صحابة الرسول.. سلمان الفارسي "لقمان الحكيم"
مقام سلمان الفارسي
ينتمي سلمان الفارسي أحد صحابة النبي لمنطقة "أصبهان" بإيران، ودخل الإسلام بعد بحث وتقصٍ عن الحقيقة، وكان واحدا من المميزين ببلاد فارس موطنه الأصلي، وقد تدين بالمجوسية ولم يقتنع بها، حتى ترك بلده ورحل للشام والتقى برهبان وقساوسة ولكنه لم يقتنع أيضا، واستمر في ترحاله حتى وصل للجزيرة العربية في المدينة والتقى بالرسول محمد واعتنق الإسلام.
وأشار على النبي في غزوة الخندق بخطة استراتيجية لم تكن معروفة من قبل في شبه الجزيرة العربية والتي تقضي بحفر خندق حول المدينة المنورة ليحميهم من قريش، الأمر المشهور من قبل لدى الفرس.
وفي الغزوة جاءت جيوش قريش للمدينة تحت قيادة أبي سفيان، ورأى المسلمون أنفسهم في موقف عصيب، حتى جمع الرسول أصحابه ليشاورهم في الأمر، فتقدم سلمان وألقى من فوق هضبة عالية نظرة فاحصة على المدينة، فوجدها محصنة بالجبال والصخور محيطة بها، واقترح أن يتم حفر خندق يغطي جميع المنطقة المكشوفة حول المدينة، وبالفعل بدأ المسلمون في حفر هذا الخندق الذي صعق قريش حين رأته، وعجزت عن اقتحام المدينة.
وأثناء حفر الخندق اعترضت صخرة عاتية معاول المسلمين فذهب سلمان للرسول مستأذنا تغيير مسار الحفر لتجنب الصخرة، فأتى الرسول معه وأخذ المعول منه، وسمى الله وهوى على الصخرة فانفلقت وخرج منها وهجا عاليا مضيئا وهتف الرسول مكبرا "الله أكبر أعطيت مفاتيح فارس، ولقد أضاء الله لي منها قصور الحيرة، ومدائن كسرى، وإن أمتي ظاهرة عليها"، ثم رفع المعول ثانية وهوى على الصخرة، فتكررت الظاهرة وبرقت الصخرة، وهتف الرسول "الله أكبر أعطيت مفاتيح الروم، ولقد أضاء لي منها قصور الحمراء، وإن أمتي ظاهرة عليها"، ثم ضرب ضربته الثالثة فاستسلمت الصخرة وأضاء برقها الشديد، وهلل الرسول والمسلمون معه وأنبأهم أنه يبصر قصور سورية وصنعاء وسواها من مدائن الأرض، وصاح المسلمون "هذا ما وعدنا الله ورسوله، وصدق الله ورسوله".
وكان إيمان سلمان قويا، حيث أقام أياما مع أبو الدرداء في دار واحدة، وكان يقوم الليل ويصوم النهار، حتى رأى سلمان مبالغته في المرض فحاول أن يهدأ عن صومه هذا، فقال له أبو الدرداء: "أتمنعني أن أصوم لربي وأصلي له؟" فأجاب سلمان: "إن لعينيك عليك حق، وإن لأهلك عليك حقا، صم وافطر، وصلّ ونام"، فلما علم الرسول بما قاله سلمان قال "لقد أُشْبِعَ سلمان علما".
وفي غزوة الخندق وقف الأنصار يقولون "سلمان منا" ورد المهاجرون قائلين "بل سلمان منا" حتى ناداهم الرسول قائلا: "سلمان منا آل البيت"، وأثناء خلافة عمر بن الخطاب جاء سلمان للمدينة وجمع عمر الصحابة وقال لهم "هيا بنا نخرج لاستقبال سلمان"، وخرج بهم لاستقباله عند مشارف المدينة، ولقبه علي بن أبي طالب بـ"لقمان الحكيم"، وقال عنه "ذاك امرؤ منا وإلينا، من لكم بمثله أوتي العلم الأول والعلم الآخر، وقرأ الكتاب الأول والكتاب الآخر، وكان بحرا لا ينزف".
وفي عهد ولاية عثمان بن عفان كان سلمان قد استأمن زوجته على "مسك" حصل عليه يوم فتح جلولاء، ثم دعاها لتأتيه به ودعاها تجلب له قدح ماء نثر به المسك وقال لزوجته "انضحيه حولي، فإنه يحضرني الآن خلق من خلق الله، لا يأكلون الطعام وإنما يحبون الطيب"، وفور إتمامها مهمتها أمرها بالخروج وغلق الباب وبعدها حضرت لتجد روحه قد فارقت جسده، حتى تولّى دفنه والصلاة عليه وتجهيزه علي بن أبي طالب.
ويقع قبره بمدينة المدائن بالعراق، وسمي المقام باسم "سلمان باك" أو "سلمان الطاهر"، والقريب من العاصمة العراقية بغداد، كما يوجد أعلى قبره قبة وصحن كبير.