آيتن أمين: نحن جيل النكسة
الآن فقط، وبعد أكثر من 40 عاما على نكسة 1967، فهمت المخرجة السينمائية الشابة «آيتن أمين» إحساس الشاعر الراحل صلاح جاهين وسر اكتئابه بعد الهزيمة. كانت دوما تتساءل: لماذا انكسر جاهين بعد نكسة 67 رغم انتصار أكتوبر 1973؟ لم تدرك أبدا سر الحزن الذى لازمه حتى وفاته إلا عندما قامت ثورة 25 يناير التى انتهت بحكم محمد مرسى وجماعة الإخوان، فالأحلام والتطلعات الكبيرة التى كانت لدى جاهين أملا فى مصر أفضل، هى نفس ما عايشه جيل كامل قام بثورة 25 يناير لنفس السبب. تحكى آيتن: «جاهين كان مؤمنا بثورة يوليو، وانكسر فى النكسة بسبب إيمانه الشديد بالحلم الثورى، وهو نفس ما حدث مع الثوار الذين قاموا بثورة 25 يناير، مجموعة من المواطنين أغلبهم من الشباب يؤمنون بالتغيير وبالمبادئ والمثاليات، لكنهم على أرض الواقع وجدوا أنفسهم عاجزين عن تنفيذها، وعلى العكس من ذلك تتطور الأمور دائما للأسوأ».
تتذكر آيتن دائما قصتها مع الثورة، تقول إنها قبل الثورة لم تكن لها أى اهتمامات سياسية، وكانت تعتقد أن وضع البلد مغلق ومن الأفضل على كل مواطن أن يجتهد فيما يعمل: «عمرى ما نزلت مظاهرة، وكنت متجنبة السياسة وببص للناس اللى بتشتغل فى السياسة وبتعمل مظاهرات ضد مبارك بالإشفاق، وشايفة إنهم مش هيقدروا يغيروا حاجة».
سمعت آيتن بالدعوة إلى مظاهرات 25 يناير، ولأن ذكرى وفاة والدها توافق اليوم نفسه، قررت الأسرة أن تذهب لزيارة المدافن يوم 24 يناير قبل الثورة بيوم واحد، تحسبا لأى قلق قد يمنعهم من الذهاب: «يومها وإحنا فى الطريق راجعين من المدافن، وجوه الناس فى شوارع وسط البلد كانت كئيبة وحزينة، وأخويا قال لى دى مناظر ناس تقدر تقوم بمظاهرات أو تعترض، ووقتها وافقته الرأى».
يوم 25 يناير كان بداية جديدة، ودون سبب واضح سوى الشعور بالإحباط قررت آيتن النزول إلى التحرير: «لما وصلت الميدان حسيت بإحساس لا يُوصف، قابلت ناس كتير أعرفهم، ولقيت شباب وولاد وبنات كلهم ليهم هدف واحد هو أن البلد دى تبقى أحسن وأجمل، كلهم بيطالبوا بالتغيير بشكل حضارى وسلمى، كنت مبسوطة بإحساس الجميع وإن كل العدد ده عنده نفس الرغبات والمطالب».. تروى آيتن بفخر عن الميدان الذى نزلته أول مرة يوم 25 يناير ولم تتركه إلا مع تنحى الرئيس السابق حسنى مبارك، تحكى دائما -حتى لا تنسى- عن حالة الميدان «الحُلم».. الميدان الذى كان وقتها دولة صغيرة يتمنى من فيه تطبيق مثاليته على كل شبر من أرض هذا الوطن، تتذكر بغضب مساء يوم 25 يناير عندما قرأت فى إحدى الجرائد القومية عن انتهاء المظاهرات وإخلاء الميدان، رغم الآلاف الذين افترشوا أرضه، تتذكر أيضاً كيف خلق الميدان «بطلا» داخل كل ثائر، تحكى عن صديقتها السيناريست وسام سليمان يوم 28 يناير عندما وقفت وهتفت فى الجميع وحثتهم على حماية المتحف المصرى والمحافظة عليه من السرقة.
ثورة سال فيها دم الثوار، ثم مجلس عسكرى سال فيه أيضاً دم الثوار، وأخيراً رئيس منتخب من جماعة الإخوان، لكن الوضع لم يختلف كثيرا عن سابقيه فيما يتعلق بالضرب والقتل وإسالة الدماء البريئة، بعد كل ذلك تشعر آيتن بـ«الإنهاك». تفهم معاناة جيل النكسة بأنه «انهزم على أرضه»: «رغم إننا ما دخلناش حرب فعلية، إلإ إنى حاسة بالإنهاك وبالتعب والهزيمة من كتر المعارك اللى خاضتها الثورة ولم تنجح فيها».
الإحباط الشديد أصاب آيتن مرتين منذ قيام الثورة، الأولى كانت مع أحداث محمد محمود حيث شعرت وقتها بأن الثورة لم تقم، أما الثانية فكانت خلال أحداث الاتحادية، عندما رأت أن المعركة لم تعد فقط مع سلطة غاشمة، بل انتقلت بين أفراد الشعب.. «مصريين بيقتلوا مصريين» حسب تعبيرها.
وقت الثورة، عندما ألقى مبارك خطبه الثلاث الشهيرة، كانت آيتن تصاب بالهبوط الشديد والتعب أثناء استماعها للرئيس المخلوع من شدة الحزن والغضب، الغريب أن الأمر نفسه أصاب آيتن مع الرئيس الحالى محمد مرسى، بدأ الأمر منذ خطبته الشهيرة الخاصة بإصداره الإعلان الدستورى، واستمر فى خطبه التالية.
الشىء الإيجابى الوحيد الذى تراه آيتن بعد الثورة هو وجود عدد أكبر من الأفلام المستقلة التى تهتم بمناقشة قضايا جادة، واستطاعت تلك الأفلام أن تعيد مصر إلى المنافسة فى المهرجانات مرة أخرى، وإن كانت تخشى من التضييق الرقابى المتوقع فى ظل حكم «الإخوان».