«واشنطن وموسكو» تتنازعان فى سوريا.. والشعب يسدد فواتير الحرب
أحد المنازل التى دمرتها غارات طائرات النظام فى سوريا «أ.ف.ب»
فى الوقت الذى تتزايد فيه حصيلة قتلى ومصابى الحرب فى سوريا، لا تزال الولايات المتحدة وروسيا تتنازعان على النفوذ فى المنطقة، وهو ما دفع الولايات المتحدة إلى إعلانها تعليق المحادثات مع روسيا بشأن وقف إطلاق النار فى سوريا. وأعربت وزارة الخارجية الروسية عن أسفها لتعليق واشنطن المباحثات، مؤكدة أن «واشنطن تحاول إلقاء تبعات الفشل على روسيا». وقالت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا: «نحن نأسف لقرار واشنطن وقف عمل مجموعات الخبراء فى جنيف وسحب خبرائها وحصر الاتصالات فى مجال واحد هو تجنب الاحتكاكات». وأضافت: «واشنطن بكل بساطة لم تفِ بالشرط الأساسى الوارد فى الاتفاق وهو تحسين الشروط الإنسانية حول حلب»، مضيفة: «بعد أن فشلت فى التقيد باتفاقات قامت بنفسها بالتفاوض بشأنها، ها هى تحاول إلقاء تبعة الفشل على غيرها»، مؤكدة أن «روسيا بذلت خلال الأيام القليلة الماضية جهوداً لتطبيق اتفاق وقف إطلاق النار. الأمر كان مرهوناً بسؤال بسيط: من هى جبهة النصرة؟ ومن يقف وراءها؟ ولماذا لا تستطيع واشنطن الوفاء بوعدها بالفصل بين الإرهابيين وما يسمى المعارضة المعتدلة؟».
من جانبه، قال النائب الأول لرئيس مجلس الدوما الروسى إيفان ميلينكوف إن بلاده ربما تدفع الحرب الدائرة فى الشرق الأوسط لمكافحة الإرهاب إلى نهايتها، وذلك فى ضوء الاستفزازات الإعلامية الأخيرة والتصريحات الرسمية التى صدرت من جانب الولايات المتحدة. ونقلت وكالة أنباء «تاس» الروسية، أمس، عن «ميلينكوف» الذى يُعد واحداً من أهم صنّاع القرار فى الحزب الشيوعى الروسى، قوله إنه «فى ضوء البيانات الرسمية والاستفزازات الإعلامية الأخيرة من جانب واشنطن، فإن موسكو تستطيع توحيد جهودها لدفع حرب مكافحة الإرهاب فى الشرق الأوسط إلى نهايتها». وأضاف المسئول الروسى: «الوقت أظهر أن الولايات المتحدة تلعب لعبة مزدوجة فيما يخص التعامل مع روسيا، ولكى تحقق مصالحها، فهى تدعم بشكل مباشر أو غير مباشر القوى التى تذكى نيران الدمار وسفك الدماء والفوضى فى الشرق الأوسط».
ومن جانبه، رفض مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة فيتالى تشوركين تصريحات للمتحدث باسم البيت الأبيض اتهم فيها روسيا بـ«سرقة» نجاحات واشنطن فى الحرب ضد الإرهابيين فى سوريا. ونقلت قناة «روسيا اليوم» عن «تشوركين»، قوله: «إذا وصفت ذلك بعبارة ملطفة فهى تصريحات تفتقر إلى اللباقة»، ودعا «تشوركين» إلى عدم تصوير الخلافات بين موسكو وواشنطن على الساحة الدولية كأنها «كارثية»، معرباً عن أمله فى عدم تكرار ما وصفه بـ«الحرب الباردة»، ولم يستبعد عودة الطرفين للتعاون بشأن سوريا. وذكرت وسائل إعلام أمريكية أن «روسيا نشرت أنظمة مضادة للصواريخ داخل الأراضى السورية لأول مرة منذ تدخلها عسكرياً بشكل مباشر فى هذا البلد قبل أكثر من عام»، ورجّح مسئولون أمريكيون أن «الهدف من نشر تلك الأنظمة هو مواجهة أى هجوم صاروخى أمريكى محتمل فى سوريا». وقال مسئول إن «الجماعات المتطرفة فى سوريا مثل جبهة النصرة وداعش لا تمتلك صواريخ بعيدة المدى»، مشيراً إلى أن «سبب نشر روسيا هذه الأنظمة قد يكون مخاوف من هجوم أمريكى انطلاقاً من أحد حلفاء واشنطن فى المنطقة». وأكد ناشطون سوريون، أمس، ارتفاع حصيلة الهجوم الانتحارى الذى استهدف حفل زفاف للأكراد قرب الحسكة شمال شرق سوريا إلى 32 قتيلاً وأكثر من 80 جريحاً.
فى السياق ذاته، بدأ مجلس الأمن الدولى مفاوضات حول مشروع قرار يسعى إلى فرض هدنة فورية فى حلب، ويدعو إلى وضع حد لتحليق الطائرات فوق المدينة السورية، حيث تحاصر القوات السورية أكثر من ربع مليون شخص فى المناطق التى تسيطر عليها المعارضة هناك، لكن روسيا رفضت على الفور أى حظر لحركة الطائرات فوق حلب، وتساءلت عما إذا كان مثل هذا القرار سيؤدى إلى نتائج على أرض الواقع فى هذا الوقت. ويهدد القرار، الذى صاغته فرنسا وإسبانيا، باتخاذ «إجراءات إضافية» وهو «رمز لفرض عقوبات دبلوماسية» ضد أى طرف يفشل فى الامتثال للهدنة، ويطلب آلية جديدة لمراقبة الهدنة تشرف عليها الأمم المتحدة.
من جانبهم، اعتبر دبلوماسيون أن «الخلافات بين أمريكا وروسيا تؤثر بشكل مباشر على الشعب السورى فقط وتزيد معاناة المدنيين الذين يتعرضون للعمليات العسكرية يومياً بسبب الصراع الدائر فى البلاد». وقال مساعد وزير الخارجية الأسبق السفير عادل العدوى، لـ«الوطن»، إن «القوى المتحكمة فى الوضع فى سوريا الآن لا تراعى حالة المواطنين السوريين التى تزداد سوءاً كل يوم، وإن الخلافات فى المصالح الشخصية هى التى تتحكم فى الوضع، فليس هناك من يضع معاناة الشعب السورى نصب عينيه، فالكل يعمل وفق مصالحه الشخصية دون العمل على تخفيف أعباء السوريين، خاصة الأطفال والنساء المحاصرين فى مدينة حلب الذين يتعرضون للقصف كل يوم من كل طرف». وأوضح السفير عادل العدوى أنه «لا بد من اجتماع دولى يضع خطوات عاجلة من أجل إنقاذ الشعب السورى بعيداً عن الخلافات الدائرة بين الأطراف المعنية فى الصراع السورى وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا بعد توقف المحادثات بينهما مؤخراً». ومن جانبه، شدد سفير مصر الأسبق فى السعودية السفير سيد أبوزيد، على ضرورة توحد القوى العربية لمواجهة التلاعب من قبَل القوى الكبرى، وخاصة الولايات المتحدة وروسيا، فى ملف الأزمة السورية للحفاظ على ما تبقى من سوريا وحماية الشعب السورى وتخفيف المعاناة التى يتعرض لها.
ومن جانبها، قالت مساعد وزير الخارجية الأسبق السفيرة جيلان علام إن المشكلة فى سوريا من البداية هو موقعها وقربها من إسرائيل وتركيا، مما زاد الأزمة بها، وأصبح اللاعبون بها كثيرين، مما يزيد تعقيد الأزمة بها، وبالتالى الشعب السورى هو من يتحمل كل هذه الخلافات بين الأطراف الفاعلة فى سوريا.