محمد عبد الهادي علام يكتب لـ"الأهرام": "القروض.. وحال التخطيط في مصر"
محمد عبد الهادى علام
قال الكاتب محمد عبدالهادي علام، الكاتب الصحفي بجريدة الأهرام، في مقاله المنشور اليوم تحت عنوان "القروض.. وحال التخطيط في مصر" إن "لقد أعاقت خدمة الدين الخارجي عملية التنمية في مصر لسنوات في السابق وأدت إلى خنق الاقتصاد المحلي وتكبيل قدراته وهو ما يتحسب له الرئيس اليوم ولا يريد تكرار النموذج الفاشل حتي لو كانت مصر في حاجة ماسة إلى أموال القروض لتحريك عجلة الاقتصاد، حيث المخاطر شديدة ولا يمكن التعامل معها بتصريحات من نوعية أن القروض فوائدها بسيطة وفترات السماح الخاصة بها طويلة".
وأضاف علام: "لا يساورني الشك في أن مجلس النواب ستكون له وقفة متأنية لمراجعة اتفاقيات القروض وكيفية توجيه القروض للمشروعات التي يحتاجها الاقتصاد على نحو عاجل ودون تباطؤ يؤدي إلى عدم الاستفادة بتلك القروض وهو دور المجلس التشريعي الذي يملك اليوم ما يكفي من الخبرات اللازمة لمراقبة الأداء وإعانة الرئاسة في مسعاها بعدم الوصول إلى حافة الخطر"، موضحا "في كثير من الأسفار والمقابلات مع مسؤولين عرب أو أجانب يكون الكلام طيبا ومشجعا عن الفرص الواعدة للاستثمار والنمو الاقتصادي المتوقع في مرحلة التحول الحالية في مصر، بينما على أرض الواقع- هنا في مصر- نحن ما زلنا نقع نهبا للشائعات من ناحية وفي حيرة من أمر سياسات حكومية غير مفهومة من ناحية أخرى، في مقابلة مع (الأهرام) قبل أيام قال المهندس المصري العظيم هاني عازر مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الهندسية: "لا يوجد شيء يمكن بناؤه في يوم وليلة، فألمانيا عندما سقطت في الحرب العالمية الثانية كانت في حالة دمار وانهيار شامل حتى لبنيتها التحتية، وكذلك اليابان والصين، وقامت هذه الدول بالبناء من جديد بأيدي مواطنيها وليس بيد رؤسائها، فليس هناك رئيس جمهورية بالعالم قام ببناء بلد، فكل مهمة الرئيس هي المساعدة ومنح الطموح وتوفير الإمكانات والدراسات والتخطيط، والشعب هو من يقوم بالبناء والتعمير والعمل وتشغيل آلات العمل فى المصانع".
وتعد خبرة العبقري المصري - الذي ذاع صيته في ألمانيا والعالم في التعامل مع التخطيط والدراسات ثم توفير الأمكانات لانطلاق عملية تنمية وتعمير أكبر - بمثابة وصايا لا يمكن تغافلها أو إنكارها.. فما الذى نبصره حولنا اليوم؟!".
وأوضح أنه "قد يتعلل بعض المسؤولين بأن الأداء الاقتصادي الضعيف هو نتيجة طبيعية للمشكلات الاقتصادية الضخمة بعد ثورة يناير وما تلاها من فوضى سياسية وشعبية كادت أن تعصف بالدولة إلا أن هناك مشكلات اقتصادية لا ترتبط بالثورات وحدها وتحتاج إلى معالجات حاسمة وجادة ومنها:
1- وجود قواعد بيانات متفاوتة وغياب المعلومات
2- عدم وجود رؤية واضحة وضعف التعاون بين الإدارات
3- ضعف إدارة الأزمات وانشغال الحكومة بسياسة رد الفعل
4- تفشي البيروقراطية
5- عدم التناسق في السياسات الاقتصادية
حيث إن ما سبق يذهب إلى أن الحاجة شديدة إلى التخطيط ووجود قواعد بيانات موحدة والذي يقود إلى بناء (الدولة التنموية) وعلاج المشكلات الاقتصادية المزمنة وتعظيم الإستفادة من الموارد المتاحة وتحجيم الإنفاق الحكومي الضخم ووجود سياسة للتصنيع تحد من الواردات التي تثقل كاهل الاقتصاد بما لا يقوى على تحمله".
وكانت أحد الأمثلة على سياسات الوزارات التي تفاجئ الرأي العام ودون أن نفهم أين هو التخطيط والتعاون بين الوزارات والهيئات المختلفة ما عرضته وزيرة التعاون الدولي الدكتورة سحر نصر في اجتماع أخير في رئاسة الجمهورية عن القروض الخارجية ثم خرج بعدها بيان من المتحدث باسم الرئاسة السفير علاء يوسف يؤكد أن الرئيس السيسي شدد على عدم التوقيع على أي قرض جديد لتمويل أي مشروع دون التأكد من القدرة على السداد، حتى وإن كانت نسبة الدين الخارجي إلى الناتج المحلي ما تزال منخفضة وفي حدود آمنة وتقل كثيرا عن مثيلاتها في العديد من دول العالم وفقا لما عرضته الوزيرة التي قالت في تصريح في مارس الماضي إن القروض التي حصلت عليها مصر، من خلال وزارة التعاون الدولي، لا تشكل عبئًا على الدين العام، حيث إنها تتميز بفائدة بسيطة للغاية وفترات سماح طويلة الأجل، موضحة أن ديون الوزارة تشكل نحو 3.8% من إجمالي الدين العام.
لكن ما خرج من الرئاسة بعد الاجتماع الأخير يقول إن هناك خشية من التوسع في عمليات الاقتراض وعدم وجود تصورات واضحة لكيفية توجيه تلك الأموال في الاتجاه الصحيح والملائم وعدم تكبيل الأجيال المقبلة بديون باهظة التكلفة فيما وصل حجم الدين الخارجي إلى قرابة 53 مليار دولار والدين الداخلي إلى 2.4 تريليون جنيه.
واختتم مقالته قائلا: "حال التخطيط في مصر لا يرقى لمستوى ما نطمح إليه رغم كل تلك اللجان والمجالس وفرق العمل المكلفة بإعداد الاستراتيجيات ولو قمنا بمراجعة منصفة للأداء العام في الشهور الأخيرة سنصل إلى محصلة عن ضرورة الخروج برؤية موحدة ملزمة لكل الوزارات المعنية تعالج الفجوات الخاصة بضعف قواعد البيانات وضعف الأداء في أجهزة الدولة، فالمشكلات والأزمات الأخيرة كاشفة وليست مسألة القروض سوى حالة كاشفة للجزر المنعزلة التي يرفضها الرئيس لكن البعض يصر ــ لأسباب غير معلومة تماما ــ على صناعتها حماية لنفسه من تدخلات الغير في عمله.. وهي آفة يجب أن نحاربها بكل ما أوتينا من قوة، والصحافة هي النافذة الأكثر قدرة على تصحيح الأداء وتوفير وسيلة الإنذار المبكر وعدم الانسياق وراء تصريحات عنترية هنا أو هناك".