المواطن مصدر «المتاهة» وضحيتها فى الوقت نفسه: يصحى على «كدبة» وينام على «نفيها» ومحدش عارف «مين بيقول الحق»
«صبرى» يعمل على تاكسى
حالة من البلبلة تصنعها الشائعات، يفقد معها المواطن قدرته على معرفة «الصح من الغلط»، متاهة من شائعة إلى أخرى، ومن معلومة مضللة إلى أخرى، ومن نفى متكرر إلى «نفى النفى» فى أحيانٍ كثيرة، دون أن يجد وسط كل ذلك من يدله أو «ينوّر بصيرته».
كثيراً ما يتعلق الأمر بالسياسة، لكن الأخطر حين يكون موضوع «البلبلة» يتعلق بأكل العيش، حسبما يؤكد «صبرى» الذى يعمل سائقاً على «تاكسى» يتنقل من خلاله بالزبائن بين شوارع ومناطق القاهرة، «الحاجة لو ليها دعوة بوزير أو مسئول أو حتى رئيس، أهى بتعدى مع الوقت والناس مش بتركز قوى، لكن اللى بيوجع لما تكون متعلقة بلقمة العيش، يعنى مثلاً تلاقى حد يقولك الحكومة هتاخد من كل واحد عشرة جنيه كل يوم علشان القضاة، ولا علشان الشرطة، هو إحنا معانا كام عشرة جنيه أصلاً، وهتحصلهم إزاى إن شاء الله، هنعدى على كمين ياخد منى فلوس ضريبة للقضاة، كلام بايخ، ولو بجد يبقى الثورة هتقوم تانى، ولو بهزار يبقى هزار دمه تقيل من صاحبه»، الرجل الخمسينى يعرف أن كثيراً من تلك «الصدمات» التى تصل إليه تكون كاذبة، وشائعات غرضها زيادة الغضب بين المواطنين: «فيه كلام بيكون باين إنه كدب، زى موضوع لما قالك النيل بيجف، والنيل هيبقى فاضى بعد كام شهر، لكن فيه حاجات تانية بتدخل على الواحد بصراحة، خاصة إن حكومتنا ماتسترش، والواحد متوقع أى حاجة فى أى وقت».
«صبرى» سائق تاكسى: باسمع كل يوم 100 إشاعة.. والحالة الصعبة «بتخلى الناس تصدق» والحكومة «ماتسترش»
عمله بين المواطنين يومياً فى وردية تستمر لأكثر من 8 ساعات، وحديثه المستمر مع زبائنه، جعله على دراية بحالة الشارع، أو ما يشبه قياس الرأى العام، حسبما يشير: «أنا طبعاً بقدر أقيس المسألة وأنا قاعد فى عربيتى، بعرف إذا كانت الناس مبسوطة، متضايقة، حاسة بأمل ولا إحباط. بعد 30 يونيو كانت الروح فى الطالع بصراحة، برغم إن الأوضاع كانت زفت وإرهاب وعنف وأيام كتير من غير شغل، بس الناس كانت متحملة ومبسوطة ما عدا كام واحد بعرف غالباً إنه إخوانى أو من اللامؤاخذة بيحترموهم، لكن بعد كده الوضع اتغير، خاصة فى الكام شهر أو الأسبوع الأخيرة، ناس كتير حاسة إنها مضغوطة، وطبعاً موضوع الشائعات بيزوّد من الحالة وبيخليهم يخافوا أكتر»، لا يعرف «صبرى» إذا كانت الحكومة على دراية بما يقوله أم لا، لكنه فى كل الأحوال يتمنى أن تتغير الأمور للأفضل: «والله كلنا عايزين الأحسن لبلدنا، بس الناس تشتغل شوية والحكومة تاخد بالها وتصحصح للغلابة، خدوا من اللى فوق وادوا اللى تحت، ساعتها لا شائعة هتأثر ولا كدبة حتى هيسمع بيها».
«عرفة»: «اللى بيكرهوا الشائعات وبيهتموا بنشر النفى عددهم قليل خوفاً على مصداقيتهم»
شائعات كثيرة يسمعها المواطن قد يسخر منها فى بادئ الأمر، لكن مع مرور الوقت تتحول لديه إلى شبه حقائق، خاصة أن المعلومة المضللة غالباً ما تحقق رواجاً واسعاً يفوق بمراحل نفيها الذى عادة ما يكون على أضيق نطاق ولا ينجح فى محو تأثير الشائعة تماماً، يقول المهندس حازم عرفة، إن الذين يكرهون الشائعات ويهتمون بنشر النفى والتكذيب أصبحوا فئة قليلة ممن لديهم الأمانة، بينما عموم الناس يهتمون أكثر باستغلال الشائعة بهدف تشويه الخصم أو لدعم وجهة نظرهم حتى لو بالكذب، وأحياناً يخشى بعض الناس الاعتراف بأنهم قاموا بنشر شائعة دون علم منهم بكذبها، وذلك خوفاً على مصداقيتهم، رغم أن الاعتراف بالخطأ مدعاة أكبر للمصداقية فيما بعد، يرى أن الأمر متعلق بثقافة وأخلاق فى المقام الأول: «كتير من الناس فى مصر أصابها التعصب فى الرأى، أكبر ساحة للخلافات اللى بيظهر فيها التعصب هى السياسة». «حازم» الشاب الثلاثينى الذى يهتم عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك» بتوضيح الحقائق فى بعض الموضوعات والقضايا، يرى أن كثرة الشائعات اليومية لا تعطى فرصة للحكومة بالتصدى لها بشكل كاف، مشيراً إلى أن الجميع يجب أن يقوم بدوره للحد من تلك الظاهرة، سواء الصحف أو القنوات، وبعضها بحسبه يثير عناوين مغلوطة فى أحيان كثيرة من أجل الانتشار والمشاهدة، «وده بيتسبب فى نشر إشاعة تنتقل كالنار فى الهشيم ويتداولها الناس ونلاقى مئات من المشاركات من صفحات الفيس بوك والتويتر وتكون الإشاعة أخدت وضعها وثبتت فى أذهان الناس»، كما أنه يتمنى من كل مواطن أن يؤدى دوره ولا ينساق وراء أى شائعة: «بتمنى من الناس التحقق دايماً قبل نشر الخبر أو ترديد اللى سمعوه، ومن كثرة الإشاعات أنا نفسى بقع فى خطأ نشر خبر غير صحيح، لكن لما بتأكد إنه إشاعة باحذفه وبنشر التكذيب».