الصراعات والنزاعات الإقليمية تعرقل قيام الدولة.. و«نيويورك» تايمز»: تركيا تسعى للقضاء على الأكراد تماماً.. و«ديلى بيست»: ترتكب مجازر ضدهم
جبهات عدة يحارب عليها الأكراد من أجل الحلم المنتظر
«دولة الأكراد» حلم كان ولا يزال يتردد صداه فى ذهن وقلب كل كردى، حتى ولو كانت الظروف قد أجبرتهم على الشتات فى عدد من الدول مثل سوريا والعراق وتركيا، فهم يعيشون على أمل أن تجمعهم فى يوم ما بلاد واحدة. وقد بدأ هذا الحلم يتجدد قبل أشهر، وتحديداً فى مارس الماضى، حيث أعلن أكراد سوريا إقامة نظام فيدرالى فى مناطق سيطرتهم بشمال البلاد خلال اجتماع عُقد فى مدينة «رميلان» بمحافظة «الحسكة»، وسط معارضة دولية ومحلية. وسبق أن دعا رئيس إقليم كردستان العراق، مسعود بارزانى فى فبراير الماضى إلى إجراء «استفتاء غير ملزم» حول الاستقلال، إذ طالب الأكراد فى العراق بتوسيع دائرة الحكم الذاتى فى السنوات الأخيرة، خصوصاً بعد استيلاء تنظيم «داعش» على مناطق فى العراق.
لم تكن هذه المرة الأولى التى يطالب فيها الأكراد بالاستقلال، فهو مطلبهم على مر العصور، منذ عصر الدولة العباسية، وتجددت هذه الدعوات مرة أخرى فى مطلع القرن الـ20 وتحديداً بعد هزيمة الدولة العثمانية فى الحرب العالمية الأولى، حيث وضعت الدول الغربية فى ذلك الوقت تصوراً لدولة كردية فى معاهدة «سيفر» عام 1920، إلا أن هذه المحاولات باءت بالفشل بعد توقيع معاهدة «لوزان» التى وضعت الحدود الحالية لدولة تركيا، بشكل لا يسمح بوجود دولة كردية. وانتهى الحال بالأكراد كأقليات فى عدة دول كتركيا وسوريا والعراق وأرمينيا وإيران.
يشكل أكراد تركيا 56% من مجموع الأكراد فى العالم وما يقرب من 20% من إجمالى سكان تركيا، ويتركزون فى الجنوب الشرقى من الأراضى التركية. وعلى مر التاريخ نشبت الكثير من النزاعات بين السلطات التركية والأقلية الكردية هناك، فبعد سقوط الخلافة العثمانية وإقامة الجمهورية التركية الحديثة، تبنى مصطفى كمال أتاتورك نهجاً سياسياً يتمحور حول إلزام انتماء الأقليات العرقية المختلفة فى تركيا باللغة والثقافة التركية، وكانت من نتائج هذه السياسة منع الأكراد من ممارسة لغتهم ومن تشكيل أحزاب سياسية، وكان مجرد التحدث باللغة الكردية عملاً جنائياً حتى عام 1991.
ويبلغ تعداد الأكراد نحو 40 مليون نسمة، وهى أعداد كفيلة بإقامة دولة مستقلة، إذا قورنت بدول أخرى موجودة على خريطة العالم لا يتحاوز عدد سكانها نصف مليون نسمة. لكن الأكراد يواجهون كثيراً من المشكلات، تحول دون قيام دولة مستقلة لهم، بعضها يعود إلى الأكراد أنفسهم وأخرى مرتبطة بالقوى الإقليمية فى المنطقة، ما خلق جدلية مستمرة فى النظرة إلى الأكراد، إما باعتبارهم ضحايا ظلم تاريخى، أو النظرة إليهم باعتبارهم خنجراً فى ظهر الدولة التى توجد بها تلك الأقلية.
ويقول الكاتب الألمانى لارس هوتش، فى مقال نشر بتاريخ 9 أغسطس الماضى، إنه «بالرغم من تحقيق الأكراد بشمال سوريا استقلالاً ذاتياً فعلياً، فإن إقامة دولة كردية لا يزال حلماً بعيد المنال، وهذا الأمر ينطبق على أكراد سوريا أو (روج آفا) التى تعنى كردستان الغربية، والأمر ذاته ينطبق على الأكراد فى شمال العراق، وكذلك الأكراد فى إيران وتركيا».
ويذكر الكاتب الألمانى 3 أسباب رئيسية لهذه المعضلة، هى الصراعات الفكرية بين الجماعات السياسية الكردية، ووجود مجموعة من العقبات السياسية، إلى جانب الصراع من أجل النفوذ بين القوى الإقليمية، مشيراً إلى سيطرة «الحزب الديمقراطى الكردستانى» و«الاتحاد الوطنى الكردستانى» هناك. ولفت إلى أن المجموعات الكردية التى تعتنق الفكر الإسلامى، وإن كانت لا تملك نفس النفوذ الذى يتمتع به حزب العمال الكردستانى أو الحزب الديمقراطى الكردستانى أو حزب الاتحاد الوطنى الكردستانى، إلا أن هؤلاء يحوزون كل مرة على مقاعد فى برلمان كردستان.
وعن ثانى الأسباب التى تحدث عنها «هوتش»، وتعوق إقامة دولة كردية، وهى «العقبات السياسية»، يقول: «سياسات الأكراد تتأثر بالبلد الذى يعيشون فيه، ولذلك تطورت سياسة الأكراد، ليس فقط لتعكس الصراع بين تلك المجموعات الكردية، وإنما أيضاً لتعكس صراع النفوذ بين القوى الإقليمية». ويتحدث «هوتش» عن ثالث الأسباب التى تحول دون إقامة دولة كردية، وهى صراعات النفوذ بين القوى الإقليمية، ويقول إن «الأكراد يجدون أنفسهم محاصرين بين جبهات الحرب الدائرة فى سوريا والعراق»، ويذكر أن الدعم الأمريكى مثلاً فى سوريا تحول مع أواخر عام 2014 من دعم القوى السنية المعارضة إلى دعم القوى الكردية وخاصة حزب «الاتحاد الديمقراطى»، الذى بدأ يكتسب سمعة عالمية كشريك يمكن الاعتماد عليه فى محاربة تنظيم «داعش» الإرهابى.
ويقول «هوتش» إن حزب الاتحاد الديمقراطى من خلال إنشاء ما يسمى بـ(قوات سوريا الديمقراطية)، التى تحارب تنظيم داعش وتتكون من أكراد وعرب وإثنيات أخرى، يحاول محو الطابع الكردى عنه، وطرح نفسه بديلاً سياسياً متعدد الإثنيات، لكن هذا لا يلقى ارتياحاً لدى تركيا. ويضيف «هوتش»: «أنقرة ستحاول إحباط أى محاولة لأى تحرك كردى نحو الاستقلال، إذ إن الحكومة التركية لا ترى أنه يمكن الفصل بين مشروع كردستان الغربية (روج آفا) فى سوريا، والحرب التى يشنها حزب العمال الكردستانى فى تركيا». وتابع: «ليس فقط لأن حزب العمال الكردستانى، منبثق عن حزب الاتحاد الديمقراطى فى سوريا (وفق الكاتب)، وإنما لأن هناك انتقالاً للمقاتلين بين صفوف التنظيمين، كما أن العمال الكردستانى سيستخدم المناطق التى يسيطر عليها الأكراد فى شمال سوريا كملاذ آمن لمقاتليه». ويختتم «هوتش» مقاله قائلاً: «إقليم كردستان فى شمال العراق سيبقى يتمتع بحكم ذاتى محدود، فى ظل المؤشرات بأن العراق لن يتفتت قريباً، وسيستمر كردستان فى الاعتماد على الميزانية المقبلة من بغداد».
وأشارت عدد من الصحف العالمية إلى أن السبب الحقيقى وراء التدخل التركى الأخير فى الحرب بسوريا هو رغبتها فى القضاء على الأكراد، وقالت صحيفة «نيويورك تايمز» إن الحكومة التركية لا تكتفى بما تقوم به ضد الأكراد فى تركيا بل تريد القضاء عليهم فى كل مكان، مضيفة أن «معظم الضربات التركية فى سوريا تتركز ضد الأكراد»، فيما شدد موقع «ديلى بيست» على أن «ما تقوم به تركيا فى حق الأكراد هو مجزرة، خاصة بعد فشل محاولة الانقلاب الأخيرة فى تركيا»، فيما أشارت صحيفة «إندبندنت» البريطانية إلى أن «هناك دوراً كبيراً يلعبه الأكراد فى سوريا والعراق ضد تنظيم داعش الإرهابى، لكن تركيا ترفض أن يلعب الأكراد لديها مثل هذا الدور أو حتى ينتقلوا إلى المناطق الكردية فى أى من الدولتين، خوفاً من أن ينقلبوا على الحكومة التركية بعد ذلك».
وأشارت مجلة «التايمز» إلى أن تنظيم «داعش» ركز جهوده كثيراً على محاولة اقتحام الأراضى الكردية والسيطرة عليها، وأرجعت المجلة ذلك إلى أن «هذه المناطق فى سوريا والعراق تحتوى على عدد كبير من حقول البترول».