«ياسر»: فقدت أخويا وابن عمى فى «سيول عفونة» لكننى عدت للعمل.. و«الأرزاق على الله»
ياسر
أمام جدار منزل غير مكتمل، يقف ياسر عبدالرحمن، شاب فى الخامسة والعشرين من عمره، يعمل بيدين مشققتين، واضعا شالاً أبيض فوق رأسه ليحميه من أشعة الشمس، وهو أحد العمال الذين يقومون بإعادة إعمار قرية عفونة، يقول: «هناك كنت بدوّر على جثة أخويا وابن عمى، والنهارده بنبنى بيوت للناس اللى اضررت».
«ياسر» جاء من مركز أبوالمطامير بمحافظة البحيرة، ويبيت فى موقع البناء حتى لا يتكبّد عناء رحلة العودة إلى بيته والقدوم منه فجراً، خاصة أن العمل يبدأ فى الساعة السابعة صباحاً، وينتهى بعد غروب الشمس.
«نجيت من الموت، ولولا أكل العيش ماكنتش رجعت المكان ده تانى»، يقول «ياسر» إنه عاش أياماً صعبة عقب السيول، حيث استأجرت عائلته جراراً للبحث عن جثة أخيه وابن عمه تحت الرمال، وبعد يومين عثروا على جثة الأخ بالفعل، وبعد أسبوع كامل من البحث تمكنوا من العثور على جثمان ابن عمه. ويضيف ياسر أن أخيه الأكبر «محمد» الذى راح ضحية السيول كان متزوجاً وترك خلفه طفلين يتيمين، أما ابن عمه فكان يجهز لعرسه الذى كان من المفترض أن يعقد بعد أشهر قليلة من حادثة السيول: «دلوقتى عمامى هما اللى متكفلين بولاد أخويا وبمصاريفهم».
يقول ياسر إن مشروع إعادة إعمار قرية عفونة بداية خير على الأهالى الذين خسروا كل شىء نتيجة السيول، لكن هناك ضحايا لا ينتمون إلى قرية عفونة، وهم عمال، بعضهم كان يعمل فى المزارع المنتشرة فى وادى النطرون، وبعضهم كانوا عمال تراحيل، فقدوا حياتهم دون ذنب، ودون تعويض: «البيوت دى لأهالى القرية وإحنا مش مستنيين تعويض»، هكذا يختتم ياسر حديثه قائلاً إن بعض الأهالى اضطروا لترك العمارة التى كانوا يسكنون بها بجوار الاستراحة على الطريق الصحراوى، وتكدسوا فى بيوت أقاربهم الموجودة خارج القرية، وهم فى أشد الحاجة إلى ذلك المشروع.
أحمد عبدالعظيم، 26 سنة، أحد العمال فى مشروع إعادة إعمار قرية عفونة، يقول: «كنت موجوداً فى حادثة السيول، الميه جرفت ناس كتير»، مضيفاً أنه كان وسط عدد من البنائين، وبعدما انتهوا من أعمالهم، وتوقفوا للبحث عن عربة تنقلهم لأول الطريق، ليجدوا وسيلة مواصلات أخرى تنقلهم إلى مركز أبوالمطامير بمحافظة البحيرة، جرت السيول، وانقطعت الكهرباء، وانجرف الناس وسط المياه.
«الناس اللى مش عايشة فى القرية وغرقت اتأذوا أكتر من الأهالى نفسهم»، هذا ما يقوله أحمد، مؤكداً أن هؤلاء العمال كان يعتمد عليهم ذووهم فى توفير دخل لعائلاتهم، لكن بعدما ضاعوا فى السيول فقدت تلك الأسر أبناءها ومصدر رزقهم الوحيد. وعن اللحظات المريرة التى شهدها «أحمد» خلال حادثة السيول وعودته للعمل فى وادى النطرون مرة أخرى، يقول: «الأرزاق على الله»، مضيفاً أن هذا المشروع من المفترض أن يستمر لعدة أشهر متعاقبة، وأن يومية العامل تتراوح بين 100 و120 جنيهاً، حسب الاتفاق مع المقاول، وهذا يوفر مصدر دخل جيداً له، ويختم حديثه قائلاً: «يا ريت كل يوم نلاقى مشروع زى ده يشتغل فيه الشباب».