«الوطن» ترصد 5 سيناريوهات لمستقبل التحالف الأمريكى السعودى بعد «جاستا»
الكونجرس الأمريكى خلال إقرار قانون «جاستا»
أثار رفض الكونجرس الأمريكى فيتو الرئيس باراك أوباما، ضد تشريع يجيز لأقارب ضحايا هجمات 11 سبتمبر بالولايات المتحدة مقاضاة السعودية، تساؤلات كثيرة حول مستقبل العلاقات الأمريكية - السعودية، وهى التى توصف دوماً بـ«علاقات الصداقة والتحالف»، وكذلك تساؤلات حول الطرق التى من المحتمل أن ترد بها المملكة على ذلك التشريع المسمى «العدالة ضد رعاة الإرهاب» المعروف إعلامياً باسم «جاستا». ورصدت «الوطن»، من خلال استطلاع رأى عدد من المحللين السياسيين العرب وتقارير صحفية غربية، 5 سيناريوهات محتملة لردود فعل «الرياض» ضد تشريع «جاستا»، وتأثير ذلك التشريع على العلاقات بين البلدين التى هى بالأساس متوترة ومتقلبة فى الفترة الأخيرة.
الأصول الاقتصادية للرياض فى واشنطن تصل إلى تريليون دولار
1: التعاون العسكرى والأمنى
الرياض تقلص من تعاونها فى مكافحة الإرهاب مع واشنطن وتنهى مرحلة تبادل المعلومات
قد تعمد السعودية إلى تقليص تعاونها مع الولايات المتحدة فى مجال مكافحة الإرهاب، وفق وكالة أنباء «فرانس برس»، فى تقرير نشرته فى 29 سبتمبر بعد إقرار الكونجرس الأمريكى ذلك القرار. وأشارت «فرانس برس» إلى أنه رغم أن علاقات البلدين شابها فتور متزايد منذ وصول «أوباما» إلى الحكم مطلع 2009، فإن التعاون فى مجال مكافحة الإرهاب لم يتأثر بحرارة العلاقة السياسية. وتشارك السعودية منذ صيف 2014، فى تحالف تقوده «واشنطن» ضد تنظيم «داعش» الإرهابى، وربما يكون التعاون الأمنى بعد ذلك القرار موضع شك، وفق الوكالة.
وقال أستاذ العلوم السياسية بجامعة الإمارات الدكتور عبدالخالق عبدالله، فى اتصال لـ«الوطن»، إن «التشريع الذى أقره الكونجرس يضع مجمل العلاقات السعودية والخليجية من جهة مع الولايات المتحدة من الجهة الأخرى قيد المراجعة، وهذه المراجعة بالتأكيد ستطال كل المجالات بما فى ذلك المجال الأمنى والعسكرى». وأضاف: «لا يمكن لدولة حليف وصديق أن تقر تشريعاً كهذا، ونحن نعلم جيداً حجم التعاون الأمنى بين السعودية وواشنطن وبين دول الخليج والولايات المتحدة سواء على مستوى تبادل المعلومات أو التعاون الأمنى فى مجال مكافحة الإرهاب. أعتقد أنه ستكون هناك مراجعة لحجم ذلك التعاون، وقد يكون هناك قرار سعودى خليجى بتقليل ذلك التعاون، والخليج سيقر ذلك إذا أقرته الرياض». وقال أستاذ العلوم السياسية: «أعتقد أنه إذا قررت السعودية ودول الخليج تخفيض حجم التعاون الأمنى مع الولايات المتحدة فإن واشنطن هى الطرف المتضرر أكثر». واعتبر مساعد وزير الدفاع الأمريكى السابق لشئون الأمن الدولى شاس فريمان، الذى شغل منصب سفير «واشنطن» فى «الرياض» أثناء عملية عاصفة الصحراء، أنه بإمكان السعودية الرد على القانون بأساليب من شأنها أن تضع مصالح الولايات المتحدة الاستراتيجية على المحك، مثل السماح وإجازات التحليق بين الأجواء الأوروبية والآسيوية واستخدام قواعد عسكرية فى المنطقة ما يُعد ضرورياً لعمليات الجيش الأمريكى فى أفغانستان والعراق وسوريا.
2: المواجهة اقتصادية بحتة
سحب 750 مليار دولار استثمارات سعودية من الاقتصاد الأمريكى يضعه على أول طريق الانهيار
الجانب الاقتصادى له حضوره فى هذه المسألة، إذ من الممكن للمملكة العربية السعودية أن تلعب بورقة الاستثمارات داخل الولايات المتحدة للرد على موقف الكونجرس من تشريع «جاستا». وقبل أن يرفض الكونجرس فيتو الرئيس على هذا التشريع كان ويزر الخارجية السعودى عادل الجبير صرح بأنه ربما يكون هناك سحب للاستثمارات السعودية المقدرة بنحو 750 مليار دولار من الولايات المتحدة، لكن، وفيما يبدو أنه اتجاه للتهدئة، عاد وزير الخارجية مرة أخرى وأوضح أنه كان يقصد أن بعض السعوديين ربما يسحبون استثماراتهم من الولايات المتحدة رداً على تشريع «العدالة ضد رعاة الإرهاب». وقدّر الباحث فى معهد باترسون للاقتصاديات الدولية جوزيف غانيون حجم الأصول الرسمية السعودية فى الولايات المتحدة بين 500 مليار دولار وتريليون دولار. وحتى أغسطس، تمتلك المملكة 96.5 مليار دولار فى أصول تحت إدارة وزارة الخزانة الأمريكية تجعل منها المستثمر رقم 15 فى لائحة مالكى أصول الخزانة الأمريكية، وفق وكالة أنباء «أسوشيتيتد برس».
من جهته، قال رئيس لجنة شئون العلاقات العامة السعودية الأمريكية بالولايات المتحدة سلمان الأنصارى، متحدثاً عن الشق الاقتصادى، فى مقال بتاريخ 20 سبتمبر نُشر بصحيفة «ذا هيل» الأمريكية: «الولايات المتحدة لم ولن تستفيد اقتصادياً كدولة من تمرير هذا القانون، بل بالعكس، سيتسبب هذا القانون بهروب الاستثمارات السيادية بشكل نسبى وتدريجى والاستثمارات الخاصة أيضاً. وستصبح الولايات المتحدة دولة أقل جاذبية مما كانت لاستقطاب الاستثمارات التى بدورها تخلق فرص العمل وتنعش الاقتصاد الأمريكى».
وأضاف السياسى السعودى: «والأهم من ذلك أن هذا القانون سيتسبب فى شرخ تاريخى وعميق لفكر التجارة الحرة التى تقوم عليها الرأسمالية فيما يتعلق بحرية التجارة وحق التملك. فحينما يستثمر مواطن أى دولة فى أمريكا فعليه أن يعلم بأن هذه الدولة بعد تنفيذ القانون سيكون من حقها تجميد أمواله بسبب قضية مرفوعة ضد بلده. فمن حيث المبدأ، هذا القانون فى غاية الخطورة وقد تكون له تبعات هائلة على فلسفة ومنظومة ومرتكزات الاقتصاد الحديث».
كما اعتبر المدير التنفيذى للمجلس الاقتصادى السعودى - الأمريكى «إد بورتون» أن هناك عدداً من الصفقات التى ربما يُلحق قانون «جاستا» ضرراً بها. وحذر رئيس غرفة التجارة الأمريكية - العربية ديفيد هامون من أنه لدى المملكة العربية السعودية حرية أن تختار شركاء من أوروبا وآسيا، معتبراً أن «واشنطن» لم تعد وحدها «اللعبة الموجودة فى المدينة.. ولا أحد يمكنه التكهن بالأسلوب الذى سترد به المملكة العربية السعودية».
3: اللوبى العربى يظهر
تحركات خليجية لمقاضاة الولايات المتحدة على جرائم الحرب فى العراق والاعتقالات المستمرة للعرب.. ودفع أمريكا للتسوية الودية
وصاحب قرار الكونجرس الأمريكى برفض فيتو الرئيس ضد قانون جاستا ردود فعل عربية وخليجية رافضة لهذا القرار، وأبرزها جاء من مصر التى أكدت أن ذلك التشريع يُعد انتهاكاً لسيادة الدول، وأنه لا يتسق مع ما استقرت عليه الأعراف والقوانين الدولية، كما أنه لاقى رفضاً خليجياً، ما يفتح الباب لسؤال افتراضى حول إمكانية قيام دول الخليج أو دول عربية بمقاضاة أمريكيين أو اعتقال أحدهم بداعى ارتكابهم جرائم خاصة فى العراق تضامناً مع «الرياض»، رداً على تشريع «جاستا». وقال عضو المجلس المصرى للشئون الخارجية السفير رخا حسن، فى اتصال لـ«الوطن»، إن «مسألة أن يكون هناك تضامن عربى وقرار عربى رافض لتشريع جاستا، أو أن يكون هناك قرار من بعض الدول العربية بالرد بالمثل وإمكانية مقاضاة أمريكيين أمر مستبعد فى ظل الواقع الحالى». وأضاف «حسن»: «على سبيل المثال الولايات المتحدة احتلت العراق وارتكبت هناك جرائم، ولكن من يستطيع القيام بخطوة مثل تلك فى العراق تجاه الأمريكيين، فى الحقيقة العراق فى حالة صراع وانقسام كما أنه خاضع للسيطرة الأمريكية». وتابع: «هذا التشريع كان فى الكونجرس منذ عام 2009 ولم يخرج فى هذه الفترة إلا بسبب الصراعات والانقسامات التى تشهدها الدول العربية، وهى الظروف التى لا تمكّن الدول العربية من اتخاذ موقف من واشنطن، ومن ذلك التشريع الذى يُعد انتهاكاً واضحاً وصريحاً لسيادة الدول». وقال «حسن»: «أعتقد أنه بكل الأحوال سيكون هناك تسوية لعواقب ذلك التشريع، كأن يتدخل المدعى العام الأمريكى فى حال رُفعت دعوى قضائية ضد المملكة العربية السعودية ويوقف تلك الدعوى بداعى أنه يجرى تسوية تلك القضية بالطرق الودية بين الدولتين».
فيما حذر الباحث فى «جامعة براون» ستيفن كينزر من أن ردود الفعل قد لا تأتى مباشرة من السعودية وإنما من دول مرتبطة بها أو تجمعها بها علاقات استراتيجية. وقال، وفق وكالة «أشوشيتيد برس»، إن «8 عقود من العلاقات السعودية الأمريكية بصدد الدخول فى عهد جديد». وقالت الباحثة السياسية الإماراتية الدكتورة ابتسام الكتبى، فى اتصال لـ«الوطن»، إن «دول الخليج العربى بالتأكيد كلها متضامنة مع المملكة العربية السعودية ضد هذا التشريع الذى يُعد انتهاكاً صارخاً لسيادة الدول». وأضافت «الكتبى»: «دول الخليج أكدت رفضها ذلك التشريع الذى يسىء للسعودية ولدول الخليج، وأى قرار ستتخذه السعودية خاصة ما يتعلق بمسألة التعاون الأمنى والعسكرى بالأساس».
4: القانون سيد الموقف
الدفع بمواطنين سعوديين يحملون الجنسية الأمريكية للتقدم بطلب للمحكمة العليا لإعادة النظر فى دستورية القانون
يرى خبراء ومحللون سياسيون سعوديون أن المملكة العربية السعودية ستأخذ المسلك القانونى للرد على أى دعوى قضائية تقام ضد «الرياض» بعد إقرار الكونجرس مشروع قانون جاستا، وأن المملكة لا تفضل حالياً اتخاذ أى إجراء سياسى أو دبلوماسى، إذ إن تبعيات ذلك التشريع تأتى ضمن دائرة القضاء الأمريكى وليس بقرار سياسى أو دبلوماسى. وقال رئيس مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بـ«جدة» الدكتور أنور ماجد عشقى، فى اتصال لـ«الوطن»، إن «تشريع جاستا ليس قراراً سياسياً متعلقاً بالإدارة الأمريكية بالأساس، وإنما هو أمر أتى فى إطار المؤسسة التشريعية ثم خرج من إطار تلك المؤسسة ليكون فى إطار المؤسسة القضائية الأمريكية، وبالتالى فإن رد المملكة سيكون كذلك ضمن الأطر القانونية». وأضاف «عشقى»: «سيكون أمام المملكة من الناحية القانونية خياران، الأول: أن تدفع الرياض مواطنين أمريكيين للتقدم بطلب إلى المحكمة العليا فى الولايات المتحدة للنظر فى دستورية ذلك التشريع الذى يخالف المواثيق والأعراف الدولية التى تلتزم بها التشريعات المحلية، ويمكن للمحكمة العليا أن تقضى ببطلان ذلك التشريع». وتابع الخبير السياسى السعودى: «الخيار الثانى: أن ترد المملكة على أى دعوى مقامة ضدها بشكل قانونى، فالمملكة لديها سفارتها فى الولايات المتحدة ولديها محاموها، وهؤلاء المحامون سيدافعون عن المملكة، وفى حال بطلان الدعوى المقامة، فإن مقيم الدعوة سيتحمل جميع نفقات تلك القضايا ومصروفاتها». وقال «عشقى»: «الأمر قانونى والمملكة سترد فى إطار القانون».
من جهته، قال عضو مجلس الشورى السعودى السابق الدكتور محمد بن عبدالله آل زلفة، إن «السعودية لن تتعجل فى مسألة اتخاذ إجراءات سياسية أو دبلوماسية تجاه واشنطن بعد إقرار تشريع جاستا، وإنما أعتقد أنها ستنتظر، وإذا كان هناك أى دعوى قضائية مقدمة تجاهها فإنها سترد بالشكل القانونى، لدينا محامونا وهؤلاء سيدافعون عنا أمام المحاكم الأمريكية». وأضاف «آل زلفة»، فى اتصال لـ«الوطن»: «المحاكم الأمريكية سبق أن برأت المملكة العربية السعودية من ادعاءات دعمها أو وجود علاقة لمسئوليها بأحداث 11 سبتمبر».
ويمكن للمملكة العربية السعودية أن ترد بمبدأ المعاملة بالمثل الذى تكفله المواثيق والأعراف القانونية الدولية، وهو ما حذر منه كبار مسئولى الإدارة الأمريكية وعلى رأسهم جون برينان مدير وكالة الاستخبارات الأمريكية المركزية «سى آى إيه»، الذى قال إن إعطاء الضور الأخضر للمواطنين الأمريكيين لمقاضاة السعودية يعطى لدول أجنبية الحق فى رفع دعاوى مماثلة ضد السلطات الأمريكية، وهذا يعنى أن بإمكانهم احتجاز كبار القادة والمسئولين العسكريين الأمريكيين. كما لفت إلى مسألة حق الدول فى المعاملة بالمثل فى مسألة توفير الحماية والحصانة للدبلوماسيين، وهو ما اعتبره «تهديداً للأمن القومى» الأمريكى. أما وزير الدفاع الأمريكى أشتون كارتر فحذر كبار المشرعين فى بلاده من أن تشريع «جاستا» يفتح الطريق أمام الدول الأخرى للاستيلاء على الأموال الأمريكية فى الخارج، والقبض على أى جندى أمريكى بتهم ارتكاب «جرائم مزعومة»، وفقاً له.
5: الشراكة تُجنب الصدام
«المباراة» لن تكون «صفرية» و«اللعبة» قد تتغير فى أى وقت
وأوراق الضغط كثيرة
فى الوقت الذى تؤكد فيه تقارير صحفية وسياسية كثيرة أن العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية والسعودية ستتضرر جراء إقرار الكونجرس تشريع «العدالة ضد رعاة الإرهاب»، يرى آخرون أنه لن يكون هناك صدام يضر بالعلاقات بين البلدين، لطبيعة العلاقة الاستراتيجية بين «واشنطن» و«الرياض». وقال الخبير فى شئون الشرق الأوسط الدكتور طارق فهمى، فى اتصال لـ«الوطن»، إن «الأمر لن يصل إلى حد الصدام، ولن يصل لأن تكون مباراة صفرية بين الطرفين». وأضاف: «ليس لأن المملكة لديها أوراق ضغط تتمثل فى حجم استثماراتها فى الولايات المتحدة، أو أن تقوم الرياض بإعادة تدوير أصولها الرأسمالية هناك، وإنما نظراً لأن هناك علاقة استراتيجية بين البلدين فى المجالين الأمنى والعسكرى».
وقال «فهمى»: «أعتقد أن اللعبة قد تتغير فى أى وقت داخل الولايات المتحدة، فهناك انتخابات التجديد النصفى للكونجرس، ما قد يعنى التغير فى توجهات الكونجرس». وتابع أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية: «حتى لو كانت هناك دعاوى قضائية بالفعل داخل الولايات المتحدة ضد السعودية، فإنها لن تكون معياراً لسياسات الدولة، هناك فصل فى التعامل بين الدول بين ممارسات الأفراد العاديين وقرارات وممارسات الدول».