ليلة «المليونية»: هتافات ضد الفلول.. وحلقات نقاشية حول المجلس الرئاسى
فى الليلة السابقة لمليونية «العدالة»، والثالثة للاعتصام استمر غلق ميدان التحرير وزادت أعداد المتظاهرين بشكل ملحوظ، وقضى المتظاهرون ليلتهم فى ترديد هتافات تدعو إلى إعدام رموز النظام السابق، ونصب المعتصمون عدة خيام إضافية فى ظل توافد أعداد كثيرة من المتظاهرين القادمين من المحافظات المختلفة للمشاركة فى الاعتصام.
على عكس المليونيات السابقة، لم يسبق مليونية أمس الاستعدادات التى تسبق نظيراتها؛ فعلى الرغم من وجود لجان النظام على مداخل ومخارج الميدان المغلقة بحواجز حديدية فإنها لم تمنع بعض السيارات من المرور، ولا تسأل عن تحقيق الشخصية. وبدأ المتظاهرون بتجهيز وإعداد مستشفى ميدانى فى الحديقة الوسطى «الصينية»، إضافة إلى المستشفى المجاور لمجمع التحرير.
وزادت الاختناقات المرورية فى منطقة «وسط البلد»، لأن الاثنين يمثل ذروة فى الحركة المرورية، وأوضح أفراد اللجان الشعبية المسئولة عن تأمين مداخل الميدان، أنه فتح بشكل جزئى أمام حركة سير السيارات، حرصاً منهم على مصالح المواطنين بعد الاختناقات المرورية.
على الرغم من قلة عدد المتظاهرين مساء أمس الأول مقارنة بيوم السبت، فإن عدد الخيام زاد بشكل ملحوظ، وظهرت خيام جديدة لا تنتمى إلى المعتصمين بل إلى الباعة الجائلين؛ معللين أنهم لا يريدون تفويت لحظة داخل الميدان وأنهم سيشاركون فى المليونية.
أمام «هارديز»، اجتمع عدد من المتظاهرين فى حلقة حول سيدة فى منتصف العمر تجلس على كرسى متحرك ينشدون أغانى عيد الميلاد؛ «راندة سامى» أحد مصابى الثورة أصرت على احتفالها بعيد ميلادها فى «التحرير» مع ابنيها وزملاء ثورتها، تعمل رئيسة تمريض فى أحد المستشفيات الخاصة، وكونت أثناء الثورة مستشفى ميدانياً فى نفس المكان الذى تحتفل فيه بعيد ميلادها ونفس المكان الذى أصيبت فيه بشلل رباعى، بعد تعدى أحد ضباط الأمن المركزى عليها.
«راندة» محجوزة فى أحد المستشفيات تمارس العلاج الطبيعى وتنتظر إجراء جراحة، تتمنى أن تسافر لإجرائها فى الخارج، لتتمكن من تحريك أطرافها من جديد، نزلت إلى الميدان بعد سماع أحكام براءة مساعدى العادلى ونجلى مبارك.
وكتب بعض الشباب بالرمال أمام سور الجامعة الأمريكية: «أول مطلب للثوار إعدام الكلب الطيار، ثانى مطلب للشهداء إعدام جمال وعلاء»، وأحاطوها بالشموع. فيما قدم آخرون عرضاً مسرحياً فى «صينية الميدان» عن الثورة منذ بدايتها حتى الآن.
وكون عدد من الشباب -بالقرب من المتحف المصرى- عرضاً للمواهب الشعرية مستخدمين «دى جى» ليلفتوا انتباه معتصمى الميدان، الذى لم يخل من نزهات ترفيهية لأسر كاملة، أو من الباعة الجائلين بدءاً من الملابس ولعب الأطفال، إلى المعروضات التقليدية للثورة كالكشرى والشاى والفطائر وشعارات الثورة والأعلام، ومسيرات تطوف الميدان وشوارع وسط البلد تهتف: «ياللى بتسأل إحنا مين إحنا كل المصريين»، «إحنا شباب 25 جينا ومش ماشين» و«ياللى بتسأل ع الحلول، إوعى تنتخب الفلول»، «اللى بيحمى حسنى مبارك، عمره ما يحمى دارى ودارك»، وتفرق مئات فى أرجاء الميدان فى حلقات نقاشية أو حلقات هتافية صغيرة تبدأ حماسية وتنتهى سريعاً، إما لإرهاق المتظاهرين أو قلة العدد التى سريعاً ما تقتل الحماس.
واستاء بعض المتظاهرين بسبب ترويج أعضاء جماعة الإخوان المسلمون لمرشحهم للرئاسة الدكتور محمد مرسى بالميدان، ما دفع بعضهم للهتاف ضدهم، لرفضهم ما وصفوه بـ«الممارسات غير المسئولة» فى هذه اللحظة الفارقة فى تحديد مسار البلاد، واحتدوا فى حوارهم ووجهوا اتهامات بالبحث عن «مصالحهم الشخصية» على حساب الوطن والشعب، فيما رد شباب الإخوان أن وجودهم بميدان التحرير وبمختلف ميادين مصر هو لأجل قضية واحدة هى «استرجاع حقوق الشهداء ومعاقبة كل من تسبب فى قتل المتظاهرين السلميين واعتراضهم على الأحكام الصادرة بحق مبارك ونجليه وأعوانه».
وقال حازم محمود أحد المعتصمين فى الميدان «لا يجب تكرار خطئنا أيام الثورة؛ وتهتم كل جماعة بمكاسبها فقط، يجب علينا الاتحاد حتى لا تضيع الثورة، مجدداً».
واستطلع شباب «الإخوان» آراء المعتصمين فى أداء «الجماعة»، فى الفترة الأخيرة، وتوجيه بعض الأسئلة الخاصة بـ«مرسى»، فيما استطلعت اللجنة الإعلامية لحزب «الوسط» فى الميدان رأى المتظاهرين عن تكوين مجلس رئاسى مكون من «مرسى» والدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح وحمدين صباحى، وتأييد إعادة الانتخابات مرة أخرى مع تطبيق قانون العزل السياسى على الفريق أحمد شفيق، فيما انتشرت البيانات الموزعة فى الميدان تحت اسم «دم الشهيد مش رخيص»، المهاجمة له وتعرض تاريخه ونظام مبارك.
واستمرت الحلقات النقاشية الموسعة والكثيرة عن أهم الأحداث التى شهدها الميدان خلال مظاهرات اليوم السابق ومعرفة الخطوات المقبلة. واتفق المتظاهرون والمعتصمون على الاستمرار فى التظاهر والاعتصام حتى تنفيذ مطالبهم المتمثلة فى وقف إجراء الانتخابات الرئاسية، وتشكيل المجلس الرئاسى، وتطهير القضاء والإعلام، وتشكيل محاكم ثورية لمحاكمة رموز النظام السابق بشكل علنى.
ولفتت الأنظار أمس منصة حمدين صباحى، وبدأت بتشغيل الأغانى الوطنية، والفرق الشبابية؛ وجاء إلى الميدان صباحى وأبوالفتوح وخالد على، المرشحون الرئاسيون الخاسرون إلى الميدان، وسط استقبال حاشد من المعتصمين.
وقال أبوالفتوح، إن دماء الشهداء فى رقابهم، فى إشارة منه إلى مرشحى الثورة للرئاسة، مشدداً على أهمية تشكيل محاكم ثورية لمحاكمة مبارك وعصابته، واستمرار المظاهرات فى جميع الميادين حتى تسليم المجلس العسكرى الحكم.
وأضاف صباحى، إن المرشحين - فى إشارة له وأبوالفتوح وخالد- تحت قيادة الشعب، وكلهم مصرون على تشكيل المجلس الرئاسى، فيما طالب خالد الشعب كله بالخروج فى الجمعة المقبلة تحت اسم «مليونية الإصرار والتحدى»، وقال إنه سيخرج بمسيرة من مسجد الفتح إلى النائب العام.
وفى إحدى بقاع التحرير، التف الناس قبيل الفجر فى حلقة حول «على محسن» أو «النقشبندى» كما يطلق عليه المعتصمون لإنشاده ابتهالات الشيخ سيد النقشبندى فى جميع المناسبات الثورية مند «25 يناير» حتى الآن. فيما توجه المتناقشون والمتظاهرون إلى النوم أو الخيام والهدوء، استعداداً لمليونية «العدالة».
وأدى عشرات المتظاهرين بميدان التحرير صلاة فجر أمس فى منتصف الحديقة بميدان التحرير، ودعوا الله أن يجمع الشمل ويوحد الصفوف ويهلك الظالمين، ولجأ المتظاهرون إلى خيامهم لأخذ قدر من النوم استعداداً للمشاركة، وإن ظل المعتصمون يرددون الأغانى والاستمرار فى الحقات النقاشية حتى الصباح.
مع استيقاظ المتظاهرين وانضمام عدد قليل بدأت مسيرات هتافية صغيرة فى الميدان لتذكير الناس بالمليونية أمس، ومع اكتمال الصباح بدأ النشاط والاستيقاظ وشهد الباعة الجائلون رواجاً فى بضاعتهم خصوصاً عربات الفول الموجودة فى الميدان.
وعبر مواطنون الميدان للتوجه لأعمالهم ولم يستطيعوا كتمان استيائهم ورفضهم بالقول أو بالتلميح.