«الوطن» مع المصابين: «محمود» قفز من النافذة و«نادى» هرب من الحطام ليصطدم بشجرة
أحد المصابين فى الحادث داخل المستشفى
الكل يلوذ بالصمت، يقلبون نظرهم فى المحيطين بهم من وسائل الإعلام، بعضهم من هول الصدمة، وآخرون مما لحق بهم من شظايا وإصابات أسقطتهم بين حطام القطار الذى انحرف عن مساره، فقلب معهم مسار إجازتهم من سعيدة إلى حزينة على ما لحق بهم خلال رحلة كان الموت أقرب إليهم من منازلهم الواقعة فى قلب الصعيد.
«هريدى»: كنت مسافر المنيا عشان أحضر العيد مع أهلى.. و«الأمير»: ورق سفرى للكويت ضاع كله فى الحادثة
مصابو قطار الصعيد الذى انحرف عن مساره بالعياط التابعة لمحافظة الجيزة، جلسوا على أسرتهم بمستشفى العياط وسط جلبة شديدة أحدثتها وسائل الإعلام التى توافدت عليهم عقب الحادث، والأهالى، الذين جاءوا من كل حدب وصوب للاطمئنان على ذويهم.
أحمد محمود، أحد المصابين بإصابات طفيفة رفض أن يغادر المستشفى قبل أن يخرج برفقة زملائه من القوات المسلحة، ما زال عالقاً فى ذهنه الأحداث، أشلاء مقطعة، وجثث متفحمة، ورؤوس ملقاة بدون أجساد، كانت سرعته فى القفز من القطار سبباً فى إنقاذه من الموت الذى كان قريباً منه، يقول محمود إنه كان يجلس فى العربة الرابعة من القطار إلى جوار زملائه، يغط فى النوم، بينما ارتج القطار بشكل خاطف وملفت، صحا من النوم مفزوعاً، وسرعان ما أعاد القطار الكرة، فلم يجد بُداً من الهرب بالقفز من القطار هو وزملاؤه.
إلى جواره يجلس أحمد نادى، رفيقه فى الكتيبة والقطار، قفز هو الآخر ولكن حظه السيئ جعله يصطدم بشجرة ليسقط بعدها مصاباً، يتذكر الشاب العشرينى جيداً وجوه أهالى العياط الذين هرعوا لإنقاذ ركاب القطار، ويقول إن أول من انتشله من بين الحطام كان شاباً من الأهالى، وهو من وضعه داخل عربة الإسعاف التى تأخرت قليلاً، يحمد الشاب ربه عما لحق به، ولكن يقسم بملء فيه بأنه لن يستقل قطاراً مرة أخرى.
بقامته النحيلة وعيونه الغائرة، ووجعه المرهق، يجلس على حسن هريدى صاحب الـ27 سنة، على سريره فى مستشفى العياط بعد نجاته من حادث القطار الذى وقع صباح أمس. يقول: «أنا من محافظة المنيا، وبشتغل فى قهوة فى باب الشعرية، وكنت واخد أجازة علشان أحضر العيد مع أهلى، خلصت الشغل أمبارح بالليل وصفيت الحساب مع صاحب الشغل واتفقت معاه انى هاخد أجازة أسبوعين علشان أقضى العيد مع أهلى، حضرت الحاجة اللى هاخدها معايا ونزلت الصبح بدرى ركبت القطار علشان أسافر، القطار كان ماشى كويس ومفيهوش أى مشاكل، وقبل ما يدخل العياط بنحو 3 كيلو، لقينا القطار عمال يروح وييجى، بعدها بدقيقة القطار انقلب».
ويتابع: «القطار انقلب فى أقل من نص دقيقة، وربنا نجانى بأعجوبة بعد ما نطيت من القطار، أنا كنت شايف الناس وهى عمالة تجرى وتصرخ من الخوف، أنا كنت راكب فى العربية اللى فيها الوقود، ودى بتكون آخر عربية، وكان فيه دخان فظيع لدرجة أن فيه ناس اتخنقت من كتر الدخان». ويضيف هريدى: «الإسعاف جت نقلتنا المستشفى، والحمد لله بقيت كويس دلوقتى، وكلمت أهلى فى البلد وهييجوا لى».
فى غرفة نظيفة داخل مستشفى العياط، يتمدد وائل الأمير على سرير، الشاش الأبيض يغطى الجزء الأعظم من رأسه، ودموع الألم والحسرة تتساقط من عيونه، الألم إثر الحادث الذى تعرض له فى قطار العياط، والحسرة على أوراق سفره إلى الكويت التى ضاعت بعد تعرضه للحادث، يقول الأمير: «أنا من محافظة سوهاج وكنت رايح مصر صد رد على طول بخلص ورقى علشان مسافر الكويت، خلصت كل حاجة وحجزت، وطيارتى بكرة، وراجع البلد علشان كنت هاركب من مطار أسيوط، لكن اللى حصل إن القطر عمل حاثة وورقى كله ضاع».
ويتابع: «أنا عندى 32 سنة وبقالى 5 سنين بحاول أسافر وخلصت الورق وكل حاجة وفى الآخر ضاع فى الحادثة ومش عارف هعمل إيه، بعد اللى حصل لى ده، انا استلفت الفلوس علشان أسافر، وكنت هسددها لما أشتغل لكن اللى حصل ده منعنى من السفر»، يلتقط الأمير أنفاسه قبل أن يواصل: «أنا كلمت أهلى فى البلد وطمنتهم عليّا، بعد ما الإسعاف نقلنى هنا المستشفى، وبقيت كويس الحمد لله».
بجلبابه الواسع وعمامته الضخمة الملطخة بالدماء يقف الحاج فتحى محجوب صاحب الـ61 عاماً، مسنداً ظهره للحائط فى ممر مستشفى العياط، عيونه شاردة ووجهه شاحب، بكلمات تكاد تخرج منه يقول: «أنا كنت فى مصر، رايح زيارة لابنى فى السجن، ركبت القطار علشان راجع سوهاج لكن ما وصلناش العياط والقطر انقلب، وفيه ناس كتير ماتت وناس تانية أصيبت بكدمات وكسور، لكن الإسعاف جه بسرعة ونقلنا على المستشفى والحمد لله ربنا سترها معايا». يواصل فتحى: «أنا كلمت أهلى فى البلد وطمنتهم عليّا وكانوا جايين لكنى رجعتهم لأنى بقيت كويس، مش محتاج حد، وكده كده بقيت كويس».