بروفايل| مصطفى صادق الرافعي.. الأديب الأصم
مصطفى صادق الرافعي
سوري الأصل، مصري المولد، إسلامي الوطن، أسرته من "طرابلس الشام" يعيش على أرضها إلى اليوم أهله وبنو عمه، ولكن مولده بمصر، وعلى ضفاف النيل عشا أبوه وجده والأكثرون من بني عمه وخئولته منذ أكثر من قرن.
لأسرة مصطفى صادق الرافعي ثقافة يصح أن نسميها "ثقافة تقليدية"، فلا ينشأ الناشىء منهم حتى يتناولوه بألوان من التهذيب تطبعه من لدن نشأته على الطاعة واحترام الكبير وتقديس الدين، وعلى هذا المنشأ نشأ مصطفى صادق، فاستمع إلى أبيه أول ما استمع تعاليم الدين وحفظ شيئًا من القرآن، وفي السنة التي نال فيها الشهادة الابتدائية، وهى كل ما نال من شهادات دراسية، أصبه مرضي مُشفٍ أثبته في فراشه أشهرًا كان التيفويد، وبسبب علة أصابت أذنيه لم يكمل دراسته، وفقد السمع قبل أن يتم تمامه، وظل على الدأب في القراءة والاطلاع إلى آخر يوم من عمره، يقرأ كل يوم ثماني ساعات متواصلة لا يمل ولا بنشد الراحة لجسده وأعصابه، كأنه من التعليم في أوله لا يرى أنه وصل منه إلى غاية، كما رصد عنه الكاتب محمد سعيد العريان في كتابه "حياة الرافعي".
أحد أقطاب الأدب العربي الحديث في القرن العشرين، فكتب الرافعي في الشعر والأدب والبلاغة باقتدار، وهو ينتمي إلى مدرسة المحافظين وهي مدرسة شعرية تابعة للشعر الكلاسيكي، ونظم الرافعي الشعر في بدايات شبابه، قبل بلوغه العشرين من عمره، وأصدر ديوانه الأول في عام 1903 الذي كان له صدى عظيمً بين كبار شعراء مصر، إذ كتب فيه البارودي والكاظمي وحافظ ابراهيم شعرًا، كما أرسل له الشيخ محمد عبده وزعيم مصر مصطفى كامل له مهنئين. ولعله هو مَن أطلق أول صرخة اعتراض على الشعر العربي التقليدي في أدبنا، فقد كان يقول: "إن في الشعر العربى قيودًا لا تتيح له أن ينظم بالشعر كل ما يريد أن يعبر به عن نفسه"، وهذه القيود هي الوزن والقافية. كانت وقفة الرافعي ضد قيود الشعر التقليدية أخطر وأول وقفة عرفها الأدب العربي في تاريخه الطويل، وأهمية هذه الوقفة أنها كانت في حوالي سنة 1910 وقبل ظهور معظم الدعوات الأدبية الأخرى التي دعت إلى تحرير الشعر العربي جزئيًا أو كليًا من الوزن والقافية.
وبعد صرخته الشعرية، انتقل إلى ساحة النثر الفني الأدبي التي برع فيها، حيث قدّم العديد من المؤلفات الأدبية والدينية ومن أشهرها "حديث القمر"، و"أوراق الورد"، و"تحت راية القرآن"، و"إعجاز القرآن والبلاغة النبوية"، وتوفي في 14 مايو عام 1937، وحمل جثمانه ودفن بعد صلاة الظهر إلى جوار أبويه في مقبرة العائلة في طنطا. مات مصطفى صادق الرافعي عن عمر ناهز 57 عامًا.