمس المرتفعة، يقول: "لما بتعب بروح احط راسي تحت أي حنفية ميّة، بسبب الشمس اللي بتاكل في دماغي، وبكمل شغلي وبلم القمامة".