"الوطن" ترصد لحظة النطق بالحكم في منزل أحد شهداء مذبحة بورسعيد
تجلس الزوجة العشرينية على أريكة وثيرة أمام التلفاز، تمسك بين يديها طفلتها ذات الستة أشهر، تارة تنظر إلى رضيعتها قائلة "ما تخافيش يا جنا حق بابا مش هيضيع إن شاء الله"، وتارة أخرى تنظر إلى تلك الصورة المعلقة على إحدى جدران المنزل، حيث كانت ترتدي فستانها الأبيض، فيما يقف أمامها ناظرا إليها زوجها "يوسف" مرتديا بدلة الزفاف، في انتظار النطق بالحكم في قضية مذبحة بورسعيد، صباح أمس.
شريط ذكريات سريع يمر أمام الزوجة الشابة، تتذكر "مها" جيدا عامان كاملان هما عمر قصة حبهما، وتتذكر أيضا شهورا طويلة قضوها في تجهيز شقتها، عانى خلالها زوجها كثيرا في تدبير نفقات زواجهما، وكيف أن زوجها كان دائما ما يضاحكها قائلا "أنا أمين شرطة صحيح بس عمري ما قبلت على نفسي قرش حرام ولا عمري هقبلوا عليكي".
كأي زوجين حلمت "مها" أن تقضي زوجها العمر طويلا معا، لكنها لم تكن تعرف أبدا أن هذا العمر لن يدوم إلا شهرين لتجد نفسها وحيدة دون حبيبها وزوجها وليرحل "يوسف" قبل أن يزف إليه خبر حملها.
"يا رب إنت القادر علي كل شىء.. يا رب ورينا في الظلمة يوم.. يا رب ما يرضيكش إن شباب وأطفال زي الفل يروحوا عشان يشجعوا النادي اللي بيحبوه يرجعولنا في أكياس"، بتلك الجمل كانت تحاول الزوجة أن تقضي الدقائق الأخيرة قبل نطق القاضي بالحكم، تقولها بصوت يغالبه البكاء "هو قالي إنه رايح يحضر الماتش وجاي على طول وما جاش"، وكأنه أمامها تحادثه "أنا عارفة يا يوسف إنك مكنتش هتقدر تشوف أصحابك مقفول عليهم الباب وبيدبحوا فيهم وتسكت وعارفة إنك عاوز تقولي إن ربنا مديني جسم قوي ماكنتش هقدر أقف متكتف كان لازم أفتحلهم الباب وكان لازم ألحقهم".
وتستمر في حوارها معه "أنا عارفة إنك كان نفسك ترجع البيت على طول عشان أنا واحشاك بس الباب وقع عليك وانت بتفتح لزمايلك عشان تلحقهم ورحت مني يا يوسف ومش راجع تاني أبدا"، ثم تحاول التماسك "بس حقك مش هيروح يا يوسف إن شاء الله".
يظهر القاضي ويجلس على منصته يبدأ "بسم الله"، فتقول بصوت عال "يا رب يا رب"، تضم طفلتها إلى صدرها وتضبط نظارتها الطبية، التي ارتدتها بعد أكثر من عام قضته بكاء على زوجها الراحل، ثم ينطق القاضي بالحكم، تقترب من التلفاز أكثر وتسمع إليه فتجده وقد حكم على 21 متهما بالإعدام، والسجن المؤبد لخمسة، وقضى بـ15 عاما لمدير أمن بورسعيد السابق وآخرين، تنظر إلى صورة زفافهما مرة أخرى وتقول "حقك ماضاعش يا يوسف ولو ليك حق لسه برده ربنا مش هيسيبه".