«عوض».. معاشه «750 جنيهاً» وحلمه تدريس البطولات فى المناهج
عوض السيد
فى شارع البازار، أحد الأحياء القديمة بمدينة بورسعيد، يجلس عوض السيد، الشهير بـ«رضا»، أمام محله الصغير المخصص لبيع الأدوات الصحية، يتناول وجبه غداء على عجل، يظهر بملابس بسيطة، تعكس نمط حياته المتواضع. «عوض» من مواليد عام 1944، يمر به عشرات المارة يومياً، ويمضون دون أن يعرفوا دوره البطولى، وقصته أثناء وقوعه فى أسر قوات الاحتلال الإسرائيلى، وحرقه علم العدو لأول مرة، وعن ذلك وغيره يقول: «تم تجنيدى عام 1964، حصلت على فرقة إزالة وزرع ألغام، أما فى حرب 67، فكنت تابعاً لفرقة التأمين فى منطقة الحسنة بسيناء، وفوجئنا بطائرات إسرائيلية تضرب أماكن التموين ومستودعات الذخيرة وكل شىء، وكانت لدينا أوامر وقتها بعدم الرد، وفوجئنا بالهجوم علينا، وبعدها اضطررنا للاحتماء فى الجبال، وتهنا فى صحراء سيناء لأكثر من 10 أيام».
حرق العلم الإسرائيلى داخل معتقل «عتليت»
وعن تلك الأيام يقول عوض: «أوشكنا على الموت، المناطق جميعها متشابهة وفقدنا كل شىء، حتى من قابلناهم من البدو وقتها لم يساعدونا، وبعدها وقعنا فى الأسر فى يوم 15 يونيو، وأجبرونا على خلع ملابسنا، والبقاء فقط بالملابس الداخلية، وصورنا فى الأسر متكدسين فوق عربة لورى، موجودة فى كتاب صفحات من تاريخ بورسعيد، للمؤرخ البورسعيدى محمد بيوض، الذى اجتهد حتى وصل لكل تلك الصور، ونقلتنا القوة الإسرائيلية من بئر سبع حتى «عتليت»، وتم نقلنا إليها من خلال قطار، لأنها فى العمق الإسرائيلى».
أما عن الأوضاع الصعبة فى الأسر، يقول عوض: «كان الطعام لا يكفى، يقدمون لنا لقيمات خبز قليلة، وكل 5 أفراد بصلة واحدة، وأحيانا علبة سردين، ويضعونا فى أقفاص خشبية، وفى يوم حاولنا عمل فتحة فى أحد تلك الصناديق الخشبية، أطلقوا النار عشوائياً علينا، واستشهد زميلنا محمد عبدالنبى، هنا قامت ثورة فى العنابر الخشبية، وقمنا بتحطيمها، كانت أعدادنا كبيرة، وما لفت نظرنا أنه بمجرد خروجنا وتحطيمنا للعنبر رقم 5 قام بعض الحراس الإسرائيليين بالهرب».
ويحكى عوض عن حرقه للعلم الإسرائيلى لأول مرة أثناء وجوده فى الأسر، قائلاً: «أثناء تدافعنا وهجومنا على الإسرائيليين، لفت نظرى العلم الإسرائيلى يرفرف على الصارى، خلصته من الحبل، وهرولت للمطبخ وقمت بإشعال النار به، وعندما خرجت به مشتعلاً، كانت المنطقة تشبه ساحة المعركة، وعندها أصبت بطلق نارى فى كتفى». ويضيف: «لم تتحسن أوضاعنا الصحية فى الأسر سوى بعد وصول الصليب الأحمر، وبقيت فى السجن لمدة 6 أشهر، حتى تمت مفاوضات تبادل الأسرى، وبقينا نتنقل من القنطرة شرق حتى القنطرة غرب، وبعد عودتنا استقبلنا التوجيه المعنوى وركبنا أوتوبيسات، ووضعونا فى الحجر الصحى فى الهايكستب 5 أيام». وعن الظروف المادية الصعبة التى يمر بها «عوض» يقول: «معاشى لم يتجاوز 750 جنيه، وشفنا المر، أنا مش طالب أى شىء مادى ولا تكريم ولا أى شىء، أنا بحلم يدرسوا قصص أبطال أكتوبر للأولاد فى المدارس»، ويؤكد عوض أنه يشعر بحزن حقيقى، عندما يستمع إلى شباب غاضب، يقومون بإهانة الدولة، لكونهم حانقين على الأوضاع المادية، بالرغم من أنهم لم يشهدوا معاناة مشابهة لما عانى منه، جيل النصر والنكسة على حد قوله.
ويختم عوض حديثه لـ«الوطن» قائلاً: «الجيل الجديد نسى حربنا على الأرض والشرف، وبقى بيجرى ورا الشقق والعربيات والموبايلات، الناس كمان نسيتنا».