المشاورات اليمنية في الكويت.. بين "السلام" و"الطريق المسدود"
صورة أرشيفية
انتهى الشهر الأول منذ انطلاق مشاورات الأطراف اليمنية في الكويت، أمس الأربعاء، فيما تتسع الهوة بين رؤى الجانبين، بشأن سبل حل الأزمة التي تعصف بالبلاد منذ أكثر من عامٍ، مخلّفة قتلى وجرحى، ودمار طال الأخضر واليابس، بينما لم يخف الوسطاء الخليجيين والدوليين، مخاوفهم من احتمال فشل المشاورات وانزلاق البلاد نحو المجهول.
وفي 21 أبريل الماضي، وبعد تأخر 3 أيام عن موعدها الأصلي، انطلقت مشاورات الكويت بين وفد الحكومة اليمنية من جهة، ووفد "الحوثيين - صالح)، ومنذ ذلك الحين تراوح مكانها، حيث تم تعليق جلساتها لمرات عديدة، بسبب تحفظات من قبل الطرفين.
وتتفق الأطراف على تشكيل لجان، ثم تختلف على المسميات، تُعقد جلسات مشتركة، وأخرى منفردة، فيعلّق طرف مشاركته احتجاجا، ثم يعود بعد وعود بالعمل على تلبية شروطه؛ وبين هذا وذاك، تتسع فجوة الخلاف، وتنذر بوصول المشاورات إلى حافة الهاوية.
ورغم الجهود الحثيثة التي يبذلها مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إسماعيل ولد الشيخ أحمد، والأطراف الخليجية والدولية، للوصول إلى سلام مستدام في بلد تعصف به الحرب، إلا أن تلك الأطراف لا تُخفِ قلقها من احتمال فشل المشاورات، وعودة الأوضاع إلى "مربع الصفر".
ويدرك المبعوث الأممي ولد الشيخ أحمد، أكثر من غيره، حجم التحديات التي تواجه عمله، حيث تحدث عن "عمق الهوة" بين طرفي الصراع، وأن البلاد تقف عند مفترق طرق حقيقي؛ "إما السلام أو العودة للمربع الأول"، لكنه يعود كعادة الوسطاء الدوليين، للطمأنة بأن "أجواء إيجابية تطغى على المشاورات"، وأنه بدأ في طرح "بعض الأفكار" لتقريب وجهات النظر، بين الأطراف، وأنهما أبديا "الاهتمام بها".
وأمس الأربعاء، قال ولد الشيخ أحمد، إن الأمم المتحدة "تعتمد المرونة" مع الأطراف؛ من أجل التوصل لحل سياسي، وتجنيب اليمن المزيد من الخسائر، مشيرا في الوقت ذاته، إلى أن الأطراف عليها "مسؤوليات" يجب أن تلتزم بها.
والحقيقة التي يؤكد عليها مراقبون، هي أن المشاورات ما تزال تراوح مكانها، وأن الحديث عن تقدم بشأن القضايا المطروحة، ما هو إلا محاولات أممية لإنقاذها من "الفشل" الذي يهددها منذ يومها الأول.
والسؤال الذي يبدو محيرًا، والإجابة عليه مقلقة، هو "ما المجهول الذي يتربص بالجمهورية الفقيرة حال فشلت مشاورات الكويت؟"، مراقبون تحدثوا لـ"الأناضول"، وأكدوا أنه "لا خيار أمام اليمنيين حال فشلها سوى الحرب، والحرب فقط، لأن كافة الفرص استنفذت بالكامل"، بحسب قولهم، مشيرين إلى "احتمال إعراض المجتمع الدولي، بوجهه عن البلد الأشد فقرًا، لتغرق في أتون حرب أهلية ذات طابع طائفي".
ونقلت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، عن الناطق باسم قوات التحالف العربي العميد أحمد عسيري، أن لدى قواته اثنان من خطوط العمل المتوازية، عملية سياسية، وأخرى عسكرية؛ وسيتم الوصول إلى واحد منهما في النهاية، على حد قوله.
وأضاف عسيري، في تصريحات لمجموعة من الصحفيين، في أثناء وجوده في واشنطن، الخميس الماضي، أن الهدف هو تأمين اليمن، إما دبلوماسيًا أو عسكريًا، وإذا فشلت المفاوضات فإن "صنعاء ستكون حرة قريبًا"، في تلويح واضح بالعودة للحل العسكري، حال انهيار المشاورات أو وصلت إلى طريق مسدود.
ومنذ 26 مارس 2015، يواصل التحالف العربي بقيادة السعودية، قصف مواقع تابعة لجماعة "الحوثي"، وقوات موالية لصالح، ضمن عملية أسماها "عاصفة الحزم" استجابة لطلب الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، بالتدخل عسكريا لـ"حماية اليمن وشعبه من عدوان الميليشيات الحوثية"، قبل أن يعقبها في 21 أبريل بعملية أخرى أطلق عليها اسم "إعادة الأمل".
وأكد التحالف آنذاك، أن من أهداف العملية الثانية، شقًا سياسيًا يتعلق باستئناف العملية السياسية في اليمن، إلى جانب التصدي للتحركات والعمليات العسكرية للحوثيين، وعدم تمكينهم من استخدام الأسلحة من خلال غارات جوية.
وتشير معلومات حصلت عليها "الأناضول"، إلى أن وفد "الحوثيين - صالح"، يواصل رفضه النقاش بشأن "استعادة الدولة" في اليمن، مصرا على "إنشاء سلطة تنفيذية للبلاد"، الأمر الذي يشكل جوهر الخلاف بين الطرفين، بينما يرى وفد الحكومة، أن الاتفاقات السابقة تنص على "الانسحاب من المدن وتسليم السلاح، وعودة الحكومة الشرعية للعاصمة التي يسيطر عليها الحوثيون، منذ أواخر سبتمبر 2014، قبل استئناف العملية السياسية من حيث انتهت"؛ فيما يصر الحوثيون وصالح، على تشكيل حكومة وطنية تشرع بعد ذلك في تنفيذ النقاط المذكورة.
ووفقا لمراقبين، يبحث الحوثيون وصالح، عن شرعية وجودهم في المدن، ولا سبيل أمامهم إلا الانخراط في حكومة وطنية، لكن الحكومة الحالية تحاول أن تبقيهم مجرد "انقلابيين" على شرعيتها وشرعية الرئيس المنتخب هادي، وهذا ما يجعل منسوب الأمل يتناقص، قياسا إلى الفجوة بين الطرفين.
وتؤكد المعلومات الواردة من مصادر مطلعة على سير المشاورات تقول، أن وفدي الحوثي والرئيس السابق، ما زالا يرفضان تثبيت أي اتفاقات، ويريدان الاستمرار في النقاش العائم، دون الدخول في التفاصيل.
وفي مقابل كل هذه التخوفات من فشل مشاورات الكويت، يبدي متابعون آمالا في نجاحها، قياسا إلى الدعم الدولي اللامحدود الذي تحظى به، حيث ترى "جميلة علي رجاء"، وهي استشارية في بناء السلام، من اليمن، أنه "لم تتأت فرص نجاح لمحادثات سلام كتلك التي حظيت بها مشاورات الكويت؛ ففي إطار مجلس التعاون الخليجي تتداعى الكويت فتوفر المكان، وتتدخل عند الطلب على أعلى مستوى لإزالة عقبات ناشئة في مسيرة التفاوض؛ فيما تدعم السعودية المسار وتوفر الدعم للجان التهدئة، ومن قبل هذا تبرم اتفاقا حدوديا مع الحوثيين".
وتضيف جميلة، في حديث لـ"الأناضول"، أنه حال عدم اتفاق الطرفين سريعا، مستثمرين هذا الاهتمام الأممي، وما تهيأ من فرص إنقاذ، فتلك طامة كبرى، لأن البلاد دون شك ستنزلق إلى مآلٍ خطير لا رجعة عنه على المدى القريب".
وتحذر استشارية بناء السلام، في ختام حديثها، من أن "إهدار الفرصة -ربما الأخيرة- ستلقي بالمسؤولية على الطرفين الذين لم يتمكنا من الانتصار للشعب اليمني، البلد الموجوع والمفجوع بنخبه السياسية الحاكمة والمسيطرة"، على حد قولها.
من جانبه، يعتقد عارف أبوحاتم المحلل السياسي اليمني، بأن اليمنيين باتوا أمام مشاورات سياسية جادة، طرحت فيها كل القضايا على الطاولة، لذلك يجب البحث عن سلام يقف على أرضية صلبة، لأن ما يجري الآن في الكويت قد يكون فرصتنا الأخير".
وفي حديث لـ"الأناضول"، أعرب أبوحاتم عن تخوفه، من "عدم استمرار المجتمع الدولي في الالتفات إلى اليمن، وفرص التاريخ لن تمر مرة أخرى أمام عتباتنا، وقد يدفع الفشل إلى استمرار الخيار العسكري، وهو خيار مكلف بطبعه"، متابعا: "أخطر ما في سيناريو الحرب أن تنزلق اليمن إلى حرب منسية، ويغض المجتمع الدولي نظره عنا، وتذهب البلاد إلى آتون حرب تمتد لعقود طويلة، تهلك كل الأطراف، وتقضي على كل ما تبقى من سيادة الدولة ورموزها وبنيتها التحتية"، وفق تعبيره.
ويتزامن الانسداد على طاولة المشاورات، مع ملامح شبح انهيار اقتصادي شامل بدأ يخيم على اليمن، بعد تدهور غير مسبوق للعملة الوطنية أمام العملات الأجنبية، ووصول سعر صرف الريـال في السوق السوداء إلى 320 ريـالا للدولار الواحد، بفارق 70 عن سعر الصرف الرسمي 250 ريـالا مقابل الدولار الواحد.
واتهمت الحكومة، "الحوثيين" الذين يسيطرون على المصرف المركزي اليمني، بإهدار 3 ملايين دولار من الاحتياطي النقدي الأجنبي، وأعلن وزير الخارجية عبدالملك المخلافي، أن الاحتياطي لم يتبق فيه سوى 100 مليون دولار، إلى جانب وديعة سعودية عبارة مليار دولار.