محلات «النصب على الزبون»: الكلام «ما شاء الله».. والفعل «أعوذ بالله»
سامى عبدالله وأحمد زايد
مظاهر ذات صلة بالدين فى كل مكان، لا يخلو منها منزل أو طريق أو مكان عام أو حتى وسيلة مواصلات، لكنها لا تتخطى كونها «مجرد مظاهر» دون أن يكون لها أى أثر على السلوكيات، ذهب «الدين المعاملة» وحضر «التدين» بالمظهر فقط، لحية وحجاب ينتشران، وزى يصفه أصحابه بأنه «إسلامى»، وتراكيب كلامية جاهزة للمناسبات، وشعائر على مواقيت منتظمة، دون معاملة ترضى الله، أو سلوك يرضى نبيه.
شركات توظيف الأموال النموذج الأشهر.. و«زايد»: المجتمع يهتم بالمظهر على حساب الجوهر
الأمر لا يقف عند حدود السلوك الفردى فحسب، لكنه يمتد إلى التجارة وكافة محاولات «البحث عن الجنيه»، شركات توظيف الأموال الإسلامية، التى انتشرت فى السبعينات والثمانينات، كانت أشهر أمثلة «التدين المظهرى» الذى امتد إلى مرحلة «النصب باسم الدين»، انتهت التجربة سيئة السمعة لكنها انتشرت على مستويات أخرى، بين متاجر ومحلات وسلع تحمل أسماء أو شعارات دينية لجذب «الزبون»، دون مراعاة للمعايير والتعليمات التى ينص عليها القانون، أو أخلاق الأمانة والصدق التى يؤكدها الدين، الظاهرة تتكرر يومياً فى مواقف كثيرة فردية وعامة، سامى عبدالله فرجانى، أستاذ اللغة العربية، تعرض لأكثر من موقف فى حياته، يتذكر حين استقل سيارة أجرة، وكان السائق تبدو عليه علامات الرحمة والتدين، ولديه لحية مهذبة، إلا أن بعد 5 دقائق فقط تبدل الحال: «أصبح كثير الغضب عند نزول الركاب، واحتد على الجميع، وكان يقود السيارة ضارباً بعرض الحائط قواعد المرور وآداب الطريق».
موقف آخر يتعلق هذه المرة بشركة متخصصة فى صيانة الحاسب الآلى، يقول: «أصحابها يظهرون بشكل التدين، لكن وقت الجد الأمر مختلف، التكلفة باهظة للصيانة، والأعطال متكررة، ولا توجد مصارحة»: كثرة المواقف التى يلاحظها فى حياته اليومية جعلت «فرجانى» يصف الأمر بأنه «ظاهرة شديدة وواضحة»، المشكلة، حسب وجهة نظره، أن أصحابها لا ينتبهون للهدف الذى شرع الله من أجله العبادات: «نتيجة لنسيان الهدف من الفعل تبدلت النتائج». التدين الظاهرى ليس إلا ملمحاً واحداً من ملامح أخرى كثيرة للخلل والتدمير المجتمعى الذى تعرضت له مصر، بحسب الدكتور أحمد زايد، أستاذ علم الاجتماع السياسى، موضحاً أن المجتمع المصرى أصيب بعدة أمراض على مدار العقود الماضية، منها السطحية فى كل شىء، والاهتمام بالمظهر على حساب المضمون، والشكل على حساب الهدف والغرض: «الدين نفسه أصبح جزءاً من هذه الحالة، ودخل المنظومة الاستهلاكية وأصبح تجارة أو عادة أو وجاهة، فيما غاب تماماً البعد الروحانى والقيمى الذى هو جوهر الأديان فى الأساس».