شوقى السيد: النيابة والمحاكم لا تستخدم سلطاتها لمعاقبة المبلِّغين الكاذبين إلا فى أضيق الحدود
السيد
اعتبر الدكتور شوقى السيد، أستاذ القانون والفقيه الدستورى، أن الإفراط فى البلاغات «مرض فتاك»، ولو أننا تركناه دون علاج «يبقى على الدنيا السلام».
الفقيه الدستورى لـ«الوطن»: الإفراط فى البلاغات «مرض فتّاك».. ولو تركناه دون علاج «على الدنيا السلام»
وأضاف «السيد»، فى حوار لـ«الوطن»، أنه تم خلال الفترة الماضية استغلال البلاغات للشو الإعلامى من أجل تحقيق الشهرة والإثارة والظهور، مشيراً إلى أن مواجهة هذه الظاهرة تأتى من خلال العدالة الناجزة واستخدام الهيئات القضائية سلطاتها وصلاحياتها، كذلك تحرك نقابة المحامين لمنع انتشار تلك الظاهرة أكثر مما هى عليه حالياً.. وإلى نص الحوار:
■ كيف ترى انتشار ظاهرة الإفراط فى البلاغات؟
- أعتقد أن البحث عن الشهرة والابتزاز أصبح مرضاً متفشياً فى جسد هذا البلد، وهو فى الحقيقة مرض فتاك، وبات يحقق نجاحات لهؤلاء المرضى من مقدمى البلاغات الذين يجب محاسبتهم، فتلك «مدرسة» بدأت منذ السبعينات من القرن الماضى، وهؤلاء المحامون الجدد تفرعوا فى مجالات الشهرة والابتزاز والحديث عن حقوق الإنسان، بل إن عدوى تقديم البلاغات انتقلت من المحامين إلى المواطنين العاديين، فنجد أن هناك قضايا يتم رفعها من قبَل المواطنين بهدف الشهرة أيضاً، لذلك يجب أن يكون هناك رادع قانونى لتلك المسألة، فهذا الملف مهم جداً، وإذا تركناه دون علاج حقيقى «يبقى نقول على الدنيا السلام».
يجب تشديد العقاب على أصحاب «الأصوات العالية» الذين يدَّعون على الغير دون دليل
■ كيف يمكن وقف تلك الظاهرة؟
- من الثابت أن حق الشكوى أو التبليغ عن مخالفة أو جريمة ما مكفول للجميع، وهو حق من الحقوق الدستورية وتم إقراره فى قانون الإجراءات الجنائية والدستور، لكنه شأن كل الحقوق يجب أن يكون فى الأطر المشروعة، وليس من قبيل الانحراف والتعسف فى استخدام الحقوق، أو من قبيل «الشو الإعلامى» وحب الظهور أو بهدف الإساءة إلى من قُدم البلاغ ضده، خصوصاً أن هناك من يتعمد طمس الحقيقة والاعتماد على بلاغ كاذب، وهذه جريمة يُعاقب عليها القانون تحت بند «البلاغ الكاذب».
مدرسة بلاغات «حب الظهور والابتزاز» بدأت فى السبعينات.. وانتقلت العدوى من المحامين إلى المواطنين دون رادع قانونى
وكذلك هناك جريمة أخرى وهى السب والقذف أو الاستعمال غير المشروع للحق، وتلك أيضاً جريمة ومسئولية مدنية، تعطى الحق للنيابة والمحكمة أن تقلب القضية رأساً على عقب، وأن يتم توجيه الاتهام إلى مقدم البلاغ «الشاكى»، فينقلب من مدعٍ إلى متهم، ويكون مسئولاً عن الأضرار التى حدثت للمشكو فى حقه، وهذا من الناحية النظرية، ومن ناحية الحقوق والواجبات المنصوص عليها فى الدستور والقانون، ولكن بكل أسف النيابة العامة والمحاكم لا تستخدم سلطاتها هذه إلا فى أضيق الحدود، وهذا يترتب عليه اتساع دائرة «شكاوى الشهرة» وبلاغات «حب الظهور» والشكاوى الكيدية، خاصة التى لا يوجد لها أى تأثير على الشاكى، ولذلك أتمنى على سلطات التحقيق والجهات القضائية برمتها أن تمارس الحقوق الموجودة فى الدستور والقانون، وأن تدقق فى سلامة الشاكى وصحة الشكوى ودقة البلاغ أو كيدية الاتهام، بحيث يمكن تضييق الخناق على طالبى الشهرة ومواجهة محاولات الابتزاز التى يقوم بها البعض من أجل تحقيق مصالح شخصية، فكثير من هذه القضايا تكشف عن أن المبلِّغين كانوا «أصحاب مصلحة».
■ مَن المسئول تحديداً عن هذه الأزمة؟
- الخطأ يقع على ما شاب المجتمع من تغيير فى الثقافة، وتغيير فى الفكر والرؤية، فضلاً عن ظهور الكثير من الظواهر السلبية، ومنها ظاهرة «الأصوات العالية» التى لا تهتم بحقوق الآخرين، بل إن هدفها تقديم بلاغات وقضايا يتم رفعها بقصد الشهرة والابتزاز، ومنها قضايا نجح أصحابها فى الوصول من خلالها إلى الأضواء، بل وتحقيق مكاسب مادية فى بعض قضايا الابتزاز أو الشهرة.
الصحافة والإعلام لهما دور كبير فى انتشار تلك الظاهرة بإبراز المبلغين حتى صنعوا منهم نجوماً وأبطالاً خارقين ينقذون هذا المجتمع.. وأدعوهم لإعلاء صوت الحق والحكمة
وللحق أيضاً، فإن الصحافة المصرية لها دور كبير جداً فى انتشار تلك الظاهرة، فبعض الصحف والإعلاميين أبرزوا هؤلاء وصنعوا منهم نجوماً فى المجتمع، وأبطالاً خارقين ينقذون هذا المجتمع، وتلك نقطة لا تُحسب لوسائل الإعلام، وهناك أسباب متشابكة ظهرت خلال الفترة الماضية كانت وراء تلك الأزمة، لذلك أدعو إلى إعلاء صوت العقل والحكمة، وأن نصحح حالة المجتمع، مع استخدام الحقوق التى كفلها القانون فى مثل هذه الحالات.
■ وكيف نردع هؤلاء المحامين من «طلاب الشهرة»؟
- يجب تشديد العقاب على أصحاب «الأصوات العالية» الذين يدعون على الغير دون دليل، وهناك ضرورة ملحة لذلك، فنجد مثلاً من ينادى بضرورة حماية المبلِّغين والشهود، طبعاً نحن مع حماية المبلِّغين لكن يجب أن تكون تلك الحماية معقبة، فإذا كان المبلِّغ يفعل ذلك كيداً أو زوراً وبهتاناً فيجب محاسبته، كما يجب أن نحمى المبلِّغين الجادين الذين يتقدمون ببلاغات جادة مدعومة بالأدلة، والمسألة تحتاج إلى التدقيق، كما تتطلب «وصفة كاملة» لحل تلك الأزمة ومواجهة هذا المرض المتفشى من أجل تقليل تلك القضايا، وعدم إقحام المحاكم فى دعاوى غير صحيحة، ما يؤدى إلى تأخر الفصل فى القضايا وعدم وجود عدالة ناجزة، والحل الحقيقى هو تحقيق هذه العدالة الناجزة فى تلك القضايا خلال الفترة المقبلة.
■ كيف يستطيع المواطن البسيط الحصول على حقه فى حال ابتزازه؟
- يمكن للمواطن الذى يتعرض للبلاغ الكاذب أن يحصل على حقوق كاملة بعد براءته من هذه البلاغات الكيدية، بأن يرفع دعوى جنحة أمام المحكمة بتهمة السب والقذف، وفى نفس الوقت يطالب بالتعويض المدنى، وسيُحكم له بذلك، فالقانون يؤكد حق المجنى عليه فى المطالبة بتعويض مادى، ويحق للمحكمة تقدير هذا التعويض حسبما يتراءى لها، لكننى أدعو هؤلاء للاستماع إلى صوت العقل والحكم؛ لأن هذا مرض يزداد خطورة فى جسد هذا الوطن.
■ هل نحن بحاجة إلى «صحوة» فى نقابة المحامين فقط؟
- الصحوة مطلوبة فى كل المجالات، والعلاج الحقيقى لما يحدث الآن فى هذا الصدد، هو فتح المجال لأصحاب التخصص والعقلاء والحكماء والشخصيات الذين ليست لديهم مصلحة شخصية، وأن يعلو صوتهم لكى يقولوا «كلمة الحق».