الفضائيات المسيحية.. شاشات حصرية للأعمال القبطية
الفضائيات المسيحية.. شاشات حصرية للأعمال القبطية
رغم إنتاج الكنيسة وشركات الإنتاج المسيحى على مدار العقود الماضية، مئات الأفلام الدينية المسيحية، فإن هذا الإنتاج لا يجد طريقه للعرض إلا عبر القنوات المسيحية الفضائية، التى تحولت لشاشات عرض لتلك المنتجات الفنية، فى ضوء إحجام الكنائس وتلك الشركات عن عرض تلك الأفلام فى دور العرض، نظراً لتكلفة العرض فى دور السينما وإحجام المشاهدين عنها وعدم تحقيقها أرباحاً، فضلاً عن خشية التعرض للاتهام بالتبشير للمسيحية.
ورغم الإنتاج الهزيل لتلك النوعية من الأفلام، وركاكة التصوير والتمثيل والإخراج، فإنها تعتمد فى تمويلها على أموال الكنائس أو الأديرة أو شركات الإنتاج التى تسعى لبيع إنتاجها عبر شرائط الفيديو قديماً ثم السيديهات داخل مكتبات الكنائس والأديرة فى الوقت الحالى، وبيع الأفلام حصرياً إلى القنوات الفضائية، قبل أن تتلقى تلك الشركات ضربات جعلتها تعلن توقف نشاطها بسبب تسريب أعمالها على الإنترنت، ما كبدها خسائر لم تستطع أن تقاومها، واقتصر الإنتاج حالياً على الأديرة والكنائس فقط.
33 قناة مسيحية عربية منها 11 «مصرية».. والكنيسة القبطية الأرثوذكسية لها «نصيب الأسد»
ولأنه من النادر أو من المستحيل أن تجد قناة عامة أو خاصة تعرض الأعمال الدرامية المسيحية أو العظات الدينية المسيحية، كما تعرض الأعمال التاريخية الإسلامية، فالتليفزيون الرسمى للدولة الممول من أموال المصريين «مسلمين ومسيحيين»، تقتصر تغطيته للشأن القبطى على نقل قداسات عيدى الميلاد والقيامة فقط، ورغم أن إحدى القنوات الفضائية الخاصة، التى أغلقت مؤخراً، كانت تذيع قداس الأحد أسبوعياً على شاشتها نقلاً من الكاتدرائية المرقسية بالعباسية على الهواء مباشرة، إلا أنه خلافاً لذلك لم توجد أى مواد للأقباط على القنوات الحكومية والخاصة، ما فتح الباب ليبحث القبطى عن النوافذ الإعلامية التى تملأ الفراغ الدينى لديه، ورغم اتجاه الكنيسة إلى محاولة سد هذا الفراغ بإطلاق قنوات فضائية، فإن هناك بعض المتطرفين الذين وجدوا ضالتهم فى إطلاق قنوات مسيحية تحض على التطرف وتغذى الشعور بالاضطهاد وتبث الفرقة بين المصريين. ومع مرور الوقت تحولت القنوات الفضائية المسيحية الكنسية والخاصة، إلى شاشات عرض للمحتوى الدرامى والسينمائى القبطى الذى تنتجه شركات خاصة قبطية أو تلك القنوات نفسها أو الأديرة والكنائس.
وحسب أحدث الإحصائيات توجد 33 قناة مسيحية عربية، منها 11 قناة مصرية، تحصل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية على نصيب الأسد منها، حيث أطلقت مؤخراً قناة مسيحية للأطفال تسمى «كوجى» على القمر «نايل سات»، يشرف عليها الأنبا مرقس، أسقف شبرا الخيمة وتوابعها، ورئيس لجنة الإعلام بالمجمع المقدس للكنيسة، وذلك لمواجهة قنوات الأطفال التى تطلقها القنوات المسيحية الأخرى، خاصة البروتستانت.
وقرر المجمع المقدس للكنيسة القبطية الأرثوذكسية، فى مايو 2015، برئاسة البابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، وعضوية 115 من أساقفة ومطارنة الكنيسة، تخصيص لجنة للقنوات الفضائية يتولى مسئوليتها الأنبا بيشوى، مطران دمياط وكفر الشيخ والبرارى.
«تواضروس» قرر تشكيل لجنة مجمعية لمتابعة الفضائيات برئاسة «بيشوى».. وشركات الإنتاج الكنسية تخشى الاتهام بالتبشير
وفى دراسة للدكتورة نهى عاطف العبد، المدرس بقسم الإنتاج الإذاعى والتليفزيونى بالأكاديمية الدولية للهندسة وعلوم الإعلام، بعنوان «استخدامات الجمهور المسيحى للقنوات الفضائية المسيحية والإشباعات المتحققة - دراسة ميدانية مقارنة على الصفوة والجمهور العام»، كشفت أن أكثر وسائل الإعلام التى يتابعها الأقباط هى: القنوات الفضائية المسيحية، وأن أهم القنوات المفضلة لجمهور الدراسة هى قناة «أغابى» التابعة للكنيسة القبطية، وقناة «الحياة» الخاصة، التى تبث مواد معادية للإسلام وتعتمد على برامج لمجموعة من المتنصرين وبدأ بثها فى 15 سبتمبر 2003 على القمر الأوروبى «هوت بيرد»، وتمولها مؤسسة تمتلكها واعظة مسيحية تدعى «جويس ماير»، وكان أشهر برامجها للكاهن المصرى المتطرف «القمص زكريا بطرس» بعنوان «أسئلة عن الإيمان»، وتوقفت إذاعته بعد أن ترك «بطرس» القناة.
الظهور الأول للقنوات الفضائية المسيحية الدينية كان عبر انطلاق قناة «سات 7» على القمر الأوروبى «هوت بيرد» فى مايو 1996، التى نظم المركز الإعلامى الإنجيلى فى نهاية مايو الماضى احتفالية بمناسبة مرور 20 عاماً على انطلاق خدمة بث محطته «سات 7»، بمسرح الأنبا رويس بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية، بمشاركة رؤساء الكنائس المصرية وعدد من البرلمانيين، وتم خلاله تكريم عدد من الإعلاميين المسيحيين وشهداء الأحداث الطائفية فى مصر مثل أسر ضحايا «داعش» بليبيا، قبل أن يظهر التفكير فى إنشاء قنوات مسيحية مصرية فى عام 2003، عقب الغزو الأمريكى للعراق، بدعوات من المنظمات القبطية المسيحية فى المهجر المعروفين بـ«أقباط المهجر»، وعقد مؤتمر فى كندا يومى 16 و17 يوليو 2004، طالب منظموه بدعم مالى لإنشاء محطات فضائية قبطية توجه للمنطقة العربية تعبر عن مشاكل المسيحيين فى مصر، لتنطلق قناة «أغابى»، التابعة للكنيسة القبطية الأرثوذكسية، عام 2005 على القمر الأمريكى «تلستار»، وحالياً تبث على «نايل سات»، ويشرف عليها الأنبا بطرس، الأسقف العام.
وتمتلك الكنيسة القبطية الأرثوذكسية قنوات أخرى منها «مامرقس» التى تبث من الكاتدرائية المرقسية بالعباسية منذ عام 2011، ويشرف عليها الأنبا أرميا، الأسقف العام ورئيس المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى، وقناة «اللوجوس»، وهى أول قناة للكنيسة الأرثوذكسية مهتمة بالمهجر، ويرأسها الأنبا سرابيون، مطران كاليفورنيا وهاواى، وتذيع برامجها باللغتين العربية والإنجليزية. ويمول رجل الأعمال القبطى ووكيل المجلس الملى العام بالكنيسة الأرثوذكسية المنتهية ولايته، ثروت باسيلى، قناة «سى تى فى»، فضلاً عن وجود قنوات أخرى يمولها عدد من رجال الأعمال الأقباط تبث على «النايل سات» و«هوت بيرد» مثل: «الكرمة»، و«معجزة»، و«الراعى الصالح»، و«الملكوت»، و«الطريق»، التى بدأ البث التجريبى لها فى أغسطس 2009 وتعتمد على سياسة التشكيك بالدين الإسلامى، ويتضح ذلك من خلال مضمون البرامج التى تعرضها مثل برنامجى «رمضان فى عقل متنصر»، و«محتويات القرآن»، ويعمل بها بعض المتنصرين، وآخرهم المتنصر «محمد حجازى»، الذى قبض عليه بالمنيا فى 2014 بتهمة إثارة الفتنة الطائفية.
بالإضافة إلى قنوات: «الروح»، و«الملاك»، و«قوس قزح»، و«الله الحى»، و«الإنجيل»، وكذلك قناة «الفادى» المدعومة من القمص المشلوح من الكنيسة زكريا بطرس، وتعتمد برامجها على التبشير بالمسيحية، وبث برامج لعدد من المتنصرين، وكذلك قنوات «الحياة»، و«الحقيقة»، و«الرجاء»، التى تشير إلى أنها تهتم بقضايا اضطهاد المسيحيين فى مصر ويترأسها القمص مرقس عزيز، كاهن الكنيسة المعلقة بمصر القديمة، الذى يخدم حالياً فى إحدى الكنائس القبطية بالولايات المتحدة الأمريكية، والذى حُكم عليه بالإعدام فى قضية الفيلم المسيىء للرسول، عليه الصلاة والسلام، مع آخرين.
وتلتزم القنوات الكنسية التابعة لإشرافها على مضمون مسيحى متزن تهتم بالروحانيات والعظات وتبعد عن الإثارة، بل وتغطى أحياناً الشأن السياسى المصرى العام، وتفرض الكنيسة وصاياها على ما يعرض على تلك الشاشات وتنقيته من الشوائب حسب وجهة نظرها، فلا تعرض إلا ما هو مجاز من وجهة نظرها ويتفق مع عقيدتها سواء أرثوذكسية أو كاثوليكية أو إنجيلية، وما دون ذلك لا يجد منفذاً لعرضه، ولكن القنوات المسيحية كحال معظم الفضائيات تحقق خسائر سنوية، ما جعلها تحجم عن إنتاج أعمال سينمائية ودرامية مسيحية فى الآونة الأخيرة، أما القنوات المسيحية الخاصة فيمولها رجال أعمال أو بإعلان بفتح باب التبرعات لاستمرارها، ويغلب على مضمونها الإثارة والتشكيك فى الديانات الأخرى، خاصة «الإسلام»، وأبرزها قناة «الحياة»، الأمر الذى دفع الأزهر الشريف ليخرج أكثر من مرة ويطالب الكنيسة بالتدخل للعمل على توجيه وتصحيح مسار هذه القنوات التى من شأنها إثارة الأحقاد والضغائن وتهديد أمن المجتمع المصرى وزعزعة استقراره والتفرقة بين أبنائه حفاظاً على مصلحة الوطن العليا.