«طفطف» رياض الجنة بالمنوفية.. الصندوق القاتل للأطفال
لا يستطيع المارة أن يميزوا إن كانت صرخات الأطفال وعويلهم داخل ذلك الصندوق الخشبى الذى يسحبه جرار زراعى، بفعل السعادة أم الخوف، وقد يتصور البعض للوهلة الأولى أنهم مخطوفون، فيما يتساءل آخرون: «هو إيه دا؟!».
يعرفه أهالى «عشما»، بمركز الشهداء فى المنوفية، باسم «طفطف رياض الجنة»، وهو عبارة عن صندوق خشبى، لا تزيد مساحته على نصف متر فى نصف متر، مكسو بألوان زاهية، ورسوم كارتونية بسيطة لجذب الأطفال، يسحبه من الأمام جرار زراعى.
«ودا بيطلعوه إزاى دا؟!»، سؤال يتبادر إلى ذهن كل من يشاهده، لا يلبث أن يدرك إجابته حين يرى ذلك السلم الخشبى الصغير فى نهاية الجرار، يصعد الأطفال وينزلون بواسطته.
وداخل الصندوق الخشبى، يتكوم ما بين 40 إلى 50 طفلاً، كل منهم يحاول أن يلحق أولا بالوقوف أمام الشباك من أجل التمتع بالمشهد، ومحاولة التنفس خشية أن يدهسه زملاؤه.
«الطفطف»، كما يسميه الأطفال وأهالى القرية، هو الوسيلة الوحيدة لنقل الصغار من وإلى حضاناتهم الخاصة، ويوجد نحو 5 «طفاطف» مقابل مبلغ 20 جنيهاً شهرياً عن كل طفل.
فى الساعة 7 صباحا يصل «الطفطف» إلى منازل الأطفال، ليأخذهم خارج حدود قريتهم «عشما»، التى تخلو من وجود الحضانات بها، إلا واحدة حكومية، لا تستوعب عدد الأطفال، وغير مؤهلة للتعلم بشكل جيد.
ويتحدث الدكتور محمد بدر، أحد أهالى القرية عن المشهد الذى يراه ويعجب له يومياً، ويقول: «منظومة التعليم فى القرية سيئة جداً، حتى الحضانات الخاصة بره، أصل أهالى القرية فقراء أوى، لا معاهم يدفعوا فى أتوبيسات، ولا الحكومة معبراهم بحضانات كبيرة تستوعب عيالهم».
وعن تكرار حوادث «الطفطف» يقول: «آخر حادثة أصيب عدد من الأطفال بخدوش وكدمات، أثناء قفزهم من الصندوق الخشبى نتيجة انزلاق الجرار الزراعى، وميله فى اتجاه ترعة القرية، ما أدى إلى وقوع إحدى عجلاته داخلها، ولولا مساعدة الأهالى فى إخراج الجرار والصندوق الخشبى من الوقوع فى الترعة لغرق الأطفال كلهم، بينما أصيب الأهالى بالفزع والخوف على أطفالهم فامتنعوا عنه لعدة أيام، وكانوا يوصلون أبناءهم سيرا على الأقدام، لكن هذا الأمر يستغرق نحو 3 كيلومترات ذهابا وإيابا يوميا ما يعد إرهاقا شديدا على الأطفال وضياعاً للوقت، فاضطر الأهالى للعودة مرة أخرى للطفطف باعتباره الوسيلة الوحيدة».
وتؤكد سهير إبراهيم، إحدى الأمهات بالقرية، قلقها على طفلها يوميا وغضب أولياء الأمور ورفضهم لوسيلة «الطفطف»، بدءا من خروجهم من البيت حتى العودة، لكنهم لا يجدون وسيلة أخرى غير ذلك، فهو الوسيلة الوحيدة التى يمكنها دفع مصاريفها لتوصيل ابنها إلى حضانته، مضيفة: «يكفى مصاريف الحضانة الخاصة خارج القرية».
أما عن حوادث «الطفطف» المتكررة، فتقول إنها ليس بمقدورها أن تغير الحال، نظرا لعدم وجود حضانة داخل القرية، وتقدمهم بالعديد من الشكاوى للمسئولين لكن دون فائدة، حتى مديرة الشئون الاجتماعية رفضت مساعدتهم، لذلك فهى تطالب المسئولين بالرأفة بأطفال القرية وأمهاتهم بتخصيص حضانات تستوعب الجميع، وتعلمهم تعليما جيدا، وتخرج أطفالا صالحين فى المجتمع.