بروفايل: هوجو شافيز.. الناصرى الأول يرحل
«الناصرى الأول فى العالم»، كما كان يحلو له أن يقدم نفسه، مدللاً على مدى حرصه على قضايا الفقراء والعدالة الاجتماعية التى ظلت حلم الضابط الذى قاد، كمثله الأعلى، انقلاباً عسكرياً عام 1992 فى محاولة للقضاء على الفساد الذى أكل أكباد الفنزويليين وقلوبهم، فشل الانقلاب وقاد صاحبه إلى السجن ليقضى عقوبة مخففة، عامين من التأمل، صنعت زعيماً مثيراً للجدل ليس فقط فى أمريكا اللاتينية، ولكن فى العالم أجمع.
فى خلال أقل من 6 سنوات نجح هوجو شافيز فى خلق قاعدة شعبية داعمة لتوجهاته الاشتراكية ليصبح رئيساً لفنزويلا، وعدواً رئيسياً للولايات المتحدة وسياساتها، تحالف بحكم الأيديولوجيا مع «فيديل كاسترو»، الزعيم التاريخى لكوبا، والذى تأثر به بشكل كبير، وراح يطبق سياسات تستهدف الفقراء والخدمات الصحية والارتقاء بالمستوى الاجتماعى حتى صار تميمة السعادة لطبقات عديدة من شعب كان قد أرهقه الفساد، لكن النفط الذى اعتمد على عوائده فى تنفيذ برامجه الإنمائية صار وبالاً مع تراجع دخل العاملين به، وكان على موعد بعد 10 سنوات من انقلابه على السلطة بانقلاب عليه لم يدم طويلاً؛ إذ أعاده الشعب للقصر حين نزل طواعية إلى شوارع كاراكاس وكل المدن يهتف بحياة الزعيم نصير الفقراء وملهم الشعوب والسياسيين فى البلاد الناطقة بالإسبانية وأمريكا الجنوبية كلها، الرجل الذى لم يكن يفارقه كتابه المقدس مطلقاً «الدستور الفنزويلى»، دائماً فى يده، لكن لم يمنعه ذلك من التحول لديكتاتور منفذ لإرادة الشعب ومحقق لكل طموحاته، غاض البصر عن تنامى العداء له ولسياساته فى الداخل والخارج، إذ تمادى فى تحدى أمريكا، وأهان الرئيس الأمريكى بوش الصغير فى قاعة الأمم المتحدة حين قال «الشيطان كان يبول هنا بالأمس»، ما زاد غضب الأمريكيين منه وعليه، وخارج أمريكا مد شافيز جسوره إلى طهران، وصار الصديق المقرب لأحمدى نجاد داخلاً محور الشر بقدميه من وجهة نظر الغرب.
على أن المرض الخبيث، وسط كل هذا، كان قد تمكّن منه، وكعادة كل الرؤساء فى العالم الثالث رفض ترك مقعده، رغم أنه لم يستطع أن يؤدى اليمين فى موعدها وعجز عن إلقاء خطاب الاتحاد، وواصل متحدياً ظناً منه أن التحدى، أحد سمات شخصيته المحيرة، قد ينتصر أو حتى يصمد طويلاً كما فعل فى مواجهة عتاة الدول والحكام. لم يدرك أن التحدى هذه المرة مختلف كثيراً عن كل ما عايش وعرف، فلا نفط ينفع ولا سلاح يشفع، ولا حتى فصاحة اللسان أو الدستور المبين، الكل هنا مهزومون، إنه الموت يا «هوجو» الذى لم تكن تخشاه كثيراً لكنه أتاك بطيئاً مؤلماً ومنتصراً على رجل لم يعرف للهزيمة معنى ولم يذق لها طعماً.