«الوطن» تكشف فى تحقيق استقصائى خطير.. عصابات لبيع الأجنة فى بطون الأمهات
تورط بعض المستشفيات الخاصة فى عمليات الإجهاض وشراء الأجنة
«فى لحظة ضعف وقعت فى الخطأ مع شاب جمعنا الحب وتقدم إلى خطبتى، وبسبب المشاكل انفصلنا، وعندما قررت التخلص من الجنين طلبت منى زميلتى (ن) عدم إجراء عملية إجهاض والانتظار حتى يكتمل الجنين ثم ولادته وأخبرتنى بأنها متكفلة بتخليصى منه».. هكذا بدأت «د.ح»، فتاة من مدينة المحلة الكبرى بمحافظة الغربية فى رواية قصتها، بمزيد من التفاصيل تسترجع «د» وقائع قصتها فتقول إنها سافرت إلى شرم الشيخ للعمل فى كوافير للسيدات، وهناك تعرفت على أحد الشباب، ونشأ بينهما حب وتقدم بالفعل إلى خطبتها، وبعد تعرضها لخداع منه استسلمت له، وعندما حملت منه تخلى عنها، حينها رغبت فى التخلص من الجنين عن طريق الإجهاض غير أن زميلتها «ن» طالبتها بالانتظار حتى تلد وساعتها تستطيع أن تبيع المولود.
إخطارات ولادة وشهادات ميلاد مزورة بأسماء المشترين تتم داخل مكاتب الصحة.. والممرضة طلبت من الأم شراء الجنين بـ1500 جنيه بدلاً من إجهاضها
«د.ح» كانت واحدة ممن فتحت أمامنا الطريق للعمل على هذا التحقيق، حملت الفتاة سفاحاً، ونصحتها زميلتها «ن» ببيع طفلها بعد ولادته، بدلاً من أن تتخلص منه عن طريق الإجهاض، رسمت الزميلة لها الخطة، أخبرتها أنها على علاقة بإحدى الممرضات تقيم فى مدينة المحلة، وأن هذه الممرضة سوف تأخذ المولود عقب ولادته مباشرة وستساعدهم فى بيعه، وأكدت لها أن تلك الممرضة سبق أن ساعدت عدة فتيات أخريات حملن سفاحاً، بأن أخذت منهن المواليد، عقب الولادة، وأجرت لهن عمليات رتق غشاء البكارة مرة ثانية بناءً على رغبتهن.
وبالفعل، تواصلت «د» مع الممرضة، عرفت أن اسمها «ن.أ»، عرضت عليها الأخيرة أن تشترى منها الطفل بمبلغ 1500 جنيه، وقبل الولادة بأسبوع سافرت «د» من شرم الشيخ حيث تعمل فى محل كوافير، إلى المحلة، وتم إجراء عملية الوضع على يد طبيب نساء وتوليد داخل عيادة خاصة. تروى «د»: «قعدت فى المستشفى يومين، ولدت من غير ما أشوف المولود، وبعد شهرين رجعت المستشفى تانى وعملت عملية ترقيع لغشاء البكارة، وأنا زى الفل دلوقتى وكأن مفيش حاجة حصلت لى».
«د. ج»: حملت سفاحاً ونصحتنى زميلتى ببيع الجنين واتفقت مع ممرضة فى المحلة وطبيب أجرى عملية الولادة وبعدها عملت ترقيع ودلوقتى أنا زى الفل
لم يكن دافع «د» فى التخلص من الجنين إلا بسبب نظرة المجتمع للفتاة التى وقعت فى خطأ أو تعرضت إلى اغتصاب أو خداع من قبل خطيبها، كما تؤكد، إذ يراها الناس «ما تنفعش تكون زوجة أو أم». أما عن الممرضة التى ساعدتها فى التخلص من الطفل فقد علمت أنها تتصرف فى المواليد السفاح بمعرفتها، مقابل مبالغ مالية تأخذها من الأم، دون أن يعود على الأم أى منفعة مادية سوى التخلص من طفلها، منحتنا «د» رقم تليفون الممرضة، وكان شرطها: قبل ما تتكلموا معاها فى أى حاجة لازم تعرّفوها الأول إنكم من طرفى وإنى زميلة «ن»، وأخذتم رقم تليفونها منى علشان تثق فيكم وتعطيكم الأمان.
فى اليوم ذاته تم الاتصال بالممرضة، وأبلغناها بأننا من طرف «د.ح»، زميلة «ن»، ولدينا فتاة حامل وترغب فى التخلص من مولودها عقب الولادة، تساءلت عن مدى معرفة أحد من أهل الفتاة أو الشاب بواقعة الحمل، قائلة: «مفيش مشكلة إنى آخذ الطفل، لكن لو حد هيدور ورانا بلاش منها.. خلينا صُرحا من الأول». اختلقنا لها قصة: «البنت اللى عايزة تتخلص من مولودها بتشتغل فى مكان بعيد عن أهلها، وبقالها فترة طويلة ما سافرتش لأهلها، عشان خايفة من الفضيحة، وبتتحجج لأهلها بالشغل»، وجاء رد الممرضة: «الدكتور فى بعثة فى الخارج، ومش هيرجع إلا بعد شهرين، لكن مفيش مشكلة، إحنا هنولدها برضه، وهاخد المولود عادى، وبعد شهرين تيجى تانى لإجراء عملية غشاء البكارة لها يكون الدكتور هنا»، سألناها عن مصير المولود، قالت: «ده شىء ما يخصكمش، اللى يهمكم تخلصوا من الفضيحة اللى انتم فيها، واطمنوا الطفل هتاخده أسرة ما بتخلفش، هتربيه كويس، مش هنرميه فى الشارع يعنى»، لافتة إلى أن تكاليف عملية الولادة وغشاء البكارة تتحملها الفتاة، وأنها ستأخذ مقابلاً مادياً نظير التصرف فى المولود، سألناها عن قيمة المقابل المادى، قالت: «أنا بخلصكم من بلوة ومصيبة، وهاخد ألفين جنيه بس، وكده هابقى عاملة معاكم واجب علشان «ن»، و«د.ح»، وعندما أردنا التفاوض معها لتقليل المبلغ بداعى أنها ستحصل على مقابل مادى من بيع المولود رفضت قائلة: «أنا باخد عمولتى منكم، مالكمش دعوة باللى باخده من الناس اللى هياخدوا الطفل، أنا بخلصكم من مصيبة وكارثة، وممكن تشوفوا حد غيرى»، بعد الموافقة على دفع المبلغ المطلوب وقبل أن تنهى الممرضة حديثها معنا استفسرت منا عن نوع الجنين «ذكر أم أنثى»، وبمجرد علمها بأنه ذكر وفى الشهر الثامن امتلأ صوتها بالسعادة والفرح قائلة: «هايل جداً جداً»، مطالبة بأن تتحرك الفتاة كثيراً وعليها أن تمشى كثيراً، وأن نحضرها فى اليوم المحدد لولادتها مباشرة، على أن يتم إخبارها قبل ذلك بيومين عن طريق الهاتف من أجل التجهيز للعملية.
بعد المكالمة الهاتفية حاولنا مقابلة الممرضة داخل العيادة، غير أنها رفضت بدعوى أن الدكتور «م» خارج البلاد فى مؤتمر طبى، والعيادة مغلقة لحين عودته، وأنها سافرت إلى نجلتها المريضة فى القرية وتقوم برعايتها، وعندما طلبنا منها مقابلتنا بحجة دفع جزء من المبلغ المتفق عليه مقابل تصرفها فى المولود، أخبرتنا بأنه لا داعى لذلك، وأنها تفضل دفع المبلغ جملة واحدة يوم عملية الولادة.
بعد مرور 3 أيام، عاودنا الاتصال بالممرضة مرة أخرى لنخبرها أن الفتاة أجرت أشعة السونار، والطبيب أخبرها أنه من المقرر أن تجرى عملية الوضع خلال أسبوع، لم تترك لنا الممرضة الفرصة ننهى معها حديثنا، وبادرتنا بصوت مرتفع وبشكل عصبى قائلة: «انتم بتهرجوا ولا إيه؟ أنا اتفقت مع الناس على شهر وفقا لكلامكم معايا، والناس سافرت عشان تقضى إجازة عيد الميلاد، اقفلوا دلوقتى وهرد عليكم».
انتظرنا اتصالاً منها، وفى اليوم التالى بادرنا نحن بالاتصال، لتخبرنا أنها بجوار نجلتها المريضة ولن تقدر على تركها فى الظروف الحالية، وعلى الفتاة السفر إلى شرم الشيخ، وستكون فى انتظارها هناك «ن»، وستوفر لها كل شىء، وستأخذ المولود منها، وبالنسبة لعملية غشاء البكارة عليها أن تأتى بعد شهرين وسيتم إجراؤها لها، وباستفسارنا منها عن مبلغ الألفين جنيه قالت: ألفين جنيه إيه اللى واجعين دماغى بيهم؟ دول بجيب بيهم شنطة وجزمة، إحنا عاملين لكم إكرامية علشان «د.ح»، وعشان من طرف «ن»، مختتمة كلامها بقولها: ابقوا ادوا الفلوس لـ«ن».
لم يمر وقت طويل حتى تلقينا اتصالاً هاتفياً من «د.ح»، تستفسر عن موعد وصول الفتاة الحامل إلى شرم الشيخ حتى يمكن إعدادها لعملية الولادة، لم يكن أمامنا إلا أن ندعى بأن الفتاة تعرضت لنزيف مفاجئ وبسببه توفى الجنين، وذلك لعدم السفر إلى هناك، وفى اليوم التالى عاودنا نحن الاتصال بها بعد أن وجدنا هاتف الممرضة مغلقاً، وباستفسارنا منها عن مدى علاقتها وزميلتها «ن» بالممرضة، أخبرتنا أنهن يَقُمن بالاشتراك مع آخرين فى التجارة بالأطفال حديثى الولادة وبيع الأجنة فى بطون الأمهات، فعرضنا عليها التوسط لنا عندهما من أجل شراء مولود لأسرة ثرية لا تنجب، وترغب فى تبنى طفل، وذهبت للعديد من الملاجئ لتبنى طفل لكنها لم تتمكن من ذلك، ما جعلها تفكر فى الشراء، وهى مستعدة لدفع 50 ألف جنيه، جاء ردها باستهانة: الـ50 ألف جنيه دول «ن» بتصرفهم فى أسبوع، الناس دى بيتعاملوا بالعملات الأجنبية، وعملاؤهم من دول الخليج، والمقابل المادى يتخطى أضعاف المبلغ اللى بتتكلم عنه.
وفى نهاية المكالمة طلبت منا عدم الاتصال بها مرة أخرى حتى لا يؤثر ذلك على عملها، مشيرة إلى أنها عندما أخبرت «ن» بأن الفتاة تعرضت لنزيف والجنين توفى داخل رحمها، عنفتها بشدة موجهة لها سباباً قائلة لها باستنكار: «هو كلام عيال.. بعد ما اتفقنا مع الناس تقولوا حصل لها نزيف والجنين مات؟!»، وبسؤالنا لها عن الأشخاص الذين اتفقت معهم على بيع الطفل، قالت إن «ن» على علاقة قوية برجال أعمال فى دول خليجية يشترون الأطفال حديثى الولادة، كما أنها على علاقة بموظفين فى مكاتب الصحة لتسهيل إجراءات قيد الأطفال فى دفاتر وسجلات المواليد بأسماء المشترين، وآخر تلك العمليات بيع طفلة إلى رجل خليجى مقابل 750 ألف جنيه، وأنها تساعد الفتيات اللاتى يعملن فى شرم الشيخ، ويُقِمن علاقات غير مشروعة مع الرجال ينتج عنها حمل سفاح، حيث تطلب منهن الصبر على الحمل وعدم الإجهاض، مقابل مبالغ مالية كبيرة، نظير حصولها هى على المولود منهن ثم تقوم ببيعه إلى رجال أعمال خليجيين.
كان علينا أن نسافر إلى شرم الشيخ لنلتقى «ن»، فى محاولة للتعرف منها على تفاصيل أكثر، وبالفعل سافرنا وبحثنا كثيراً عن «ن»، طبقاً للمعلومات المتوافرة لدينا عنها، فلم نتمكن من الوصول إليها، ما دفعنا إلى الاتصال بـ«د.ح» وسؤالها عن زميلتها، وجاء ردها بأن «ن» سافرت خارج البلاد مع زوجها الأجنبى، ورفضت أن تدلنا على عنوانها خوفاً على حياتها، وخوفاً من تعرضها لأى أذى فى حالة انكشاف أمرها بأنها على تواصل معنا، معلقة: «دى إنسانة مفيش فى قلبها رحمة، تقتل أبوها علشان مصلحتها»، هكذا أنهت «د.ح» مكالمتها الهاتفية معنا قبل أن تغلق هاتفها تماماً، حتى كتابة هذه السطور.