رئيس «تأسيسية» تونس: الدستور المصرى سيؤدى إلى الاضطراب.. ولن يدوم طويلاً
خلال الساعات القليلة التى حل فيها ضيفاً على «المنتدى العربى الديمقراطى الاجتماعى»، الذى نظمه بالقاهرة الحزب المصرى الديمقراطى الاجتماعى، مطلع الأسبوع الجارى، التقت «الوطن» مصطفى بن جعفر، رئيس المجلس الوطنى التأسيسى التونسى «الجمعية التأسيسية»، والمرشح الرئاسى السابق أيام نظام الديكتاتور المخلوع «زين العابدين بن على»، فى الوقت الذى يكشف فيه عن قرب الانتهاء من الدستور التونسى فى موعد أقصاه أبريل المقبل.
وعلى الرغم من حذره «الدبلوماسى» الشديد فى الحديث عن «الشأن المصرى الداخلى»، وبعد شىء من الإلحاح، فإن رئيس المجلس الوطنى الذى يتولى الآن مهمة كتابة دستور تونس وتشريعاتها، لم يبخل على مصر والمصريين ببعض من النصائح التى رآها ضرورية من واقع التجربة التونسية التى انطلقت منها الشرارة الأولى لثورات «الربيع العربى».
وتوقع «بن جعفر» ألا يدوم الدستور المصرى الحالى طويلا، وكان يجب خلع الرداء الحزبى والأيديولوجى والاتفاق أولا على النموذج الذى ينبغى أن يكون عليه المجتمع، ويؤكد فيه العدالة والمساواة، وضرورة اعتبار أن الديمقراطية هى احترام للأقلية إلى جانب كونها تمثيلا للأغلبية.
* بعد مرور قرابة عامين على انطلاق ثورات الربيع العربى التى أطلقتم فى تونس شرارتها الأولى لتنتقل إلى مصر.. إلى أى حد ترى الآن أوجه التشابه والاختلاف بين التجربتين التونسية والمصرية؟
- هناك تشابه كبير فى الأوضاع والتحديات، خصوصاً الاجتماعية، ففى تونس، كما الحال فى مصر، النظام السابق ترك تركة من الفقر وتفاقم البطالة وتهميش عديد من الفئات، لكن فى المسار السياسى نحن فى تونس اخترنا منذ البداية ما يبدو خيارا صعبا، واخترنا أن نخلع بشكل واضح منظومة الاستبداد، وطالبنا وطالب الشباب والمجتمع المدنى بدستور جديد، وهذا ما قادنا إلى تنظيم انتخاب مجلس وطنى تأسيسى لصياغة دستور جديد، وكان لهذا التوجه سلبياته، لأننا نبنى حجراً حجراً ولربما نأخذ شيئا من الوقت، لكنه كان اتجاها أوضح، وكان هناك تسلسل: انتخابات، ثم مجلس وطنى تأسيسى، ثم إرساء مؤسسات ديمقراطية ممثلة فى رئاسة الجمهورية وحكومة شرعية، ثم كتابة الدستور، وفى نهاية المطاف سيكون هناك انتخاب برلمان جديد، وبالطبع نحن ننعم بمؤسسات مستقلة سواء بالنسبة للإعلام أو القضاء.[Quote_1]
* قادت تونس ما اعتبرته المعارضة فى مصر الطريق الأسلم لبناء نظام جديد، وهو كتابة الدستور أولاً، فإلى أين وصلت تجربتكم فى كتابة الدستور؟
- خطونا خطوات مهمة، وأنجزت لجان المجلس الوطنى المسودة الأولى فى شهر أغسطس، واليوم بين أيدينا المسودة الثانية، وبعد أسابيع سنناقش فصول الدستور، فصلاً فصلاً، للمصادقة عليه ربما فى شهر أبريل على أكثر تقدير، وهذا الدستور سيكون دستور التونسيين والتونسيات، والمجتمع التونسى المعروف باعتداله، وبإسلامه المستنير، وبتشبثه بكل المكاسب التى حصلنا عليها، وعلى رأسها الحرية والمساواة بين الرجل والمرأة، فضلاً عن عدد من المكاسب الأخرى ومنها محكمة دستورية تمكننا من مراقبة السلطة التنفيذية، والتأكيد على الفصل بين السلطات والتوازن بينها، وكل هذه المفاهيم مدونة بكل وضوح، ولم يكن هذا سهلا، وكانت هناك تجاذبات بين القوى التى لها مرجعية دينية وبين القوى الحداثية. ولكن ما يطمئن فى تونس أن القوى الحداثية الديمقراطية المنفتحة على هذه الصيغ الكونية تشكل فى الحقيقة أغلبية واضحة فى المجتمع التونسى، ولا شك أن الانتخابات المقبلة ستعطى خارطة سياسية أكثر توازنا مما هى عليه اليوم.
* بعض الأصوات من جماعة الإخوان المسلمين فى مصر تباهى بإقرار دستور جديد قبل تونس، باعتبار أن ذلك إنجاز، فإلى أى حد تعتقد أن ذلك صحيح؟
- هذا سيحكم عليه التاريخ، وطبيعى كل من يقوم بتجربة يعتبر أن تجربته الأفضل، المهم هو النتيجة، وأن نبنى مؤسسات يكتب لها الدوام، والمهم خصوصا فى المرحلة الانتقالية أن نحصل على أوسع ما يمكن من التوافق، خصوصا فى مسائل جوهرية مثل الدستور، لأن الدستور لا نبنيه لزمان معين وإنما لأجيال، ولا بد من نكران الذات وأن نخلع الرداء الحزبى والذاتى، ونركز على الأمور المبدئية التى تخدم المصلحة الوطنية. وبالطبع نحن نحقق بعض الإنجازات، ومنها هذا السعى المتواصل للتوافق واعتبار أن الديمقراطية إلى جانب كونها تمثيلاً للأغلبية فهى كذلك احترام للأقلية، هذا المسار هو الأصل.
* ما نسبة المشاركة والتصويت بـ«نعم» التى تتخيل أنه يجب أن يحصل عليها الدستور ليكون دستوراً بحق؟ وهل يمكن الاكتفاء بنسبة 50% + 1 ممن ذهبوا للتصويت؟
- فى التجربة التونسية ستجرى المصادقة على الدستور داخل المجلس الوطنى أو الجمعية التأسيسية، ولكن بأغلبية الثلثين، ثم إذا لم يتحصل على نسبة الثلثين، فيطرح للاستفتاء، وهنا سيجرى إقراره بنسبة 50% + 1.[Quote_2]
* وهل تعتقد أن هذه نسبة كافية؟
- نحن نسعى إلى أن تجرى الموافقة على الدستور داخل المجلس الوطنى بهذه الأغلبية الواضحة، وهى الثلثان، وإذا فشلنا، وأقول فشلنا لأن هذا سيعد نوعا من الفشل، سنذهب إلى الاستفتاء، وفى الاستفتاء فى أغلب الأحيان تكون الأغلبية فيه مطلقة.
* لكن هل يمكن أن يمر دون مشاركة غالبية الناخبين؟ وكيف سيكون مدى تمثيله للأمة حينها؟
- إذا كان عدد المواطنين الذين ذهبوا للتصويت لا يمثلون أغلبية، فبالطبع هذا سيعد نقصا، خصوصا فى مسألة الدستور، أن يعتبرها جزء كبير من الشعب شيئا ثانويا، ولا يرى أن يذهب ويشارك فى عملية التصويت، فهذا سيعد شيئا سلبيا.
* الدستور المصرى مر بقرابة 20% من أصوات الناخبين، ما خطورة ذلك من وجهة نظرك؟
- هى نسبة ضعيفة فى الواقع، وأخشى ما أخشاه أن تكون عنصرا لعدم الاستقرار فى المستقبل، وتدفع بالعديد من الحساسيات إلى البحث عن تغيير هذا النص أو الدستور، والمشكلة التى تتبادر إلى الذهن هنا أن هذا الدستور الذى جرى التصديق عليه لن يدوم طويلا، والتخوف من عدم الاستقرار فيما يتطلب الاستقرار الكامل، لأن المفروض أن الدستور يبقى لأجيال ولا يكتب لمدة أو سنوات قصيرة.
* وكيف نخرج من هذه المشكلة.. هل بإسقاطه والبدء فى كتابة دستور جديد بطريقة مختلفة أم بالتوافق على تعديله فى أسرع وقت؟
- لست على علم بالآليات بالنسبة للوضع المصرى، لكن متأكد أن المصريين بذكائهم وحبهم لمصر سيهتدون للطريق السليم للخروج من هذا الإشكال، لأنه إشكال حقيقى، لكن كل شعب وكل نخبة، فى نهاية الأمر، تفعل ما تراه صالحا.[Quote_3]
* بشكل عام، بماذا تنصح المصريين لتدارك الأخطاء التى من الممكن أن يكونوا قد وقعوا فيها خلال المرحلة الانتقالية؟
- إذا كان يسمح لنا الإخوة فى مصر أن ننصح، لأننا نعلم أنه لا أحد يمتلك الحقيقة المطلقة، فإذا كان يشعر طرف معين أنه يملك الحقيقة المطلقة فذلك بداية للديكتاتورية، وفى هذا المجال نحن ننصح المصريين بالصبر، لأن مرحلة الانتقال هى من أدق المراحل، خصوصا أنها مرحلة بناء، والبناء أصعب كثيرا من المعارضة والاحتجاج، وربما من مقاومة الفساد والاستبداد، لكن ينبغى السعى بقدر الإمكان وبجدية فى اتجاه البحث عن التوافق بين كل الأطراف السياسية بعيداً عن التجاذبات الأيديولوجية والفكرية والحزبية.
* وما أفضل الطرق للتوافق من وجهة نظرك؟
- الإرادة السياسية، من خلال الحوار ثم الحوار.
* لكن السلطة لدينا دعت للحوار، والمعارضة تتمسك بشروط، من بينها أن يكون هناك جدول أعمال وتوقيتات وما إلى ذلك.
- بالطبع، فالحوار ليس من أجل الحوار، وإنما بغرض الوصول إلى تحقيق أهداف، ويقتضى تقديم تنازلات من الأطراف، هذه قواعد الحوار؛ أن نستمع إلى بعضنا البعض، أن نحترم ما يقوله الآخر، وأن نسعى إلى التوافق فى إطار تنازلات معقولة خدمةً دائما للصالح العام، لا بد أن المصلحة العامة هى التى تفرض نفسها أكثر من المصلحة الحزبية.
* وما الأشياء ذات الأولوية التى ترى أنه ينبغى أن نتوافق عليها، مستفيدين من التجربة التونسية؟
- الثورة المصرية، كما الحال فى الثورة التونسية، كانت من أجل الحرية والعدالة الاجتماعية، وهى فى منطلقها ثورة غير أيديولوجية، ولا بد من الاتفاق على وضع مؤسسات ديمقراطية ممثلة، حتى لا نعود للوراء ونرجع للاستبداد، ولا مناص من تجميع كل القوى وطرح النقاش الأيديولوجى جانبا، ويجب الاتفاق على النموذج الذى ينبغى أن يكون عليه المجتمع، ولا بد أن يكون هذا النموذج متفتحاً، ويؤكد العدالة والمساواة، ثم بعد ذلك تأتى مرحلة المنافسة على البرامج والأيديولوجيات.