نائب وزير التعليم العالى لـ«الوطن»: نعد مسودة قانون لتنظيم العلوم والتكنولوجيا بالجامعات
الدكتور عصام خميس، نائب وزير التعليم العالى والبحث العلمى
«لا بحث علمى دون تطبيق»، هكذا يؤمن الدكتور عصام خميس، نائب وزير التعليم العالى والبحث العلمى، متحدثاً لـ«الوطن» عن الوضع الحالى للبحث العلمى فى مصر، والذى كشفته مؤخراً مؤشرات مرصد العلوم التابع لأكاديمية البحث العلمى، والذى فجر بدوره عدداً من المفاجآت، على رأسها تقدم جامعات وليدة ومدن بحثية لم يمض على تأسيسها ثلاث سنوات، مثل مدينة زويل، فى مؤشر التأثير الدولى على مستوى نشر الأبحاث العلمية عالمياً.
«خميس»: باحثو الجامعات الإقليمية و«زويل» الأكثر تفوقاً
ويرى «خميس» أن الاسترشاد بالأبحاث العلمية المصرية كمرجع فى الدراسات العالمية خير دليل على كفاءة البحث، فلم تعد كمية الأبحاث المنتجة بأهمية مقارنة بكيفيتها وتأثيرها العالمى، مطالباً خلال الحوار بضرورة أن تراجع مؤسسات وجامعات مصرية نفسها فى حال اكتشفت نقاط ضعف، والأمر نفسه منطبق على الباحثين أنفسهم، مشدداً على ضرورة أن يتحول المخرج البحثى لمنتج يفيد المجتمع، تأكيداً على دور العلوم فى نهضة الأمم.. وهذا ما أكده بالضبط الرئيس عبدالفتاح السيسى، بحسب «خميس»، حينما طالبهم بضرورة أن يكون البحث العلمى فى خدمة احتياجات المجتمع.
■ بداية.. كيف ترى تفوق مدن بحثية حديثة المنشأ مثل مدينة زويل فى التأثير البحثى عالمياً؟
- مدينة زويل ومدينة الأبحاث العلمية فى برج العرب، من المدن التى يقل فيها عدد الباحثين، إلا أن منتجها البحثى عالى الجودة وله تقدير عالمى، ويتسم بالتميز، خاصة أن معظمهم شباب تخرجوا من جامعات معترف بها عالمياً، بجانب التجهيز العلمى لهذه المدن البحثية العلمية على مستوى عال، ويتخصص الباحثون فى المدن العلمية فيما يسمى بعلوم الصدارة مثل الهندسة الوراثية والتكنولوجيا الحيوية، والمعلوماتية والمواد الجديدة والمتقدمة، وفى مجال البيئة وزراعة الأراضى القاحلة، وهذه المدن هيئة عامة لكنها لا تعمل على الأبحاث التقليدية بل تركز على الجانب التطبيقى.
1404 باحثين بين كل مليون مصرى.. يقابلهم بالدول المتقدمة 3 آلاف لكل مليون شخص.. والرئيس وجه بضرورة أن تكون الأبحاث العلمية ذات تطبيق داخل المجتمع
ومن الملاحظ أن الباحثين فى هذه المدن البحثية لديهم علاقات تعاونية كبيرة مع مؤسسات وباحثين دوليين، وهذا دليل على الاعتراف الدولى بالبحث العلمى المصرى، بخاصة أن 49% من إجمالى النشر العلمى فى مصر مع جامعات غير مصرية، ما يؤكد التعاون الدولى المتبادل، وتأهيل الباحثين المصريين، ومدينة زويل اتولدت قوية داخل المجتمع البحثى العلمى، ومستمرون فى دعمها، وأن خريجى الجامعة لديهم تميز فى الحصول على فرص عمل، والحلم الذى تعمل مدينة زويل على تحقيقه هو حلم لمصر كلها.
■ وكيف ترى تفوق جامعات إقليمية فى مؤشرات النشر الدولى على أخرى مركزية؟
- من الملاحظ تفوق الباحث المصرى بالجامعات الإقليمية، والجديدة بها نشاط فى النشر الدولى بشكل كبير، بخاصة أن معظم الباحثين فيها من الشباب ويسعون دائماً للنشر فى دوريات عالمية، على أن يلتزموا بالاستمرارية والتطوير المستمر لدوام التأثير الدولى للأبحاث العلمية المصرية، التى يصل نسبة الاستشهاد بأبحاثها عالمياً بدرجة 184، وهى أحد المعايير التى نحكم بها على الباحثين، ومن المهم أن تقيّم الجامعات والمؤسسات البحثية باحثيها، بل يجب أن يقيم الباحث نفسه باستمرار، وحال انخفاض مستواه على المستوى الدولى عليه أن يراجع نفسه، ودائماً ما تكون عملية المقارنة فى منتهى الأهمية بين الجامعات، وإعلان مؤشرات العلوم والتكنولوجيا بالجامعات والأبحاث تسهم فى وضع هذا التقييم والمقارنة، ووجدنا أن هناك جامعات عدد أبحاثها أقل بكثير من جامعة القاهرة إلا أن الاستشهاد الدولى والعالمى بها أكثر بكثير من أبحاث جامعة القاهرة، بخاصة فى العلوم الحديثة.
■ ومتى نرى ثمرة تطبيقية لاستراتيجية العلوم والتكنولوجيا؟
- إذا أردنا تحقيق تقدم ملموس فى تطبيق استراتيجية العلوم والتكنولوجيا علينا أن نضع مجموعة من المعايير نسير على ضوئها، بخاصة أن الاستراتيجية مكتوبة بطريقة «طاقة الأداء المتوازن»، وهى جدول كبير يحدد الأدوار والميزانيات والجداول الزمنية للتطبيق، وطرق توفير التمويل، ونسب المخاطر، ونعمل على متابعة هذه المعايير ومؤشراتها التى توضح مدى السير فى الطريق السليم، فمثلاً بالنظر إلى محور التشريعات والقوانين نرى موافقة الدولة الأخيرة على مشروع قانون وكالة الفضاء المصرية الذى سيساعد فى نهضة البحث العلمى، ونعمل حالياً على طرح مسودة قانون لتنظيم العلوم والتكنولوجيا والابتكار على المعاهد والمراكز البحثية والجامعات لمدة أسبوعين، وسنعمل على تجميع هذه الآراء وإعداد المسودة بشكلها النهائى قبل إرساله لمجلس الوزراء، ومن المتوقع أن يرى مشروع القانون النور خلال الفترة المقبلة، وتهدف مسودة القانون لتعظيم العائد من الأبحاث العلمية وتحويلها لمنتج، وإنشاء شركات صغيرة ومتوسطة تعمل على توطين وتطوير الصناعات والتكنولوجيا فى مصر، وهذا هو الفارق بين صناعة تسليم المفتاح والصناعات التى تعتمد على الفكر المحلى.
■ وكيف يمكن رفع مستوى المعامل البحثية خلال الفترة المقبلة؟
- لأول مرة سنعمل خلال الفترة المقبلة على إنشاء معامل لأمان النانو بعد تزايد تطبيقات النانوتكنولوجى، لتجنب أى آثار سلبية لهذه التكنولوجيا، ونعمل على تطوير أنفسنا يومياً، ولدينا مراكز تميز عالية المستوى وبها أجهزة تكلف ملايين فى أماكن مختلفة على مستوى الجمهورية، ولدينا تخصصات علمية متقدمة فى مصر بخاصة الكيمياء، وذلك لأنها لا تحتاج لإمكانيات أو تكنولوجيا عالية لإجراء أبحاثها، بل يمكن الاعتماد على المعامل المركزية لإجراء الأبحاث عليها، ومصر لديها 56 تخصصاً علمياً تتميز بها من بين 10% من دول العالم، بينها الصيدلة والكيمياء التحليلية، تغذية الحيوانات، التى يصل ترتيب مصر بها إلى الـ13 من بين 108 دول، وعلم الحيوانات تحتل مصر فيه المركز الـ28 من بين 182 دولة، كما تحتل مصر المركز الـ8 من بين 154 دولة فى علم الصيدلة والسموم، وفقاً لعام 2015، وتحتل مصر مرتبة من بين أعلى 18% من دول العالم الذين يهتمون بعلم الجينات.
■ مع الإعلان عن موافقة الحكومة على مشروع قانون وكالة الفضاء.. كيف ترى أولوية إنشاء هذه الوكالة؟
- فى حال إنشاء وكالة فضاء مصرية، ستعمل على نقل وتوطين علوم موجودة فى بعض كليات العلوم وهى أقسام الفلك، فى حال وجود أقمار صناعية، لنقل وتوطين علوم تكنولوجيا الفضاء، وتخدم استراتيجية الدولة فى مجال التنمية المستدامة، فمصر تحتاج للوجود بقوة فى مجال الفضاء، فهناك فى أفريقيا مثلاً خمس دول لديها وكالة فضاء، ودراسة الأرض والتربة مثلاً تلزمها الاستعانة بتكنولوجيا الفضاء، ما يساهم فى التعرف على الموارد والثروات الطبيعية، واليوم الذى يصدر فيه قانون الوكالة فى الجريدة الرسمية هو بمثابة تاريخ لإنشاء وكالة الفضاء المصرية، ونعمل على وضع خارطة طريق لمشروعات الفضاء، وكيفية دعم تنفيذها مع الأجهزة المعنية للدولة، كما أن القانون الحالى يساعد فى تنشيط البحث العلمى.
■ وكيف ترى البحث العلمى ضمن أولويات الدولة المصرية؟
- يكفى أن أقول إن الرئيس عبدالفتاح السيسى يوجه بضرورة أن تكون مخرجات البحث العلمية تطبيقية يستفيد منها المجتمع، وهو ما يسمى بالمساهمة العلمية، ونحتاج أن يصل البحث العلمى لمرحلة التصنيع والإنتاج، ونعقد حالياً ورش عمل لتطبيق هذه التوجهات على أرض الواقع، ومن بين مظاهر اهتمام الدولة بالبحث العلمى إطلاق «بنك المعرفة» بداية العام الحالى، الذى أتاح للمجتمع المصرى، سواء من الباحثين أو الطلاب، الاطلاع على كل ما هو مستجد فى التعليم بشكل عام وليس البحث العلمى فقط ليستفيد منه الطفل المصرى قبل الباحث، ومن المهم جداً أن تمتلك الجامعات والمعاهد البحثية إمكانية الدخول على قواعد البيانات العالمية للأبحاث، وهى مكلفة للغاية، ولم نكن نستطيع فى مصر الاشتراك فى كل قواعد البيانات العلمية العالمية، وبنك المعرفة فرصة ذهبية لإتاحة المعرفة للشعب المصرى والعلماء، فقبل أن نمتلك بنك المعرفة كنا نطلب من الباحثين الدوليين إرسال نسخ من أبحاث معينة، وكان يتعذر عليهم فى بعض الأحيان إرسال نسخة البحث نظراً لغيابها عن قواعد البيانات لديه، الآن بضغطة زر يمكننا الحصول على الورقة البحثية فى دقائق معدودة من أى باحث على مستوى العالم، كما يمكن من خلال بنك المعرفة التعرف على مستوى التقدم والضعف فى مستوى النشر الدولى للباحثين المصريين، ما يسهل عمل إحصاءات دقيقة لمؤشرات العلوم والتكنولوجيا، والتعرف على التقدم العلمى فى التخصصات المختلفة للباحثين المصريين، وفقاً لأحدث الإصدارات، وتحميل هذه الإصدارات العالمية مجاناً.
■ كثيرون يتساءلون: متى يقف نزيف هجرة العقول المصرية؟
- وفقاً للمؤشرات البحثية الحديثة للوضع الراهن للبحث العلمى نجد أن بين كل مليون شخص فى مصر لدينا 1404 باحثين، ما يشير إلى زيادة عدد الباحثين سنوياً، فى الدول المتقدمة يصل هذا الرقم إلى 3 آلاف باحث بين كل مليون نسمة، ونحتاج لتنفيذ مشروعات بحثية فى مجالات موجهة مثل تنمية سيناء، أو الطاقة الجديدة والمتجددة، أو تحلية المياه، وهى مجالات يحتاجها المجتمع المصرى، ما يجعلنا نوجه الباحثين تجاه زيادة عائد البحث العلمى للمجتمع، ويوجه التمويل فى هذا الاتجاه، كما يمكن إرسال البعثات الدولية للباحثين المصريين تجاه هذه المجالات البحثية التى تحل مشكلات مجتمعية، ونعمل حالياً، بالتوازى، على تمويل الأبحاث فى العلوم الأساسية، مثل الفيزياء والكيمياء والجيولوجيا والزراعة، ومن المفترض أنه بعد نشر الأبحاث العلمية يصدر عنها براءات اختراع، ونماذج أولية تحتاج لتحويلها لمنتج، وبدأت حركة النشر الدولى تجد نشاطاً ملحوظاً فى مصر ما بعد 2008، بعد إصدار توجيهات للجامعات بضرورة التركيز على النشر الدولى، بخاصة بعد إنشاء صندوق العلوم والتكنولوجيا، ونشجع الباحثين حالياً على نشر براءات الاختراع للحصول على درجات علمية متقدمة، ولدى براءة اختراع ابتكرتها مع مجموعة بحثية من الأساتذة لعمل تحكم فى تآكل المعادن والفلزات داخل صناعات بعينها لاستمرار عمل المعدات، والبراءة تحاول التحكم فى معدل التآكل وتقلله، وتعتمد على وضع قطعة الحديد فى بيئة ما واستخدام حامض معين لتوسيع التربة وخلافه، بخاصة فيما يتعلق بالمعدات التى تستخدم فى استخراج البترول، ومن بين الأمور التى تمكننا من التحكم فى المعادن وضع بعض المواد الكيميائية لها خواص معينة عندما توضع فى هذا الوسط توقف عملية التآكل، وتوصلت براءة الاختراع إلى أنه يمكن من خلال قش الأرز استخلاص كيماويات عندما توضع فى أوساط معينة تقلل من معدلات التآكل، وهو تطبيق جديد لقش الأرز، وهو تطبيق لم يتوصل له حتى الآن على مستوى العالم، وحصلت على البراءة منذ ثلاث سنوات.
■ ولماذا لم تستطع تطبيق براءة الاختراع التى توصلت لها رغم مرور ثلاث سنوات؟
- أحد الأسباب تكمن فى غياب التشريعات، وهو ما دفعنا إلى طرح مسودة قانون تنظيم العلوم والتكنولوجيا والابتكار، التى تتيح تحويل البراءة لمنتج وطنى، للتخلى عن فكرة تسليم المفتاح.