أحمد سامى «طالب ثانوى».. لا يشجع «المصرى» وتبرع بالدم لـ«ألتراس أهلاوى»
نشأ متجرعاً طعم اليتم، حيث ماتت والدته، ولم يكن «أحمد» قد بلغ عامه الرابع بعد، من مواليد عام 1995، تربى فى كنف جدته، أحاطته بضروب العناية، لكنه ترعرع مفتقداً لوالدته كل حين، فى الصف الثانى الثانوى، فتى بعد، لم يكمل دورة الشباب، منذ اندلاع الثورة منذ عامين، وهو يعتبر نفسه ابناً شرعياً لها، لا يكاد يفوِّت مظاهرة أو مسيرة، يسافر لـ«التحرير» فى المليونيات، يعلن مساندته للميدان ومطالبه، ولكل مطالب الوطن، فى صورة له، يقف جوار سيدة عجوز، تمسك بصورة ابنها الشهيد، يشد من أزرها، ويعلمها بأن مكانتها عظيمة، لأنها والدة شهيد. فى صورة أخرى، يقف على أول شارع محمد محمود، بجوار صورة جرافيتى لمحمود الغندور شهيد «ألتراس أهلاوى»، يشير إليه، آسفاً، متذكراً يوم الثانى من فبراير جيداً، حيث تجمع وأصحابه وقتذاك، للتبرع بالدم فى المستشفى لعله ينقذ نفساً قبل أن تفارق الحياة. كان يحب صور الشهداء ويعلقها فى كل حين، لم يكن يعلم أن صورته باتت معلقة على الحوائط، ويمسكها الرفاق، فخورين به.
خالته، جاءت من أستراليا، أخبروها أن والدتها فى وعكة صحية وتحتاج رؤيتها، قدمت، تولى «أحمد» مهمة حملها للتنزه فى كل بقعة فى بورسعيد، يريد إقناعها بأن بورسعيد مدينة لا تساويها مدن الأرض، فرحت الخالة، اطمأنت على أمها، وعادت إلى الغربة من جديد. تلقت هاتفاً فى ساعة متأخرة من الليل، توقعت أن والدتها قد فارقت الحياة، لكن أخاها كان على الهاتف يعلمها بأن الله قد اختار «أحمد» مرافقها فى بورسعيد منذ ليالٍ قليلة، ليصعد إلى الرفيق الأعلى.
يقول «السيد»، خال أحمد، إنه قبل جلسة النطق بالحكم، حذر «أحمد» من الخروج للمظاهرات، طلب منه أن يخرج يوم الخامس والعشرين، لكن يوم الحكم توقع الخال أنه سيكون دامياً، وسط دموع وحسرة، يتحدث الخال عن ابن الأخت، الذى لا يتحمل ظلماً، لا يفارق مظاهرة، ولا يتخلى عن نداء. يتمنى لو كان قد سمع كلامه، ولم يذهب إلى السجن مثلما حذره، توقع أن الطيش سيكون العنوان فى محيط السجن. لا يشجع أحمد «المصرى»، بل يحب «الزمالك»، وذهب لمحيط السجن، حينما علم أن الاعتراض على القرار سيكون هناك، فتلقى الخال ظهراً هاتفاً، يخبره بأن رصاصة فى الرأس وأخرى فى الصدر جعلت «أحمد» فى عداد الموتى، ليلحق بوالدته التى طالما أعلن اشتياقه إليها.
«حسبى الله ونعم الوكيل، معرفش إيه اللى بيحصل؟» يلقى بالمسئولية على رئيس الدولة ورئيس الحكومة و«الداخلية»، ويطالبهم خال أحمد، ذو الثمانية عشر عاماً، بأن يعيد «مرسى» إليه حقه، ويقدم الجناة الذين يقتلون من لا ذنب لهم، إلى العدالة، بدلاً من أن يخرج مهدداً بإصبعه أهل القناة كلهم، ويفرض عليهم حظراً، أكثر مما هم فيه، يقول إن بورسعيد وصلت إلى حالة من الشقاء والبؤس، حيث جميع المحلات مغلقة، والحياة توقفت فيها بشكل كامل، وبدلاً من التهدئة وإعادة حق الشهداء، تتم زيادة التضييق عليهم، «ليه عندنا حكومة ورئيس طالما الحق بيضيع؟».
حياة العائلة أصبحت جحيماً لا يُطاق، وهذا الفرع من الأسرة بدا كأنه اجتُثّ، حيث كان الابن الوحيد لأم فارقته طفلاً، لا يصدق الخال أن قناصاً أو مدرعة تطلق النيران على الشعب بهذا الشكل العشوائى، لا يعرف هل اقترف ابن أخته الذنب الذى يستحق عليه ألا يعيش حياته ويفارقها وهو فى عنفوان الشباب، كانت أحلامه بكراً، لم يصبها الصدأ، ولم تنغمس فى الإحباط بعد، دخل الثانوية العامة، حيث يطمح فى الالتحاق بكلية الإعلام، ليتخرج صحفياً أو مذيعاً، يكون من خلاله منبراً ينشر فيه صوت المظلومين، ويعبر فيه عن المهمشين، رصاصات الغدر التى قنصته لم تمنحه المزيد من الوقت لتحقيق حلمه، أو حتى الفشل فى تحقيقه، ومكابدة الحياة وعنادها، مات قبل أن يفعل أى شىء، قبل أن تهرسه الحياة فى تروسها. خالته، التى تولت مع والدته شأنه منذ وُلد، تصحو كل يوم منذ رحيله فى السابعة صباحاً، تذهب إلى «الجبانة»، تقرأ له «الفاتحة»، وتلقى عليه تحية الصباح، لا يرد عليها، لكنها تشعر بـ«الونس»، وترفض أن تتخيل أنها «تُصَبِّح» على «أحمد» ولا يجيبها التحية.
أخبار متعلقة:
الجريمة: المشى في الشارع.. العقاب: رصاصة قاتلة
أحمد السيد «تاجر روبابيكيا».. ذهب يطمئن على أخويه فى سوق السمك فتلقى رصاصتين في الرأس والصدر
الضظوى «لاعب كرة».. ذهب لحضور التمرين فلقى وجه ربه
هانى «بائع».. خرج لشراء مستلزمات بيته فلم يتبق منه سوى بقايا ملابس فى كيس أسود