«قلعة العريش».. آخر ما تبقى من الآثار الفرعونية بسيناء «فريسة» للإهمال
قلعة العريش تعتبر بوابة مصر الشرقية
ظلت «قلعة العريش» لقرون طويلة واحدة من أهم قلاع مصر على بوابتها الشرقية، ومنذ أن بناها الفراعنة قبل الميلاد، حتى عودة سيناء إلى السيادة المصرية، شهدت أسوارها العديد من الحروب، التى تركت آثارها عليها، سطرتها كتب التاريخ على مدار العصور المختلفة. وتقع القلعة على هضبة مرتفعة جنوب غرب مدينة العريش، وكانت لسنوات طويلة مقراً للحكم فى شبه جزيرة سيناء، التى كانت محافظة واحدة، قبل أن يتم تقسيمها إلى محافظتين، ويشير تاريخها إلى أن آخر عملية ترميم خضعت لها كانت فى عصر السلطان العثمانى «سليمان خان الأول»، المعروف باسم «سليمان القانونى»، عام 1560 ميلادية، 968 هجرية، حينما جلب لها حامية من «البوشناق»، البوسنة والهرسك حالياً، وترجع أنساب معظم عائلات العريش إلى هذه الحامية، وثمة رواية تتناقلها الأجيال، لا يوجد أساس تاريخى لها، تشير إلى أن والى مصر «محمد على باشا» هو من قام بتسريح أفراد حامية القلعة مطلع القرن الـ19.
ويكشف أحد أبناء العريش، نقلاً عن واحد من أهم «وجهاء» المدينة، يُدعى «حسين المغربى حجاب»، أن القلعة بُنيت فى عصر الفراعنة، وتحتوى جدرانها على نقوش باللغة المصرية القديمة، وأُعيد تجديدها وترميمها خلال العصور التاريخية المختلفة، مؤكداً أن «قلعة العريش هى الأثر الشهير الوحيد المتبقى فى مدينة العريش، منذ العصور القديمة».
ووفقاً للناقل نفسه، فإن جدران القلعة كانت تضم داخلها أماكن لإقامة الجند وأفراد الحامية، بالإضافة إلى نفق صغير يؤدى إلى البحر المتوسط مباشرةً، الذى يبعد حوالى كيلومترين، وكان يتم استخدام النفق فى أوقات الحروب، لمهاجمة السفن المغيرة على المدينة من البحر.
ويقول «عادل رستم»، نائب رئيس مؤسسة «حياة» بالعريش: «يجب أن يكون هناك مشروع كبير تشرف عليه كلية الإعلام بسيناء وجامعة العريش، لإعادة ترميم وتأهيل قلعة العريش، باعتبارها المعلم التاريخى الوحيد بالمدينة»، بينما يقول «عبدالعزيز الغالى»، أحد المهتمين بآثار العريش، إن «قلعة العريش شهدت أحداثاً تاريخية كثيرة، وأهمها المعركة التى اندلعت بين جنود الحملة الفرنسية، بقيادة نابليون بونابرت، وبين جنود مصريين، وهى المعركة التى انتهت باستسلام القوات المصرية، ولكن الدولة العثمانية أرسلت جيشاً كبيراً، بقيادة يوسف ضيا باشا، حاصر القلعة حتى استسلمت له الحامية الفرنسية».
دمرها الفرنسيون خلال الحرب العالمية الأولى واحتلها الإسرائيليون مرتين وأهملتها الحكومة لسنوات.. ووجهاء سيناء يطالبون بإنقاذها وإحياء تاريخها لتعزيز الانتماء لدى الأجيال المقبلة
كما شهدت القلعة توقيع «اتفاقية العريش»، فى يناير 1800، التى نصت على انسحاب الجنود الفرنسيين من المدينة فى غضون 3 شهور، ووقع عليها قائد الحملة الفرنسية آنذاك، الجنرال «كليبر»، وأضاف «الغالى» أن القلعة تعرضت إلى تدمير شديد، نتيجة ضرب سفن الأسطول الفرنسى لها خلال الحرب العالمية الأولى، كما وقعت تحت الاحتلال الإسرائيلى مرتين، عام 1956، وعام 1967، حتى عادت العريش كاملة إلى السيادة المصرية عام 1982.
ويحيط بـ«قلعة العريش» سور مربع يبلغ ارتفاعه حوالى 8 أمتار، وطول كل من ضلعيه الشرقى والغربى 75 متراً، بينما طول الضلعين الشمالى والجنوبى 85 متراً، وفى أعلى السور تنتشر «المزاغل»، أى الفتحات الصغيرة، التى كانت حامية القلعة تستخدمها لضرب النار من خلالها، وصد أى هجوم محتمل على القلعة، ويوجد فى كل ركن من أركان السور الأربعة «برج مدفع»، وفى أسفل كل برج يوجد مخزن «جبخانة» لتخزين القنابل والذخيرة.
وبحسب عدد من الباحثين، فإن القلعة كان يحيط بها «خندق» كبير، يمنع اقتراب القوات الغازية من السور، ولكن هذا الخندق لم يبق له أى أثر الآن، بعد أن ردمته الرمال، نتيجة الإهمال، وبعد زحف عشرات البيوت والمحال التجارية إلى سور القلعة، لدرجة أن الباب الرئيسى للقلعة، وهو باب مصفح بالحديد يرتفع لنحو 5 أمتار، أصبح يتوسط سوق البلدة.
وإلى جانبى الباب من داخل السور، يوجد 3 غرف، إحداها إلى اليمين، وفيها مقر «بوليس القلعة»، بينما تضم الغرفتان إلى يسار الباب خزنة المحافظة ودفاترها القديمة، وفى صحن القلعة يوجد مبنى كبير بطبقتين، الطبقة العليا تضم منزل «الناظر» و«مفتش المحافظة»، فيما تضم الطبقة السفلى ديوان كتاب المحافظة، وإلى الجانب الشرقى من السور، يوجد مكتب الناظر، والمحكمة الجزئية، ومكتب التلغراف والبريد، وإلى الجنوب منازل «البوليس»، ومسجد يُعرف بـ«الجامع العباسى»، تم إنشاؤه سنة 1898، وبين المبنيين فى الوسط والجنوب، توجد حديقة صغيرة، ويوجد بينها وبين بناء الشرق بئر مطوية بالحجر، عمقها حوالى 88 قدماً وقطرها 4 أقدام، يميل ماؤها إلى الملوحة، يستعمل للغسل وسقاية الحديقة والبغال والحمير والخيول والجمال.
ووفق الروايات التاريخية فإن صحن القلعة كان يحتوى على حوض أثرى من «الجرانيت الأحمر»، له قاعدة هرمية الشكل، طوله 107 سنتيمترات، وعرضه 80 سنتيمتراً، وارتفاعه 60 سنتيمتراً، وقد نقش على جدرانه الأربعة كتابة بـ«الهيروغليفية»، موضوعها الإله «شو»، ويُقال إن هذا الحجر نُقل إلى القلعة فى «عصر مجهول»، و«لسبب مجهول» أيضاً، من مدينة «جوشن» القديمة، وهى قرية «صفط الحنة» بمحافظة الشرقية حالياً، وبقى فى العريش إلى أن نقلته مصلحة الآثار إلى متحفها بالقاهرة سنة 1907، بحسب بحث أجراه طلاب جامعة سيناء لآثار العريش. وتوجد 6 حجارة من الرخام أعلى باب القلعة، وضعت فوق بعضها فى خط عمودى، ونُقشت عليها بعض الآيات القرآنية وأبيات شعر باللغة التركية يعود تاريخها إلى عام 1214 هجرية، 1799 ميلادية، منها «وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللهِ»، أما ترجمة الأبيات فتقول: «لما أتى بعون الله السلطان لفتح الحصن، أمدته الملائكة كلها فى هذا الفتح الأغر».
ويقول «عادل رستم»، أحد وجهاء العريش: «للأسف الشديد، لم يبق من القلعة إلا أجزاء من السور الخارجى، يحيط بها تجمع لمحلات الحدادين والنجارين، وبعض الحوانيت القديمة، التى تشير إلى ماضى القلعة والمدينة، بالإضافة إلى مواضع حول مكان القلعة القديم، تُقام بها سوق شعبية كل خميس»، ويضيف أن «الجامع العباسى، الذى كان جزءاً من القلعة، باقٍ على حاله، وتم تجديده أكثر من مرة»، وكانت وزارة الآثار قد أرسلت منذ عدة سنوات، بعثة أثرية للتنقيب فى موقع القلعة، وقامت بالفعل بإجراء بعض الحفريات، ولكن أعمالها توقفت وردم معظمها، نتيجة الأوضاع الأمنية الحالية فى سيناء.
ويشير «اللواء عادل لبيب»، أحد وجهاء العريش من المهتمين بتاريخ القلعة، إلى أنه «فى بداية العشرينات، كانت القلعة لا تزال موجودة، بدليل الوصف الوافى، الذى وصفه (نعوم شقير) لها وضمنه صورة فوتوغرافية لبابها، وهذا ما يدحض الرواية المتداولة عن تدمير محمد على لها وتسريح حاميتها، وإن كان العكس هو الصحيح، فعلى يديه تمت عمارتها، وعمل محافظة تدار من خلالها»، مضيفاً أن «الملك فؤاد أراد عمل استراحة له فى المدينة، واختار موقعاً لها بجوار مستشفى العريش، وبدلاً من جلب الحجارة من الجبل، تم تفكيك حجارة القلعة، وبناء الاستراحة بحجارتها، وما بقى من حجارتها تم بناء مستشفى العريش القديمة به، كما تناقلت الأخبار عن الأجداد»، لافتاً إلى أن «أهالى سوق الخميس يكررون الآن ما فعله الملك فؤاد، حيث يفككون حجارة القلعة، ولكن ليس لعمل استراحة، بل لبناء البيوت والمحال التجارية التى زحفت إلى سور القلعة، وأدت إلى انتشار الباعة الجائلين، فى غفلة تامة من الدولة والمسئولين».
ويؤكد العديد من «وجهاء» المدينة أنه يجب أن تدرك الحكومة، ممثلة فى وزارتى الثقافة والآثار، أهمية قلعة العريش، وإنهاء معاناتها الطويلة من الإهمال، باعتبارها من أهم المعالم التاريخية بالمدينة، ودليل على انتمائها للدولة المصرية القديمة، وتعزيز انتماء أبنائها لمصر الحديثة.