«القمامة» بقعة سوداء فى ثوب مصر
القوانين التى تمنع إلقاء القمامة فى الشوارع لا تزال حبراً على ورق
تعانى شوارع القاهرة والمدن الأخرى من تراكم أكوام القمامة بها معظم ساعات النهار، ولا تسلم هذه الشوارع من إلقاء القمامة فى كل شهور السنة، بما فيها شهر رمضان، ويُرجع البعض عدم الحفاظ على نظافة الأماكن وتشويهها إلى الثقافة العامة للشعب، والبعض الآخر يقول إنه سلوك مكتسب من البيئة التى نعيش فيها، حيث نرى أشخاصاً يلقون بالمهملات من نوافذ السيارات الفارهة على الطرقات، والبعض الآخر قد يلقى بها بالقرب من صناديق القمامة، ولا يكلف نفسه عناء وضعها داخل الصناديق المخصصة لذلك، على الرغم من انتشار تلك الصناديق فى كل مكان، اعتماداً على العمال المكلفين بالنظافة وأنهم سيقومون بتنظيف ما شوهه الآخرون، لكن فى المقابل هناك أشخاص آخرون يحرصون على الحفاظ على نظافة الأماكن التى يوجدون بها، ويحملون معهم المهملات حتى يضعوها فى المكان المخصص لها، وهناك عائلات تربى أبناءها على الاهتمام بنظافة المكان الموجودين فيه؛ بدءاً بالمنزل ومروراً بالمدرسة وصولاً للمتنزهات والمطاعم أو حتى أماكن الألعاب.
ورغم وجود قوانين تجرم إلقاء القمامة فى الشارع إلا أنها لا تزال حبراً على ورق مثل قوانين كثيرة غير مفعّلة، فى الوقت الذى يؤكد فيه الكثيرون على أنه فى حال تشديد الغرامات سيحرص الكثيرون على نظافة الشوارع والأماكن العامة، فى حين أشار آخرون إلى ضرورة تنظيم أماكن وجود الحاويات وصناديق القمامة، وفيما يلى نستعرض كافة الآراء حول هذا الموضوع.
رغم تصريحات بعض المسئولين التى يتوعدون فيها المخالفين بتطبيق القانون بعد بدء المنظومة الجديدة لجمع القمامة، وحديثهم عن تحرير محاضر فورية ضد المخالفين من أصحاب الوحدات السكنية والمحال التجارية، لتصل إلى الغرامة المالية أو الحبس، فإن إلقاء القمامة فى الشارع أمر يرفضه الدين وينهى عنه لأن الرسول، صلى الله عليه وسلم، قال: «النظافة من الإيمان».
ويقول الشيخ عويضة عثمان، مدير إدارة الفتوى الشفوية بدار الإفتاء، إن إلقاء المخلفات والقمامة فى الشوارع دون الالتزام بأماكنها المخصصة يوقع صاحبها فى معصية الله، وفى إثم عظيم.
ويشير «عويضة»، فى رده على سؤال ورد إلى دار الإفتاء حول حكم الدين فى إلقاء القمامة فى الشوارع، إلى أن الإسلام دين النظافة ودين الجمال والتنظيم، متابعاً: «إذا ما رأيت عدم نظام واضطراباً، فاعلم أننا ابتعدنا عن أخلاق النبى، صلى الله عليه وسلم، فالنبى علمنا النظام، وعلمنا الجمال فى كل شىء، ولا بد من استغلال شهر رمضان فى الاعتياد على النظافة والنظام».
«إسماعيل»: السلوكيات الخاطئة والإدارة غير الناجحة لتداول المخلفات الصلبة أهم أسباب تراكم القمامة.. و«عزيز»: شركات القمامة تراجعت عن أداء دورها
الدكتور عادل المراغى، إمام وخطيب مسجد مدينة الرحاب الكبير، يقول: تخلفت الأمة الإسلامية عن ركب القافلة لأنها فرقت بين العبادات والمعاملات، والإسلام دين شمولى ومتكامل، والعبادة فى الإسلام هى كل عمل يرضى الله عنه، والعبادة تنقسم إلى نوعين؛ النوع الأول العبادة الروحية، وهى التى لا يتعدى نفعها للغير وهى غاية وليست وسيلة، أما النوع الثانى من العبادة فهو العبادة المدنية، وهى وسيلة، وهى كل عمل يتعدى نفعه للغير مثل إدخال السرور على الناس وقضاء حوائجهم وعزل الأذى عن الطريق، وكل الأعمال المدنية التى يقوم بها بعض موظفى الدولة تعتبر عبادة تضمنت مفهوم رسالة عمر بن الخطاب إلى أبى موسى الأشعرى، عندما كان والياً على البصرة، ثم خاطب «الأشعرى» الناس قائلاً: لقد بعثنى أمير المؤمنين إليكم لأعلمكم كتاب ربكم وأعبّد طرقكم، وهنا قارن «الأشعرى» بين تعلم القرآن وبين المحافظة على نظافة الشوارع والطرق.
ويضيف «المراغى»: قال الرسول، صلى الله عليه وسلم، عن أهمية النظافة «الإيمان بضع وسبعون شعبة، أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق»، لكن العجب كل العجب حينما ترى بعض الناس يصومون ويصلون ويقومون بإلقاء أكياس القمامة بجوار المساجد، حيث يعتبر ذلك انفصاماً واضحاً فى شخصية هؤلاء، وهنا يجب أن يبرز دور العلماء والدعاة لغرس القيم المدنية فى نفوس الناس، فعندما سُئل النبى، صلى الله عليه وسلم، عن «المرأة التى تصلى وتصوم وتقوم الليل وتتصدق إلا أن جيرانها لا يسلمون من أذاها، قال هى فى النار»، فالعبرة ليست بالصلاة أو الصدقة لكن العبرة بمعاملة الناس، وقال الرسول الكريم: «إماطة الأذى عن الطريق صدقة»، ومن أروع الأحاديث التى وردت فى كتب السنة وتحدثت عن أهمية عدم إلقاء القمامة بالشوارع وعزل الأذى عن الأماكن العامة «قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إن رجلاً دخل الجنة بسبب حجر عزله عن طريق الناس، ورجلاً آخر دخل الجنة بسبب شجرة قطعها كانت تؤذى الناس، ورجلاً ثالثاً دخل النار بسبب شجرة كان يستظل بها أبناء السبيل فقطعها». إذاً الدين المعاملة، ومن المفترض ألا تنفصل العبادات عن معاملتنا اليومية.
الدكتور ماهر عزيز، استشارى الطاقة والبيئة وتغير المناخ، أرجع سبب انتشار القمامة فى مصر إلى وجود عجز فى كل من شركات القمامة التى تراجعت عن أداء دورها، بالإضافة إلى نقص الأيدى العاملة والمعدات التى تعمل فى تجميع القمامة، منتقداً دور المحليات التى لم تقم بدورها وواجباتها، كذلك افتقاد هيئة نظافة القاهرة الكبرى للمعدات التى تساعدها على جمع وإعادة تصنيع القمامة، وعن عمل جامعى القمامة، يقول «عزيز» إنهم أقلية بسيطة من الناس تجمع بعض الفضلات وليس كلها.
وأضاف «عزيز»: «الحل الوحيد للتغلب على انتشار القمامة يكمن فى إنشاء جهة واحدة توحد كل الجهود والأطراف المعنية من شركات القمامة والمحليات وهيئة نظافة القاهرة ويكون لها تجهيزات وأسطول ومعدات وإدارة للمخلفات. وأوضح أنه بوجود هذه المنظومة نستطيع التخلص من القمامة كلها فى أقل من ستة أشهر، ولكن دون وجود لجمع وإعادة تدوير القمامة سترجع إلى الشوارع مرة أخرى، موكداً أن إعادة تربية الخنازير لم تتمكن من القضاء على مشكلة انتشار القمامة.
«عويضة»: إلقاء المخلفات فى الشوارع يوقع صاحبها فى معصية الله و«المراغى»: إماطة الأذى عن الطريق صدقة.. والنظافة شعبة من الإيمان
من جانبه، يعتبر الدكتور مصطفى فودة، مستشار وزير البيئة، أن مشكلة القمامة مشكلة إدارية تكمن فى تقصير المحافظين، حيث تنتشر القمامة فى أكثر من مكان ولا توجد أى إجراءات حاسمة من قبَل القيادات الإدارية.
وأضاف: «يمكن حل مشكلة القمامة فى مصر عن طريق وجود متخصصين لديهم القدرة على التعامل مع الأجهزة الحديثة وإعادة تدوير القمامة، والعمل على استخدامها كمصدر من مصادر الطاقة المتجددة».
ومن جانبه، يقول إسماعيل محمد، متخصص فى شئون البيئة، إن أسباب تراكم القمامة فى مصر عديدة منها السلوكيات الخاطئة للمواطنين، بالإضافة إلى الإدارة غير الناجحة فى عملية تداول المخلفات الصلبة بالمحافظات المختلفة.