الستات بعد المعاش: الشباب شباب القلب
حياة غير تقليدية لأصحاب المعاشات
يبتسمن لقادم الأيام وكأنها تحمل لهن عمراً بأكمله، لا تعنيهن تجاعيد ارتسمت على وجوههن أو إعياء يسوقه إليهن تقدم السن، يجوبن الدنيا ذهاباً وإياباً، ويتزين بأغلى ما لديهن من حلى وأساور تليق بفتيات ما زلن فى انتظار نصيب يتمنينه مبهجاً، ويصنعن ما يحلو لهن دون التقيد بمواعيد أو أشغال، ويرفعن شعار «اللى جاى مش زى اللى راح»، فلا يضيعن لحظة واحدة تأتى دون سعادة غامرة، وكأن دنياهن ماكثة أبداً.
«وفاء»: قعدة البيت وحشة.. «آمال»: بقيت مشغولة أكتر من الأول.. و«منى»: خصصت الأربعاء من كل أسبوع لمقابلة أصدقائى الذين خرجوا على المعاش
وهو ما سعت بعض السيدات إلى تنفيذه واستنشاق نسمات الحياة بعد أن أنهين عملهن وخرجن على المعاش، ليهزمن الكلمات المتحجرة «هناخد زمانا وزمن غيرنا»، فاستغلت وفاء أحمد النجار العادات التى اكتسبتها من عملها الذى عملت به منذ أن كانت فى الـ21 من عمرها، وحتى العام الماضى، بإحدى الجهات الحكومية، فلم تفارقها عادة الاستيقاظ مبكراً والالتزام والانضباط «عمرى ما مضيت تأخير»، التى استبدلتها بممارسة الرياضة يومياً لتحافظ على أناقتها وصحتها، وهو ما دفعها مؤخراً إلى التفكير فى الذهاب لإحدى صالات «الجيم» القريبة منها.
أول يوم بدون عمل.. خلّف إحساساً سيئاً داخل نفس السيدة الستينية التى شعرت بملل وركود وأنها فى إجازة طويلة بعد أكثر من 15 عاماً من العمل بجد وإتقان لتحقيق أهدافها، فتدرجت فى المناصب إلى أن وصلت لمدير قطاع مهم «لم أشعر بمرور 15 سنة أبداً كنت بحب شغلى جداً وبتقنه وعمرى ما مليت منه وكنت بعطى كل وقتى له دائماً»، فضلاً عن فقدانها لأصدقائها الذين تعودت على رؤيتهم والتحدث معهم كل يوم، إلا أنها سرعان ما تغلبت على ذلك واستعدت لبدء مرحلة جديدة من حياتها.
سيدات يرفعن شعار «اللى جاى مش زى اللى راح»
«قعدة البيت مبتعلمش حاجة لازم المرأة تواجه العالم اللى بره وتكون معتمدة على نفسها وتقدر تدير حياتها بقوة».. ترك حب العمل آثاراً قوية بنفس وفاء، التى تغير جزء كبير من أسلوب حياتها واتجهت إلى شغل وقت فراغها بالرياضة وقراءة الكتب فى جميع المجالات المختلفة التى تثير اهتماماتها، والذهاب إلى المسجد لحفظ القرآن الكريم، أما باقى وقتها فهو مقسم مع أحفادها الذين يزورونها خلال الأسبوع ويجلسون معها طوال اليوم ليضفوا على يومها روحاً مبهجة «بستنى أشوفهم».
وهو نفس النهج الذى سارت عليه منى عبدالمنعم، بعد أن أنهت عملها فى قطاع التأمينات والمعاشات بإحدى الجهات الحكومية منذ عامين، فى تغيير أسلوب حياتها والاستمتاع بكل لحظة، فبدلاً من الاستيقاظ المبكر أصبحت تتجه للنوم بعد أداء صلاة الفجر، فتقضى الليل بأكمله بين التحدث مع أصدقائها عبر مواقع التواصل الاجتماعى أو مشاهدة التليفزيون.
«الحياة بدأت بعد الستين».. هكذا شعرت السيدة الستينية بعد خروجها على المعاش لقلة المسئوليات التى أصبحت تقع على عاتقها والسماح لها بممارسة الهوايات والأعمال التى كانت ترغب فيها دون الشعور بقيود العمل ومواعيده، وجنى ثمار عملها والاستمتاع بالحياة بطريقة مختلفة عن ذى قبل، فبدلت الإحساس الذى سيطر عليها عقب المعاش بأنها أصبحت غير مرغوب فيها لقلة المحادثات التى تتلقاها يومياً، بآخر أكثر سعادة وبهجة.
خصصت منى يوم الأربعاء من كل أسبوع للقاء أصدقائها بالعمل الذين خرجوا على المعاش أيضاً فى النادى الخاص بهم، وتبادل أطراف الحديث وزيادة التقارب بينهم، بالإضافة إلى إنهاء الأعمال المنزلية ولقاء أحفادها وأولادها، والتنزه قليلاً مع صديقتها المقربة بعد الظهيرة.
«كل مرحلة لها مميزاتها وسيئاتها».. هكذا ترى آمال محمود، 54 عاماً، فى عملها كمديرة لإحدى المدارس الخاصة لأكثر من 16 عاماً، وحياتها بعد المعاش المبكر الذى فضلت الحصول عليه منذ 6 أعوام للاستمتاع بوقتها، حيث كانت تقسمه من قبل بين المنزل والعمل تبعاً لمواعيد محددة ومع ذلك لديها وقت فراغ، أما بعد المعاش «كل الأمور اتغيرت حالياً، بقيت مشغولة لدرجة إنى معنديش وقت فاضى فى اليوم أكتر من أيام الشغل».
تجديد نمط حياتها.. هو الأساس الذى اعتمدت عليه السيدة الخمسينية، بعد انتهاء عملها «تعبت من قعدة البيت نفسياً وشعرت بملل وكبر فى السن، ففكرت أعمل حاجة بحبها»، ففضلت نيل قسط من الراحة بالسفر إلى أماكن مختلفة داخل مصر مع إحدى الجمعيات الخيرية للمسنين، وسرعان ما تم اختيارها لتصبح منظمة ومشرفة تطوعية لتلك الرحلات وبدأت مساعدتهم لقضاء وقت ممتع وجديد.
«فيه ناس عندها 50 سنة وعجوزة وناس 50 سنة ولكن لديها طاقة مثل شاب 20 سنة».. بهذه الكلمات حذرت آمال من الاستسلام للخمول الجسدى والعقلى ومشاكل الحياة وعدم استغلال الطاقة الموجودة داخل كل شخص يخرج على المعاش، التى يجب أن يتم توجيهها لممارسة عمل محبوب لكل منهم من شأنه إضفاء شعور بالسعادة والبهجة والراحة مثلما شعرت فى الرحلات التى نظمتها للمسنين وحرصت فيها على زيارة شتى الأماكن المميزة بالجمهورية بين «مطروح، طابا، سانت كاترين، دهب»، وسرعان ما ضمت إليهم الشباب أيضاً عن طريق وسائل التواصل الاجتماعى «فيس بوك وواتس آب».
اتخذت السيدة الخمسينية عملها التطوعى على محمل الجد والاجتهاد، فحازت على ثقة وحب الجميع الذين أطلقوا عليها اسم «القائد» لقدرتها على تحقيق الهدف الترفيهى من الرحلة والتنظيم، فضلاً عن اهتمامها ومسئوليتها بكافة تفاصيل الرحلة بنفسها منذ بدايتها حتى النهاية.