"الوطن" تنشر نص مذكرة المستشار فؤاد راشد المطرود من الإمارات: قالوا لي أن كلمة "ثوري" مرفوضة في بلادنا
حصلت "الوطن" على نص المذكرة التى قدمها المستشار فؤائد راشد الرئيس بمحكمة الاستئناف، والذي تم طرده من من إمارة رأس الخيمة للمستشار أحمد مكى وزير العدل.
وجاء نص المذكرة :
صدر قرار جمهوري بإعارتي إلى حكومة رأس الخيمة اعتبارا من الثاني عشرمن ينايرمن العام الفين وعشرة ميلادية لمدة عام بناء علي طلب من حكومة رأس الخيمة , وقد جددت الاعارة بقرارات جمهورية بناء علي طلب الامارة , وكان آخرها قد صدر عن المشير حسين طنطاوي رئيس المجلس العسكري الحاكم بعد الثورة وموجبه مد اعارتي الي الثاني عشر من يناير من العام الفين وأربعة عشر ميلادية .
وقد تلقاني المسئولون بالامارة بروح طيبة من لحظة وصولي وظلت علاقتي بهم طيبة حتي لحظة رحيلي ..
فوجئت في يوم العاشر من ديسمبر من العام الماضي باتصال هاتفي من معالي الشيخ أحمد الخاطري رئيس دائرة محاكم رأس الخيمة ليبلغني بأسي أن هناك من أنهي اعارتي، قال لي ( لقد أنهوا اعارتك ) فرددت تلقائيا قائلا ( عادي عادي )
بعد قليل التقي الشيخ أحمد مع مجموعة من القضاة المصريين من بينهم السيد المستشار أحمد صابر زميلي في الدائرة , وقد عادوا ومعهم صورة من القرار الموجه من دائرة الخدمة المدنية الي دائرة المحاكم ويبدأ بديباجة تقول ( بناء علي توجيهات عليا وعلي موافقة صاحب السمو حاكم الامارة ) وهي ديباجة تقطع بأن قرار انهاء الاعارة صدر من رئاسة الدولة في أبو ظبي باعتبار أنه ليس في الامارة من يسبق في الترتيب حاكمها وأن الحاكم وافق علي التوجيهات العليا , وعلي أي حال فقد صار ذلك أمرا شائعا مسلما به من الجميع بدءا من سمو الشيخ سعود بن صقر حاكم الامارة وانتهاء بالقضاة مصريين وامارتيين .
كان القرار مؤرخا 10 / 12 / 2012 ..
في اليوم التالي أخبرتني شخصية محترمة نافذة( أستعفي من ذكر الاسم دفعا للحرج ) أن قرار رحيلي وراءه أسباب تعود الي مساهماتي وكتاباتي في شأن بلدي واستنكاري التفرقة بين القضاة الامارتيين والعرب في الراتب , , وقالت لي الشخصية نفسها ان كلمة ( ثوري ) مرفوضة في الامارات حتي ولو كان مثلك لاينتمي الي أي فصيل سياسي ..
وكلا الأمرين صحيح بالفعل , سواء مساهماتي أو تنديدي بالتفرقة وقد صار شائعا بين الجميع مصريين وغير مصريين أنني رحلت لممارسة حقي في ابداء الرأي ..
لما ذاع خبر القرار ، وراحت الانتقادات تتوالي بأن الأمر محرج للامارة لأنه يتحدث عن قرار يمس صميم ما تستقل به آتيا فرضا من أبو ظبي , باعتبار أن قضاء رأس الخيمة محلي يخص الامارة وحدها ولاصلة به للدولة , فقد جرت محاولة ترميم لتلك الصورة فاجتمع مجلس القضاء الأعلي بالامارة بعد ثمانية أيام ، أي بتاريخ 18/12/2012 وقرر انتهاء اعارتي اعتبارا من 12 يناير 2013 وتوجيه الشكر لي وصرف راتب أربعة شهور فوق مستحقاتي ..
بدأت بعد ذلك اجراءات انهاء اقامتي تمهيدا لصرف مستحقاتي ورحيلي ..
تولي الشيخ أحمد الخاطري بتوجيه نبيل من سمو الشيخ سعودبن صقر ترتيب كل أموري وقام الشيخ أحمد بنفسه بالتوجه الي بعض الجهات وأنفق من ماله الخاص ماتعلق برسوم مالية لانهاء بعض الاجراءات ورفض أن أسدده له ما أدي ..
أخذ أحد الموظفين جواز سفري لانهاء الاقامة كالمعتاد ، ولكنه عاد وقال لي أن انهاء اقامتك يحتاج الي اجراء غير مألوف وهو التقاط صور وأخد بصمات للعينين ، وأنه تم رفض انهاء الاقامة الا بعد هذا الاجراء .
تحدث معالي الشيخ أحمد الخاطري مع سمو الشيخ سعود عن الاجراء الاستثنائي فغضب وطلب اليه الا يفاتحني في أمر اعتبره مهينا وغير لائق في معاملتي ، وانتظرنا يومين حتي بدأ أن الأمر قدر مقدور لافكاك منه ، ومر الشيخ أحمد علي بمسكني وصحبني الي الجوازات حيث وقفت لالتقاط بصمات لعيناي ..
ملاحظة : بصمات العيون اجراء روتيني لكل الداخلين الي الدولة في المطار لكن لاتؤخذ بصمات العيون بشكل اداري داخل مصلحة الجوازات الا للخارجين علي القانون ممن يرحلون بلا عودة ولاتقبل الدولة دخولهم مرة أخري , باعتبار أن ذلك ضمان لعدم دخولهم متنكرين في أسماء أخري .
تجرعت الشعور المرير وكظمت غيظي ولم أقل شيئا باعتبار أن كل تصرف أو كلمة تصدر عني سوف تشيع بين الجميع , وكنت حريصا علي أن تصل رسالة الي الجميع مؤداها أن رحيلي في ذاته أمر لاأقف عنده , وكنت أخشي أن يبدو غضبي في أمر ما فيفهم – خطأ – وكأنني غاضب لمبدأ الرحيل ..
في أحد الأيام طلبني هاتفيا من سألني هل أنا فؤاد راشد , فقلت نعم قال متي ترحل , قلت من أنت فقال انه من الأمن , وأنه ليس ضابطا وهو مكلف بتتبعي حتي أرحل , فقلت له أن عملي لديهم لازال ممتدا حتي يوم 12 يناير وأنني أرحل الخميس 10 يناير فرد مطالبا اياي بسرعة الرحيل , قلت له أن اقامتي نفسها لازالت ممتدة الي 15 يناير 2013 , فقال ( أنت غير ) وكلمة غير تعني أن وضعي مختلف عن غيري , فقلت له أنا لم أجيء الي بلدكم لاجئا ولا طريدا بل أن بلدك هي من طلبتني وأني أنهي اجراءاتي وفور انهائها فأنا راحل وتلك أمنيتي دون طلب منكم ..
توجهت الي الشيخ أحمد الخاطري غاضبا وقلت له لقد أهنت من قبل يوم بصمة العين وحكيت له ماحدث وقلت ان لحظة انفجاري لم تعد بعيدة , وقد غضب الرجل وقال تعال بنا الي سمو الشيخ سعود.
توجهنا معا الي قصر الامارة والتقينا سمو الشيخ سعود , وقلت لسموه هل يليق وضعي أمام كاميرا لأخذ بصمة عيناي كما يفعل مع الخارجين علي القانون ؟ فقال في تلقائية ( أوفففففففف ) وقلت لسموه أنني رجل عزيز في أهلي عزيز علي بلدي ولايليق أن أعامل معاملة خارج علي القانون , وأكمل الشيخ أحمد وروي قصة من اتصل وطلب الي سرعة الرحيل , وقد أبدي سمو الشيخ غضبه الشديد ووعد بالتصرف وانصرفنا ..
في الطريق تلقي الشيخ أحمد اتصالا هاتفيا وبعد نهايته قال لي أن سمو الشيخ طلب أن يستقبلنا في قصر الامارة بعد صلاة العصر .
في الموعد المحدد مر علي الشيخ أحمد وذهبنا معا الي قصر الامارة وأمضينا نحو خمس وأربعين دقيقة مع سمو الشيخ الذي تفضل – كريما – بالاعتذار لي , قال بالنص ( حقك علي , نحن أهلك وأخطأنا في حقك ) ثم وعدني بالزيارة في مصر ..
بعد ذلك تتالت الاجراءات وطلب الي الشيخ أحمد بأسلوب كريم أن أعود الي بلدي دون تقيد بموعد انتهاء المدة المحددة في العقد وفعلا قمت بالحجز للسفر , كنت أعلم أن وجودي أمر ضاغط عليه وعلي الامارة خشية أن أتعرض لاجراء ما من قبل الدولة نفسها .
كانت رغبة سمو الشيخ سعود وقد أبداها واضحة أن أسافر من مطار رأس الخيمة لأنني قلت أن الأمن في أي مطار آخر ربما تجاوز معي وأن رد فعلي ربما زاد الأمور تعقيدا , وتم الحجز فعلا علي طيران رأس الخيمة الي مطار القاهرة الدولي .
قام الشيخ أحمد الخاطري – مشكورا – بعمل وليمة بدعوة رسمية موقعه منه ومختومة بخاتم دائرة المحاكم تكريما لي وجاء في الدعوة نصا أنها ( علي شرف المستشار فؤاد راشد ) .
وقد وقف معي الشيخ أحمد وزملائي من القضاة المصريين موقفا بالغ الكرم وكانوا معي جميعا حتي قرب باب الطائرة , ولم يغادر الشيخ أحمد المطار الا بعد اقلاع الطائرة متجهة الي القاهرة .
معالي السيد المستشار وزير العدل ..
أرجو أن تأذنوا لي بملاحظات أوردها فيما يلي :
أولا: أن قرار رحيلي جاء من سلطة الدولة وليس من الامارة التي أعرت اليها , وأن القرار يعود الي مارسة حقي في ابداء الرأي وهو ما أستأذنكم في طرحه علي كل المنظمات الدولية المعنية سواء بالشأن القضائي أو بالحق في حرية التعبير عن الرأي , كما جاء القرار في شكل مهين وقرأت اسمي ومعه عبارات من عينة ( يجري اشعار المذكور بكذا وكذا ) ّ.
ثانيا : أن انهاء الاعارة تم بشكل استعلائي , وهو ماكان محل استنكار الجميع وقد نقل الي مباشرة عن سمو الشيخ سعود استنكاره لتلك الطريقة .
ثالثا : أن من المسلم من جميع المعنيين في الامارة أن سمو الشيخ سعود عارض في قرار رحيلي وأن القرار جاء فرضا من أبو ظبي وأن سموه يري أنه كانت هناك طرق أكرم من تلك الطريقة , ولما جلست الي سمو الشيخ سعود عبر لي بفطنة عن انعدام صلته بالقرار , حيث تحدث عن مناخ الثورات وحالة الاضطراب ومانحوها كتبرير للسياق الذي أنهيت فيه اعارتي .
رابعا : أن هناك فارق بين الكبر والكبرياء , وأن كبرياء القاضي وعزته وشموخه تأبي أن يعامل معاملة الخارجين علي القانون كماجري في أخذ بصمات عيناي وتولي جندي من الأمن أمر ملاحقتي حتي أرحل .
ملاحظة : هاتفني سعادة السفير المصري في دولة الامارات الشقيقة وعلمت أن السفارة تتابع الأمر من بداياته وكنت فهمت أن خارجية الامارات أبلغت السفارة بما تعلق بي .
وبعد فانني عدت الي وطني ، ولكن بقيت أمور :
أولا : نحن نعار الي الامارات الشقيقة وغير الامارات لحاجة الدول الينا ولسنا متطفلين علي أحد ولا نحن في موقف من يتعين عليه قبول الاهانة والصمت حيالها ..
ثانيا : أطلب الي معاليكم ترتيب آلية مع الدول التي يعار اليها القضاة لكيفية التعامل مع القاضي حال انهاء اعارته , وهناك طرق كريمة عديدة تبقي للقاضي كرامته الشخصية وكرامته كقاضي كأن تتولي وزارة العدل أمر ترتيب عودته دون أن يتعرض لمضايقات ومعاملات كريهه ..
ثالثا : أعتقد أنه آن الأوان لوقفة مع الأشقاء بشأن مسألة التفرقة في المعاملة المالية علي نحو لايليق بين القاضي المصري الذي يذهب قاضيا ومعلما وبين القاضي غير المصري في الدول التي يعار اليها قضاة مصريون , وتذكرون معاليكم أنني سبق أن عرضت عليكم ذلك الأمر لما كنتم عضوا بمجلس القضاء الأعلي .
رابعا : أنني أترك لكم تقدير اتخاذ الاجراءات اللازمة بشأن حقي ازاء المعاملة غير اللائقة بكرامتي كقاضي علي النحو متقدم الذكر .