إجراءات استخراج قرار«العلاج»: رحلة معاناة فى «المجالس الطبية»
العلاج على نفقة الدولة يعتبر بريق أمل للفقراء بعد ارتفاع أسعار الأدوية والعمليات الجراحية
فى ظل ارتفاع أسعار الأدوية، التى يبحث الفقراء عنها دون جدوى، وزيادة تكلفة العمليات الجراحية، والأجور المرتفعة للأطباء فى المستشفيات والعيادات الخاصة، يبقى العلاج على نفقة الدولة بريق أمل للفقراء والغلابة، الذين يحصلون على قوت يومهم بصعوبة بالغة، إذ يجدون فى بطاقة العلاج على نفقة الدولة طوق النجاة الوحيد، يركضون بأوراقهم، فى رحلة تمتلئ بالمعاناة، يطرقون الأبواب، يمضون بخطوات ثقيلة، تدلّ على معاناتهم وألمهم. «الوطن» رافقت أحد المواطنين، أثناء جولته فى أحد المجالس الطبية المتخصصة فى الحى السادس بمدينة نصر، الذى يُعتبر المركز الرئيسى لتقديم طلبات العلاج على نفقة الدولة.
«أحمد»: مراتى مريضة من 5 سنين وماقدرتش أكمل علاجها عشان الفلوس.. ولما يئست استعملت المسكّنات.. و«صباح»: «تأخرت فى علاجى بسبب صعوبة الإجراءات»
بملامح يغمرها الأسى والحزن، يجلس أحمد ناجح، 32 سنة، موظف بشركة عقارات، يقف قليلاً، ثم يعاود الجلوس على قاعدة خرسانية أمام المجالس الطبية، واضعاً يده على خده فى انتظار زوجته التى تجلس داخل قاعة العلاج على نفقة الدولة، منتظرَين قبول قرار العلاج.
يتحدث عن معاناته قائلاً: «فاطمة مراتى تعبانة من 5 سنين والمفروض يتعمل لها قسطرة بالونية بـ4000 جنيه، وكنت باعالجها فى المنيا من كام سنة لكن ماقدرتش أكمل علاجها علشان الفلوس»، مؤكداً أنه غرق فى كثير من التفاصيل الروتينية، فعجز عن توفير أى علاج مجانى لها، واضطُرّ إلى تقديم علاج مسكّن لها، دون إجراء كشف طبى لائق، أو معرفة وتوفير العلاج المناسب لحالتها المرضية.
ويضيف «أحمد» أنه عندما اشتدّ المرض على زوجته، أحضرها إلى مستشفى قصر العينى فى القاهرة، حيث تلقت علاجاً لمدة شهرين، وبعدها بدأت إجراءات العلاج على نفقة الدولة، التى بدأها فى مستشفى قصر العينى الجامعى، وجاء إلى المجالس الطبية ليكمل تلك الإجراءات، قائلاً: «وصلت هنا الساعة 7 الصبح علشان أخلص الإجراءات بسرعة، ومراتى قاعدة جوه علشان الحر والشمس، ولسه لحد دلوقتى ماخلصتش أى ورق ولا حد رد عليّا».
ويوضح أحمد أنه من ضمن الصعوبات التى تواجهه فى الإجراءات، أنه لم يتلقَّ أى معلومات عن الأوراق المطلوبة دفعة واحدة، فاضطُرّ إلى الذهاب والعودة أكثر من مرة مُحضِراً بعض الأوراق، وكان من بينها قسيمة الزواج، التى تسببت فى تأخُّر تقديم العلاج لزوجته، ويتابع: «مراتى حامل، ولو ما عملتش العملية خلال الشهر دا هيحصل لها مضاعفات وممكن تموت، وباطلب من الناس القائمة على خدمة المريض فى المجالس الطبية، تخليص الإجراءات بسرعة علشان إحنا تعبنا من الإجراءات الروتينية والانتظار على توقيع موظف».
إلى يمين «أحمد» بمسافة قليلة تجلس سحر عبدالعال، 40 سنة، مرتدية عباءة سوداء، تقول: «حمايا جات له جلطة فى القلب ودخّلناه معهد الأورام والمعهد حوّله لمستشفى المبرة فى دار السلام، والعلاج فيها كان كويس»، مضيفة أنه رجل كبير فى السن، وليس قادراً مادياً، كما أن ابنه يعمل باليومية، وليس له دخل ثابت، وأنهم فوجئوا باحتياج والد زوجها إلى قسطرة تتعدى 2000 جنيه، ودعامة تبلغ 42 ألف جنيه.
وتضيف «سحر» أن الإجراءات الخاصة باستخراج العلاج على نفقة الدولة، سعى فيها أكثر من فرد من أفراد الأسرة، واصفة تلك الرحلة بالمعاناة التى اضطُرّت هى إلى إكمالها، قائلة: «إحنا وصلنا لمرحلة إننا بنتوسل للموظفين، قابلت الموظف وقلت له ربنا يبارك فيك ويخلى لك أولادك، حمايا تعبان وبيموت، ويا ريت تساعدنى علشان أخلص له ورقه، قال لى: (اتفضلى يا ستى)، ومضى لى على الورق، وآدينى قاعدة هنا مستنية القرار علشان أكمل له ورقه ونعمل له العملية».
تتابع «سحر» بأنها تحتاج إلى تقديم أوراق أكثر من أجل توفير الدعامة، مؤكدة أن قبول العلاج على نفقة الدولة له معايير، إذ يتم إنقاذ الشريحة الأكبر من المرضى، بتوفير أقلّ تكلفة للعمليات الجراحية، أما الدعامة فتكلفتها عالية، لذلك تخشى أن تُرفَض.
تقول «سحر» إنها وفّرت أوراقاً مثل التقرير الطبى المعتمد من مستشفى حكومى، مختوماً من لجنة ثلاثية، وصورة من بطاقة المريض أو شهادة ميلاده، وكل الفحوصات الخاصة به، وأوراق تؤكد وضعه الاجتماعى واحتياجه إلى العلاج على نفقة الدولة.
أما صباح أبوزيد، 56 سنة، من مركز ملوى التابع لمحافظة المنيا، فتقول: «من سنتين اكتشفت إن عندى ورم فى صدرى، ورُحت اتعالجت فى معهد الأورام فى ملوى، وأخدت جرعات علاج كيماوى، والحمد لله الورم ابتدا يختفى والمعهد حوّلنى أعمل العملية فى أسيوط وكلفتنى 12 ألف جنيه، ومحتاجة 16 جلسة لعمل شعاع ذرى، وكل جلسة تكلفتها ألف ونص».
وتضيف صباح: «واجهتنا صعوبات كثيرة فى الانتهاء من الأوراق والإجراءات فى مستشفى ملوى، «لذلك اضطُررت إلى الكشف فى عيادة خاصة للتوقيع على الورق، وكان من المفترض أن أبدأ علاجى منذ أسبوعين، ولكن بسبب صعوبة الإجراءات، التى لم أنتهِ منها بعد، تأخر العلاج».
ويقول عبدالخالق جمال، من المنصورة، 35 سنة، مدرس: «جيت المجالس الطبية من 15 يوم، علشان أخلص إجراءات العلاج على نفقة الدولة علشان أخويا المريض اللى مش قادر ييجى بنفسه»، مضيفاً أن العلاج على نفقة الدولة خطوة إنسانية، ولكن الإجراءات أصعب من ثمن العلاج، بخاصة أن الناس تأتى من كل المحافظات للحصول على علاج، وأن أخاه حصل على علاج على نفقة الدولة فى وقت سابق، لذلك اضطُر إلى تقديم التقرير الطبى، وفاتورة تفصيلية بنفقات القرار السابق، وكل الفحوصات الخاصة بالمريض.