أمان..ى
محمد عبدالرحمن
زوجتى أمانى حفيدة مباشرة للإلهة المصرية العظمى إيزيس، ورثت عنها القدرة الفريدة على المواساة والطمأنة والإحياء. لا شىء يذوى بين يديها، لا شىء مسموحاً له باليأس فى حضورها، لا شىء يفسد أو يموت فى نطاق حركتها. تبدو (الهزيمة) مفهوماً غير مفهوم لديها، وتستبدل به فوراً (حاول مرة أخرى) (اطرق باباً آخر) (ابذل مزيداً من الجهد) (غير اتجاه حركتك).. عرفت منذ رأيتها للمرة الأولى -قبل 18 عاماً- فى الدورة البرامجية العامة باتحاد الإذاعة والتليفزيون، أن الرجل السعيد ليس الذى تعصف به قصة غرام ميلودرامية، وليس الذى يتزوج ملكة جمال ولاية أوكلاهوما، أو يرتبط ببنت الخواجة الملياردير فورد.. الرجل السعيد حقاً هو الذى يعثر فى الوقت المناسب على نصفه الآخر، ويمتلك القدرة للإقدام على التشبث به حتى يتحدا، فالسعادة هى هذا الشعور الثمين بالاكتمال حين أكون مع أمانى.
أظنها هى التى اخترعت (التدوير) (recycling) قبل أن يصبح صيحة أنصار البيئة فى العالم، فلم أعرف أنها رمت بطعام بائت إلى القمامة، لكنها تدوّره ضمن طعام الغد، ليعود بين يديها شهياً، ولتنقذه من العدم، وتنقذنا من البطر. منحتنى مهنتى خصلتين: كثرة الصمت، والشعور بالتقصير.. أصمت طويلاً فى البيت، وأنكب بسكون على كتاب، فتتفهم أمانى ذلك، وتربى بناتى الجميلات على التزام الهدوء احتراماً لأبيهن، وأعود من عملى كل ليلة محملاً بذلك الشعور المؤلم بالتقصير، لأننى لم أكن المذيع المثالى الذى يستحقه المشاهدون، أو لأن كلمة غير منضبطة أفلتت منى على الهواء.. فأجد فى عينيها الحانيتين نهر المواساة واستعادة الثقة.
رأى فلاسفة اليونان القدامى قبل 2500 سنة أن الإنسان ليس حالة ثابتة، بل تغير لا ينقطع.
«أنت لا تسبح فى النهر نفسه مرتين» فلا أنت تظل أنت نفسك، ولا الماء يظل الماء نفسه، وخلصوا إلى أن السعادة ممكنة رغم هذا التغير، شرط أن ندرك حقيقة تلك السعادة المنشودة، وأنها بعيدة تماماً عما ترسمه لنا أوهامنا، فالسعادة ليست النشوة، ولا تشبه غمزة السُّكْر.. السعادة أن يوجد الفرد فى ظروف تسمح له بالنمو والازدهار جسدياً وعاطفياً وعقلياً، ومع شركاء يقبلون تغيره، ويباركون له هذا التغير، لأنهم يدركون أن الإنسان الذى لا يتغير أقرب إلى الموت منه إلى الحياة.
أمانى -حفيدة إيزيس- تدرك ذلك، دون صداع الفلاسفة، تدركه وتقبل تغيرى المستمر، فتمنحنى الفرصة للازدهار، أى إنها تمنحنى السعادة.
كلما قتلوا أوزوريس أحيته زوجته إيزيس، وكلما قطعوا جسده أشلاءً، لملمته ورممته ومنحته قبلة الإحياء..
أمانى تفعل بى ذلك كلما قُتلت.