«برج المنوفية السياحى».. تمثيلية الحنين للماضى
حين تنظر إليهن، وهن يتجمعن حول الفرن القديم، تشعر وكأنهن ولدن جانبه، ملابسهن وملامحهن ولكنتهن، حتى طريقة تناولهن للعجين والفطير المخبوز، تذكرك بفلاحات الزمن الجميل، لكنك لا تلبث أن تصطدم بالواقع بعد محادثة قصيرة معهن، فالفرن القديم، والفلاحات المتراصات حوله، والتعاون ومشهد الفطير الساخن، ما هو إلا ذكرى لم يتبق منها شىء سوى بروفة تمارسها 13 سيدة منوفية بالتناوب، داخل برج المنوفية السياحى، فى محاولة لإعطاء صورة لما كان عليه الحال قديماً.
السيدة عزت، تصنع الفطير فى البرج، منذ 10 أعوام، عمرها 38 سنة، تقول: «كل واحدة فينا ليها شغلانة، واحد تعجن، واحدة تبطط، واحدة تدخل الفرن وتطلع منه، أنا بأخبز فى بيتنا برضه، بس مش فى فرن زى ده، ده أحلى طبعاً، الفرن البلدى القديم ما يتعوضش بمال، ولا فى حاجة تخلى طعم الأكل حلو زيه، عندى فى البيت بعمل الفطير فى فرن غاز، أصل معادش خلاص أفران قديمة، الفطير مبقاش أصلى، لكن هنا عشان الفرن قديم، عارفين نعمله للأفندية اللى مابتعرفش تعمل فطير، والناس اللى ماعشتش فى الفلاحين عشان يعرفوا طعمه عامل إزاى».
رضا محمد الصباحى، واحدة من الموجودات حول الفرن، كشفت سراً يمكن ألا تبوح به كثيرات، السيدة ذات الـ38 ربيعاً، اعترفت: «ماتعلمتش أعمل فطير غير هنا، كان عمرى وقت ما اشتغلت 25 سنة، مش معنى إنى فلاحة إنى أكون بأعرف أخبز، ماكنتش بعمله فى بيتنا، كل الستات اللى هنا اتعلموا عمايل الفطير هنا، اللى علمونا كانوا ناس كبيرة عننا، الله يرحمهم بقى، راحو للى خلقهم، منهم الحاجة أم وحيد، والحاجة أم سامى، علمونا إزاى نخبز على الفرن البلدى، وإحنا هانعلم اللى بعدنا وهكذا».
تنعى فاطمة رشاد، ذات الـ55 سنة، من قويسنا البلد، الأفران البلدى: «باشتغل من سنين مش فاكرة عددها، فى البيت عندنا فرن غاز، لكن هنا عندنا الفرن البلدى، لا بيتعمر بجاز ولا غاز، البلدى حلو طبعاً، بيطلع الحاجة مستوية وليها ريحة الخبيز اللى بجد، لكن الله يرحم الأفران البلدى بقى، راحت لحال سبيلها، الخلق هدوها وحطوا مكانها أفران الغاز».
تصنع جمالات عبدالخالق، 47 سنة، من قويسنا، الفطير فى البرج منذ 15 عاماً، وتتفاخر لمن يحدثها أن فطيرها غارق فى القشدة والسمن البلدى، لكنها لا تلبث أن تعترف هى الأخرى بالسر الذى سبقتها رضا للبوح به، وتهمس: «إوعى تغرك الجلابية الفلاحى، مش كل فلاحة تعرف تعمل الفطير المشلتت، وأكل العيش يخلى الفلاحة المكسلة تتعلم عمايل الفطير».