حكايات «التعليم الفنى» فى مصر: الحصص بين «الحوش» و«القهوة».. والعملى: تنظيف الورش
طلاب "التعليم الفنى" داخل الفصل
ما بين نظرة المجتمع لهم، وطبيعة دراستهم، وكذلك القائمين على هذا النوع من التعليم الذين يتم اختيار طلابه وفقاً لتدنى المجموع الكلى، مدارس التعليم الفنى والصناعى التى رغم انتشارها وزيادة عدد طلابها بشكل كبير ومنهم من يحقق نجاحاً ملحوظاً يؤهله للدخول إلى الجامعة، إلا أن هناك مشكلات عدة يعانى منها، ليس فقط على المستوى الاجتماعى بل وعلى مستوى سياسة التعليم أيضاً، فتارة يتم عمل وزارة خاصة بهم للاستفادة منهم أسوة بالدول المتحضرة، وتارة يتم إلغاؤها والاكتفاء بها كجزء من وزارة التعليم العام ليبقى الحال على ما هو عليه قبل بدء الموسم الدراسى الجديد، اقتربت «أصحاب» من الطلاب للتعرف على مشكلاتهم ورأى الخبراء فى إمكانية حلها.
محمود عطية، طالب فى مدرسة تعليم صناعى بمنطقة إمبابة، طموحه الالتحاق بكلية هندسة جامعة القاهرة قسم ميكانيكا، فتوجه للتعليم الفنى ليسهل الطريق عليه، يقول «الثانوية صعبة جداً، وماحدش فيها بيجيب مجموع، فدخلت صنايع عشان أعرف أدخل هندسة مستريح».
كان من المفترض أن ينهى «محمود» دراسته فى المدرسة، ثم يلتحق بمعهد سنتين، ليستطيع الالتحاق بالهندسة، كما هو نظام استكمال الدراسة الجامعية بعد المدرسة الفنية، لكن واقعه لم يكن هكذا، فاليوم الدراسى فى مدرسته يبدأ من الساعة السابعة والنصف، وينتهى فى الثانية عشرة ظهراً، «محمود» لم يحضر حصصاً دراسية تساعده فى جمع المنهج قبل الامتحانات، فعلى حد قوله هناك حصص تندرج تحت مفهوم «نظّف الحوش يا ابنى عشان تروح لشغلك». إحباط شديد أصاب الشاب الطموح فبات يهمل دراسته «مابقتش بذاكر ومابروحش الامتحانات، عشان باشتغل دلوقت فى ورشة ميكانيكا يمكن يكون عندى واحدة زيها».
محمد رجب، طالب بالصف الثالث الثانوى الصناعى، اختصر طبيعة التعليم فقال: «القهوة، والفتيات، والشغل نص يومية» هو الحديث الدائم بين طلاب المدرسة الصناعية بحلوان، بعدما رسّخ المعلمون فى ذهنهم أنهم «بقايا التعليم الأساسى أو فشلته» وعليهم البحث عن وظيفة «تأكَّل عيش»، فهناك التدريب العملى حصة نظافة، يقول «كل اللى باعمله إن المدرس بيقول لى نظّف الورشة، عشان نبدأ، وعقبال ما بنخلص تنظيفها الجرس بيرن والحصة بتخلص».
حال الطالب محمد سلامة، لا يختلف كثيراً، عن حال بقية طلاب المدارس الفنى فيقول «أنا باشتغل دلوقتى ومابقتش مهتم بالمدرسة، لأن أبويا قال لى مابتروحش المدرسة يبقى تشتغل وتجيب فلوس».
سبب ترك «محمد» المدرسة هو كبر سن المدرسين، يقول «اتخنقت، ماحدش بييجى المدرسة أصلاً، كله بيعمل إعادة قيد قبل الامتحانات، وخلاص على كده، والمدرسين عواجيز وبيطلعوا فى الروح، صحتهم مش هتساعدهم يشغلوا مكن أو يعلِّمونا صنعة».
يحكى «محمود» عن يومه فى المدرسة «المدرسة ثلات أيام فى الأسبوع، مخصصة للتدريب العملى داخل الورش على حسب كل قسم، بس من ساعة ما دخلت ماشفتش لا ورشة ولا تدريب، مقضيينها قاعدة فى الحوش»، مضيفاً أن المدرسة توافق على إعادة القيد للطلاب المتغيبين 30 يوماً متقطعة، دون وجود ولى أمر «صورة من بطاقة الأب والدنيا بتمشى».
فى أذهان الجميع التعليم الصناعى «شهادة قليلة»، «مالهاش لازمة» لكن أسرة مارينا رزق، اتجهت إلى ذلك بسبب تدنى مجموع ابنتها فى المرحلة الإعدادية، فقرروا إلحاقها بمدرسة فنى تجارى، نظام الخمس سنوات، أملاً فى استكمال دراستها بعد ذلك بكلية التجارة، لكن لم تكن فى توقعها أنها ستذهب كل يوم المدرسة ويداها فارغتان من الكتب والأدوات المدرسية، تقول «طول النهار المدرسين بيقولوا لنا انتم بواقى التعليم، فبنكبّر دماغنا وبنعتمد على الدروس».
أزمة المدرسة بالنسبة لـ«مارينا» لم تكن فقط بسبب طبيعة الدراسة الغائبة، بل مستوى النظافة أيضاً.
اختلفت مشكلات البنات قليلاً عن الأولاد، فهناك من يشكون من وجود ماكياج كامل بحوزة الطالبات وأدوات تصفيف شعر، وعن سبب وجود تلك الظاهرة، قالت الطالبة إيمان صبحى «إحنا معانا ناس مكتوب كتابها، وناس متجوزة ومش قايلين فى المدرسة عشان هما آخر سنة، فطبيعى نشوف دا ونسمع كلام عن العلاقات».
يقول محمد يوسف، وزير التعليم الفنى السابق، إن التعليم الفنى سيتطور فى حالة واحدة وهى أن تضع الدولة له استراتيجيات واضحة خلال السنوات المقبلة، وأن يوضع على أولوياتها، وبعدها سيصلح ويتطور كل شىء، منها التدريب والتنسيق مع المصانع لتدريب الطلاب، بجانب تطوير المناهج العملية. وأوصى «يوسف» الطلاب بأن يضعوا حلمهم نصب أعينهم، لأن فى يوم ما سوف يكونون هم رؤساء المصانع والشركات.