«حمى البلاغات» تخنق مصر.. وتعطل «العدالة»
صورة أرشيفية
قرابة نصف مليون محامٍ فى مصر.. ينتشر غالبيتهم فى طرقات النيابة لمرافقة متهمين.. ويقف الكثير منهم بقوة وثبات ولغة عربية رصينة أمام منصة القضاء بحثاً عن كلمة براءة لمتهم.. أو كلمة إدانة إن كانوا مدعين مدنيين عن المجنى عليه.
اتهامات على ورق بـ«الكوم».. و95% منها يحصل على لقب «يُحفظ»
وبعيداً عن هؤلاء الباحثين عن «البراءة والإدانة»، تجد مجموعة من المحامين لهم هدف واحد.. وطريق واحد.. هى «الشهرة والتشهير» والظهور فى صفحات الجرائد أو الرغبة فى خطف مداخلة هاتفية ببرنامج مسائى أو صباحى فى فضائية خاصة أو تليفزيون الحكومة أو قناة إقليمية.. الطريق الوحيد الذى يسلكونه هو مكتب النائب العام فى دار القضاء العالى قبل أن تتحول «قبلتهم» إلى مكتبه فى الرحاب شرق القاهرة أو إلى النيابات الجزئية والكلية المنتشرة فى كل محافظات مصر. وما بين الهدف الذى يحددونه، وبين الطريق الذى يسلكونه تجدهم يتابعون كل الصحف اليومية والأسبوعية والمجلات ويضعون دوائر على «الهدف المنشود».. الذى ربما يكون شخصية فنية أو سياسية معارضة أو مؤيدة للنظام، وحسب «هوى» كل محامٍ.. يضع المحامى دائرة بقلمه.. ويكتب هو بلاغاً «طويل عريض» يقول فيه: «السيد المحترم.. النائب العام.. مقدمه لسيادتكم المحامى فلان الفلانى..»، ثم يكيل الاتهامات الموجودة فى كتب القانون لهذا الهدف المسكين.. هنا اتهام بالكفر.. وهناك اتهام بالتحريض على الفسق والفجور.. وبينهما تحريض على قلب نظام الحكم أو تكدير السلم العام أو إهانة الرئيس ومؤسسات الدولة.. هكذا يصوغون بلاغاتهم.. وفى الصباح يذهب أحدهم أو من فى مكتبه إلى مكتب النائب العام، ويبحث بعدها عن «النشر». أسماء كثيرة برزت عن طريق هذه البلاغات «الورقية» أو «الوهمية» أو بلاغات «سد الخانة».. وصارت نجوماً «على الورق» أيضاً بفعل هذه البلاغات عديمة الفائدة، التى يتحرك منها القليل أو قل النادر جداً ليسلك طريقاً قانونياً من النيابة إلى المحكمة.. أما قرابة الـ95% من هذه البلاغات فلا تجد إلا كلمة واحدة تليق بها.. وهى كلمة «يُحفظ».. وهى كلمة تلائم قيمة هذه البلاغات التى تعطل دائرة التقاضى وتخنق النيابات وسلطات التحقيق فى مصر، وتورط الدولة بدفع فواتير وهمية بالمليارات، حتى تكتظ دواليب النيابات بمثل هذا الغثاء الورقى. «الوطن» تفتح سلة مهملات الأقسام والنيابات، التى بطلها دائماً بلاغ كاذب، ليس وراءه إلا الفضيحة أو الانتقام، وتسلط الضوء على هذا الفيروس الذى يأكل أوقات وجهود رجال التحقيق فى مصر، من دون طائل.