«الخطبة المكتوبة» تجدد الأزمات بين الأزهر والأوقاف.. وعلماء: المتطرفون المستفيد الأول
تصاعد الخلاف بين «الأزهر» و«الأوقاف» بسبب الخطبة المكتوبة
تصاعد الخلاف بين مؤسسة الأزهر ووزارة الأوقاف، على خلفية إعلان الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، تعميم خطبة الجمعة المكتوبة، لاستعادة المنابر المخطوفة، وتجديد الخطاب الدينى، وجعله إرشادياً مستنيراً. وأكد عدد من علماء الأزهر، أن الصراع الحالى بين المؤسستين، ما هو إلا صراع بين التجديد، والمتجمدين، فيما ذهب آخرون إلى أن الصراع بينهما يُدمّر «القدوة»، ويؤثر على دورهما فى نشر وسطية الدين، إلا أن اتجاه الوزارة إلى الخطبة المكتوبة، يؤثر على دور المساجد فى حياة المسلمين، وذهب خبراء إلى أن الصراع يصب فى مصلحة المتطرّفين، لأن المؤسستين تمثلان السلاح الفكرى فى يد الدولة لمواجهة التكفير وتجديد الخطاب الدينى.
«الهلالى»: إطلاق الحرية للأئمة انتهى بسيطرة الإسلاميين على المساجد فى 2012.. و«كريمة»: المؤسسات الدينية تعمل فى جُزر منعزلة
وقال الدكتور سعدالدين الهلالى، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، لـ«الوطن»، إن الصراع الحالى، ليس صراعاً بين أزهر وأوقاف، بقدر ما هو صراع بين من يرغب فى التجديد، وأراه ممثلاً فى الأوقاف، ومن يرغب فى البقاء حبيساً للماضى، ولا يريد أن يعيش مجدداً، ممثلاً فى الأزهر.
وأضاف «الهلالى»: «الأوقاف سعت إلى التجديد طوال الفترة الماضية، وأحدثت حراكاً فى الساحة الدينية، وما يحدث هو صراع بين المجدِّدين والمُتجمدين، ففى الوقت الراهن يرى المجدّدون أن الماضى لم يأخذ بأيدينا إلى ما كنا نتمناه، بل كان سبباً فى إثارة فتن طائفية، واستعلاء بالدين والمذاهب، فهناك من يظن أنه الأقدم والأصح وصاحب الدين الأكمل، وغيره باطل، وأن الآخرين يتحملون وزر دينه»، لافتاً إلى أن الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، يسعى للتجديد، على أنقاض قرون طويلة كان لأئمة المساجد فيها الحرية المطلقة فى خطب الجمعة كيفما شاءوا، فكانت النتيجة ما وصلنا إليه فى 2012 من سيطرة الإسلاميين على المنابر.
وأكد «الهلالى» أن الخلاف بين المجدّدين والمحافظين، صراع منذ الأذل، وسيبقى حتى قيام الساعة، ولن يتوقف يوماً، وبشكل عام فإن هذا التباين مفيد للمصريين، فكل منهم يُبرز أفضل ما عنده، وللمواطن أن يرى ويختار بين الاثنين. من جانبه، طالب الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الفقه الإسلامى بجامعة الأزهر، الرئيس عبدالفتاح السيسى، بإعادة هيكلة المؤسسات الإسلامية، التى تعمل فى جُزر منعزلة عن بعضها، لافتاً إلى أن صراع تكسير العظام الحالى بين مشيخة الأزهر والأوقاف، لا يليق، وأنه طالب «السيسى»، بإنشاء المركز المصرى للوعى الإسلامى.
وأضاف: «الأمور متفاقمة، فالأوقاف فى سباق ومنافسة مع الأزهر، لتكون لها الصدارة من أجل إرضاء الدولة، وفى الوقت نفسه الأزهر يريد ألا تحتل الأوقاف صدارة المشهد، وهذا الصراع يمثل امتهاناً لهيبة العلماء، خصوصاً عندما تخرج بعض القيادات من الطرفين للتشهير ببعضهم البعض، ونحن نريد اتباع الحق والحقيقة، وليس سياسة الثناء والتفخيم والإجلال، فإذا أردت أن تصل إلى حظوة المشيخة، فعليك بكتابة مقال تفخيم، وهذا أمر لا يليق بالعلماء، لأن العهد الذى أخذه الله عليهم كورثة للأنبياء، هو بيان الحق للناس، دون أن يخشوا فيه لومة لائم».
وأشار «كريمة» إلى أن الدولة فاقدة الأمل فى التصدى للإرهاب والتطرّف فكرياً، بدليل أن الرئيس السيسى، يدعو فى كل عام إلى تجديد الخطاب الدينى، والأزمة هى أن هناك كفاءات داخل المؤسسات الدينية، لكنها مهمّشة.
وقالت النائبة آمنة نصير، أستاذ الفلسفة الإسلامية والعقيدة بجامعة الأزهر، إن هناك فجوات بين الأزهر والأوقاف، مضيفة: «أشعر بالحزن والأسف عندما أسمع عن الخلاف بين المؤسستين المعنيتين بالأمور الشرعية والدينية والتثقيفية، بعد أن وصل إلى حد الصدام، ولو سلمت النفوس من الأغراض لسلمتا، خصوصاً أن الخصومة تدمير لقدوة وقدرة المؤسستين، وأتصور أن المستقبل بينهما لا يُبشر بخير».
وتابعت «نُصير»: «مسئولية هذا الدين أكبر بكثير من مناصب الدين والأموال، بينما الإسلام يُضرب فى كل مكان، وفى ما يتعلق بالخطبة المكتوبة، فقد ظهرت من قبل باسم الخطبة الموحّدة، فى محاولة من الأوقاف للاضطلاع بدورها فى الحفاظ على المساجد بعيدة عن السياسة، وتجنُّب ما كان يحدث على المنابر من محاولات للنيل من الدولة وقياداتها، إلا أن فكرة الخطبة الموحّدة ثم المكتوبة، تُعد أسوأ ما قدّمته الوزارة، لأنها تُقوض دور المساجد فى حياة المسلمين».
من جانبه، قال الدكتور نبيل عبدالفتاح، الباحث بمركز «الأهرام» للدراسات السياسية والاستراتيجية، إن الصراع بين الأوقاف والأزهر، صراع قُوى، مضيفاً: «تولد شعور لدى بعض الأزهريين، عقب مشاركة شيخ الأزهر فى 30 يونيو، بأن جميع أركان المؤسسات الدينية يجب أن تخضع للأزهر الشريف، حتى شهدنا بعض المحاولات من وزير الأوقاف الحالى للحصول على هامش من الاستقلال عن شيخ الأزهر وعلماء الجامعة، مما يجعلنا أمام جزء من التوترات والصراعات بين مكونات المؤسسات الدينية للدولة، وهذا الصراع سيستمر ما لم تتصدَ الدولة بحسم وتضع حدوداً فاصلة بين المؤسستين، وبشكل عام فإن هذه التوترات جزء من أزمة الفكر الإسلامى فى مصر».